صَنَع الله ابراهيم يروي ذكرياته / يوسف عبدالله محمود

يوسف عبدالله محمود ( الاردن ) – الأحد 17/10/2021 م …



* الصور للمناضل صنع الله ابراهيم …

صَنَع الله ابراهيم احد عمالقة الروائيين العرب تُرجمت رواياته “تلك الرائحة” و”الثلاثية” و”نجمة اغسطس” و”حرب 1967″ و”ذات” وغيرها الى معظم اللغات العالمية.

اعتقله الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مع آخرين من الشيوعيين عام 1959 ولم يفرج عنه وعن رفاقه الا عام 1965. يروي صَنَع الله ابراهيم قصة اعتقاله حين زُج به مع شهدي عطية في سيارة عسكرية مقيدي اليدين، ولدى وصولهما الى سجن “ابو زعبل” انهال عليهم رجال المباحث والمخابرات والضباط بالضرب المبرح. لحظة قاسية جداً! اعتبرها صنع الله من اقسى لحظات حياته ومن قسوة الضرب توفي الرفيق الشيوعي شهدي عطية. وهنا يطلب رجال المباحث والضباط من صنع الله ان يعترف بان شهدي عطيه توفي في الطريق وإن لم يفعل فسيناله المزيد من الضرب المبرح، لكنه رفض وإن كلفه ذلك حياته.

في تلك الاثناء كان الزعيم الراحل عبد الناصر في يوغوسلافيا، وقد فوجئ بصحفي يسأله: لماذا قتلتم شهدي عطيه؟ عندها اتصل بوزير الداخلية طالباً التحقيق في اسباب الوفاة والكف عن تعذيب السجناء الشيوعيين، وكان منهم محمود العالم وعبد العظيم انيس وعبد المنعم تليمة.

وحين سُئل صنع الله ابراهيم في حوار بثته اذاعة ال BBC البريطانية عن ملابسات اطلاق سراحهم قال: ما حدث ان دعوة وجهت الى خروشوف وزير الخارجية السوفيتي لحضور بناء السد العالي، وهنا اشترط على الرئيس عبد الناصر اطلاق السجناء الشيوعيين قبل تلبية الدعوة، لأن زبارته لمصر قبل ذلك اعتبرها إساءة إليه. وهذا ما حصل اذ أفرج عن صنع الله ابراهيم ورفاقه الآخرين. وحين سُئل هل فرحت حين توفي عبد الناصر: اجاب: طبعاً لا.

كم -والكلام له- نفتقد هذا الزعيم الذي عمل على نشر العدالة الاجتماعية والقضاء على الطبقية التي تم تكريسها بعد رحيله.
وحين سُئل لماذا زَج عبد الناصر الشيوعيين في السجن عام 1959 قال: السبب اننا انتقدنا تفرد هذا الزعيم بالحكم دون ان يسمح للآخرين بالاعتراض على بعض تصرفاته. انتقدنا مطالبته بإلغاء الاحزاب في سوريا بعد الوحدة وترسيخ سيطرة الاتحاد الاشتراكي، وهذا يعني إلغاء حزب البعث الحاكم والاحزاب التقدمية الاخرى.

ورغم عذاب السجون ظل صنع الله ابراهيم مخلصاً لعبد الناصر، بل قال: انه ينوي كتابة رواية عن عهده.

انتقد صنع الله ابراهيم عهد السادات في رواية له اسماها “الثلاثية” وفيها فضح ما اسماه السادات بالانفتاح الذي اطلق يد الصهيونية العالمية والاستعمار في الاستحواذ على ثروات مصر.

ومن الذكريات التي اشار اليها حيث تم عام 2003 دعوته لتكريمه بجائزة الدولة ايام الرئيس الراحل حسني مبارك. الذي حدث انه اعتلى المنصة واعلن رفضه للجائزة التقديرية موضحاً اسباب الرفض وهي وجود الكثيرين من اصحاب الرأي معتقلين في السجون المصرية وما يسود الحياة المصرية من فساد. كان رفضه للجائزة موضع ترحيب من الشرفاء المصريين.

ومما ذكره عن رحيل عبد الناصر أكد صنع الله ابراهيم انه قُتل ولم يكن موته طبيعياً وهذا ما اكده الطبيب المشرف عليه.

صنع الله ابراهيم في رواياته ربط السياسي بالاجتماعي والاقتصادي في نسيج محكم. تُرجمت اعماله الروائية الى اللغات الاجنبية.

يُحمد له تواضعه الجم وعدم نفاقه كما فعل غيره من الكتاب الاخرين الذين ادمنوا النفاق.

انضم صنع الله ابراهيم الى الحزب الشيوعي مبكراً وهو في العشرين من العمر او بعده بقليل. ومما ذكره في احدى حواراته أن جزيرة تيرانا وصنافير ما كان سيتم التنازل عنهما للسعودية لو حدث ذلك ايام الراحل عبد الناصر.

يبقى ان اقول ان صنع الله ابراهيم قامة ادبية شامخة لم يساوم على قناعاته الفكرية لم تزده السجون الا عنفواناً.

“في الماضي كان السارق يسجن، اما اليوم فيسجن من يقول الحقيقة” (مكسيم غوركي)

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.