كلام متأخر ومعاد / توجان فيصل
توجان فيصل ( الأردن ) الجمعة 10/6/2016 م …
نشرت كاتبة اقتصادية أردنية قبل أيام مقالا عنوانه “الثروة المعدنية ..كم تأخرنا!”. وعلامة التعجب لها. ولكن الأعجب أن الكاتبة ذاتها تأخرت كثيراً بحيث لو جاز افتراض أن صناع القرار سيعملون على تفعيل ما قالت السيدة الكاتبة أنها “أنجزت تحقيقاً فيه” قبل سنوات، فهي تأخرت بأكثر مما تظن.
فحوى التحقيق يلخصه عنوانه، “الأردن غني تحت الأرض فقير فوقها”. ويشير للثروات المعدنية التي تحويها الأرض الأردنية، وتقول الكاتبة أن واحدة منها يمكن أن تصبح مصدر دخل رئيسياً للبلاد.. وأضيف لما: واثنتان أو ثلاث منها يمكن أن تغنينا عن أي اقتراض أو طلب معونات، بل وتتيح لنا الشروع في تسديد فوائد وأقساط المديونية الهائلة التي أرفض تسميتها “مديونيتنا”، كونها مديونية من عملوا على مراكمتها وما زالوا يعلنون نيتهم العمل على زيادتها كهدف أوحد للحكومات المتعاقبة. فكل حديث عن الاقتصاد يحدد صراحة أن هدفه عمل ما يلزم لإثبات “التأهل” للمزيد من المعونات والقروض. وبما أن الأول شح ويكاد يختفي فالمطلوب والجاري التأهل له، هو المزيد من الاقتراض!
وأضيف أيضاً أن ثرواتنا كفيلة بحل مشكلة البطالة بإنشاء سلسلة كبيرة من الصناعات التي تقوم على تلك المعادن. والتشغيل هو فقط واحد من أشكال القيمة المضافة التي تتأتى من استثمارنا لثرواتنا المعدنية بأنفسنا، وأقله هنا على أرضنا. فالأهم، بقاء تلك الثروات ملكنا نحن الأردنيين أصحاب الأرض وما عليها وما في جوفها، بدل بيعها لآخرين كما جرى للفوسفات (نفطنا) وللبوتاس.
الكاتبة (رئيسة تحرير اليومية التي تكتب فيها) نسيت أو تناست مقالة لزميل لها (كاتب اقتصادي أيضاً وفي ذات الصحيفة) حدثنا بتفاخر بتحقيق مصنع لفوسفاتنا لقيمة مضافة كبيرة بما حفز لإقامة مصنع ثان لتكريره. ولكن الكاتب يقفز عن حقيقة أن المصنعين أقيما في إندونيسيا ويشغلان الأندونيسيين من قمة الإدارة لأصغر عامل! ويبرر كاتبنا فرحه بكون حكومتنا ما زالت تملك 15% من شركة الفوسفات (الأردنية) زاعماً أننا بهذا سنتلقى هذه النسبة من أرباح تلك المصانع. وهو زعم غير صحيح لأن شراكتنا الشحيحة المتبقية هي في التعدين البدائي، أي بتصدير “التراب” الحاوي للفوسفات ومعادن أخرى قد تكون أهم، ونعرف أن تصنيعها ينتج طيفاً واسعاً من المواد والمصنوعات غالية الثمن خفيفة الوزن ورخيصة النقل ومتعددة الأسواق، وقد نكون نحن على قائمة أسواقها تلك.. حينها اضطررت لتصحيح مزاعم (أو معارف ؟!) الكاتب الاقتصادي عن “القيمة المضافة” في مقالة سابقة نشرت على هذا الموقع!
والكاتبة قد لا تعرف أيضاً أنها لم تأت بجديد وأن لا حاجة لبحث جديد. ففي سبعينيات القرن الماضي عرضت لمختلف ثرواتنا المعدنية في برامجي التلفزيونية التي كانت تحظى بمشاهدة عالية وبمشاهدة حثيثة من ذات الحكومة (يشهد عليها كافة المسؤولين وأولهم كان وزير الإعلام حينها السيد عدنان أبو عودة ومن آخرهم الذي أشاد بسويتها الملك الراحل ردا على صحفيين سألوه مستنكرين تكفيري حين ترشحت للنيابة عام 1989) . أي أن كل هذا وضع أمام “أصحاب القرار” منذ عقود. ومصادري كانت دراسات لخبراء جلهم كانوا في “سلطة المصادر الطبيعية”.. بل وفصّلتُ تحديداً حينها في استثمارات الفوسفات، وفيما كان يسمى “الرمل الزجاجي”، ويسمى الآن “السيليكا” وتستعمل الكاتبة المسمى الجديد.
الكاتبة لم تتأخر أربعة عقود، ربما لأنها في سبعينيات القرن الماضي لم تكن لا كاتبة ولا اقتصادية، ولكنها حتما تأخرت في الحديث عن بيع الفوسفات، وتأخرت في الرد على زميلها الذي احتفل بالقيمة المضافة “للمشترين” بدل إبداء الأسف على البيع الرخيص.. وتأخرت لكونها لم تنتقد حكومة النسور الذي عمل في غضون شهر من توليه الرئاسة (خريف 2912) على قانون “إعادة الهيكلة ” الذي مكن من إلغاء سلطة المصادر الطبيعية (ربيع 2013) لصالح وزارات لم تفد سوى من وزروا عليها، فيما تضاعفت المؤسسات الحكومية المستقلة (بمعنى إخراجها من رقابة النواب لميزانيتها) والخاسرة غالبيتها وخسائرها تشكل أغلب العجز المالي الرسمي.
وتأخرت الكاتبة لأن مقالتها هذه جاءت بعد أيام من إقرار مجلس النواب لقانون صندوق الاستثمار بالبصم عليه كما جاءت به الحكومة، وبعدها بأيام رحل المجلس مع الحكومة ثقيلة الظل والإرث. وهو قانون يتيح “تملك ” المستثمرين “لأرضنا” ما فوقها وما تحتها! بدلالة أن الحكومة تتعهد بنزع الملكية الخاصة للعقار والأرض من أصحابهما مع إعطائها للمستثمر- وجلهم يملكونها أباً عن جد منذ ما قبل قيام إمارة شرق الأردن- إن رفضوا بيعها بما أسمي سعرا “عادلا”( دونما تحديد لمعيار العدل بما يجعله أغرب تعريف للعدل في قوانين العالم كله)، والذي هو مخالفة صريحة للدستور وحقوق المواطن فيه!
ما نقرأه لكتابنا يعيدنا لعنوان مقالتنا السابقة، لنتساءل عن “منطق” القول، ولمن يقال؟!
التعليقات مغلقة.