لبنان لن يكون “مَكْسَرْ عصا” لحكّام السعوديّة / موسى عباس
موسى عباس ( لبنان ) – الثلاثاء 2/11/2021 م …
التاريخ يُعيد نفسه بين لبنان والسعودية :
إنّها ليست المرّة الأولى التي يسعى فيها الحكّام السعوديون لتخريب لبنان ولإبتزاز السلطات الحاكمة فيه ، لأجل مصالحهم ومآربهم الخاصّة غير آبهين بمصالح لبنان واللبنانيين ولا بكراماتهم ، هذا دأبهم منذ عقود طويلة، فما حدث بعد حرب حزيران من العام 1967 وقف غالبيّة اللبنانيين مؤيدين لمواقف الرئيس جمال عبد الناصر وضد الموقف السعودي المعادي لعبد الناصر حينها وجّهت السعوديّة إنذاراً على لسان وزير خارجيتها للبنانيين طالبةً منهم التراجع عن مواقفهم وإلّا سيدفعون الثمن، وسيتم طرد اللبنانيين اللذين يعملون في المملكة وأقدمت على منع التصدير من لبنان إلى السعوديّة ، وحينها لم يكن حزب الله موجوداً .
وفي شباط
وها هو التاريخ يعيد نفسه، إنّها الكيدية والإستعلاء والتجبّر والغرور .
هم يتصرّفون بمبدأ :” نحن الأسياد وأنتم العبيد” علماً أنّ من يراجع التاريخ منذ ماقبل نشوء المملكة وحتى تاريخه يجد أنّهم ما كانوا يوماً أسياداً إلّا على المستضعفين من شعبهم ومن الشعوب المقهورة من حكّامها ، بينما هم واقعاً كانوا ولا زالوا عبيداً للغرب بدءاً من المملكة المتحدة” بريطانيا” وصولاً إلى الولايات المتحدة “أمريكا”.
أشهُرٌ ثلاثة قبل تسميته وزيراً في الحكومة اللبنانية أعلن الوزير جورج قرداحي موقفه الرافض للحرب ضد اليمن وهو في ذلك لم يَحِدْ عن مبادئه فهذه هي مواقفه الثابتة منذ سنوات طويلة بحيث لم نعهد له مواقف غيرها فهو ضد احتلال الصهاينة لفلسطين ومع المقاومة في حرب تمّوز وفي حرب غزّة وضد الحرب الإرهابية على سوريا .
وبعد مرور أكثر من شهر على تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ، وفجأةً ودون سابق إنذار بدأت الحملة الشعواء ضده وتجدّدت ضد حزب الله وضدّ لبنان ،ولمعرفة خلفيتها لا بُدّ من متابعة تسلسل الأحداث في لبنان والمنطقة حيث نجد أنّ المملكة السعودية وحلفاءها من اللبنانيين قد مُنيوا بهزائم متتالية فكان لا بُدّ من إثارة أزمة تغطُي من خلال ضجّة مفتعلة على الهزائم وتصرِفَ نظر الرأي العام العربي والأوروبي عمّا يجري في اليمن.
وإلّا لماذا لم تطلب المملكة أو سفارتها في لبنان منع توزير قرداحي قبل إعلان تشكيل الحكومة باعتباره شخص غير مرغوب منها خاصّةً وأنّ اسمه كان معلوماً لمن يهتم بذلك الشأن ، وبالطبع لم يكن الرئيس ميقاتي الذي يتمنى رضى المملكة ليرفض لها طلب وربّما لم يكن الرئيس عون ولا الوزير سليمان فرنجية ليصرّوا على توزيره وكانوا وجدوا البديل له؟!!.
علامات استفهام متعدّدة أظهرها الأسلوب الغير دبلوماسي والقاسي جداً الذ ي تعاطت به المملكة مع حدث سابق لتولّي قرداحي المنصب الوزاري
-الأسباب التي دفعت المملكة لحملتها الشعواء:
– الهزائم المتلاحقة في اليمن ولا سيّما سعي الجيش اليمني و”أنصار الله”لتحرير مأرب من احتلال التحالف.
– تغطية على مجزرة “الطيّونة”التي كان السبب في حدوثها حليفهم المفضّل في لبنان “وحليف الكيان الصهيوني “سمير جعجع” وعلى فشلهم في إحداث الفتنة والحرب الأهلية مُجدّداً في لبنان.
-تغطية على تنامي العلاقة الصهيونية والسعوديّة والتطبيع القائم والهبوط المتبادل للطائرات السعوديّة والصهيونية في مطارات بن غوريون والرياض.
-إثارة موجة سياسيّة إعلامية جديدة ضد حزب الله للتغطية على الذي جرى في مجزرة “الطيّونة ” خاصّةً بعد اتهام القضاء العسكري لحزب القوّات اللبنانية بارتكابها وبعد استدعاء رئيسها المجرم سمير جعجع للإستماع إليه ، بعدما تبيّن أنّ قسماً من الذين شاركوا في الجريمة استحضِروا من “معراب” مقر إقامته.
-تشديد الحصار على لبنان واللبنانيين لزيادة واستحضار اتّهامات جديدة وقديمة لحزب الله بأنّه يُهيمن على قرارات السلطة في لبنان، لا سيّما بعد فشل البطريرك الراعي في تحقيق خرق في جدار المواقف المتشددة من أحداث “الطيّونة”بعد زياراته للمسؤولين اللبنانيين ، وفشل عروض المساومة التي كانت بدايةً عبر عرض انهاء القضيّة بكاملها (قضيّة تنحي القاضي البيطار) مقابل إلغاء مُذكّرة استدعاء “جعجع”.
– لكن السبب الأهم هو أنّ وليّ عهد المملكة شعر بالإهانة الشديدة عندما نقل له الوفد السعودي المفاوض للوفد الإيراني في بغداد أنّهم عندما طلبوا من الإيرانيين مساعدتهم في وقف هجوم أنصار الله الذي يهدف لتحرير مأرب أنّ الوفد الإيراني أجابهم:
” بأنّ عليهم أن يطلبوا من حزب الله في لبنان التوسُّط لهم لدى أنصار الله لأنّ علاقته أفضل مع الحوثيين”.
وقد نقل الإعلام الغربي أنّ وليّ العهد السعودي لم يتحمّل تلك الإهانة وقرّر الرد عليها في لبنان من خلال حليفه المفضّل لدى الصهاينة والأمريكيين ودفعه لإفتعال حرب ضد حزب الله في لبنان، ولأجل ذلك إختارت الغُرَف السوداء في السفارتين السعودية والأمريكية لتنفيذ مخطّط جرّ حزب الله إلى فتنة وحرب أهلية عبر استغلال الدعوة للتظاهر أمام قصر العدل للإحتجاج على القاضي البيطار بسبب قراراته بخصوص جريمة تفجير مرفأ بيروت.
– هل تتعامل السعودية في علاقاتها مع باقي الدول كما تتعامل مع لبنان وباقي العرب ؟:
– التعامل مع الغرب بدونيّة بينما مع العرب بالإستعلاء.
– هم لا يجرؤون على مواجهة السخرية الأمريكية والأوروبية والصهيونية من الملك السعودي ومن الأسرة المالكة عبر إعلامهم الذي يعتبرهم مُجرّد حكّامٌ قصور الجواري وسوق لبيع الأسلحة.
– لم يجرؤوا على الردّ على الإهانة التي وجّهها “ترامب”للملك السعودي
وقوله له “لن تستطيع البقاء في الحكم لأسبوعين دون حماية امريكية وعليك أن تدفع لأجل ذلك، وكذلك على وصفه المملكة بأنّها “البقرة الحلوب”.
هل يجوز ان يبقى لبنان واللبنانيون مكسر عصا للأعراب المتصهينين؟
– السفير السعودي في لبنان لا يرى في لبنان سوى المجرم سمير جعجع حيث قام بزيارته قبل مغادرته بيروت في “معراب ” لتقوية معنويّاته التي باتت في الحضيض بعد مجزرة الطيّونة.
-إنّ زمن التعامل مع جميع اللبنانيين على أساس أنّ بلدهم مُجرّد كازينو وكباريه وخمّارة قد ولّى ولغير رجعة، هذا ينفع مع اللاعقين لقصاعهم في الخيم التي ينصبونها في باحة سفارتهم.
-رجال الأعمال والعمّال اللبنانيون ما كانوا يوماً يستعطون المكارم ولا الهبات الملكية، بل ساهموا إلى جانب إخوانهم من العرب ومنذ خمسينات القرن الماضي جاهدين في التطوّر الذي حدث في المملكة في جميع المجالات، وما جنَوْهُ كان بتعبهِم وبعرق جبينهم وليس منّةً ولا مكرُمةً من أحد.
لذا فإن أسلوب الإستعلاء والإستقواء لا يمكن فرضه على من لديه كرامة ويأبى الخضوع لغير الله.
– يبدو أنّ توافق رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الحكومة على معاودة إجتماعات الحكومة وإعلان ذلك لم يَرُقْ لمن يرفضون الإستقرار في لبنان وعلى رأسهم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والدول التابعة لهم ومن بينهم السعودية الذين يتطلعون إلى ابقاء الوضع اللبناني تحت الضغط والإنهاك وغايتهم من وراء ذلك تحقيق تنازلات سياسية من المقاومة.
لذا ليس من المستغرب أبداً أن تكون “الرياض” خلف الأحداث التي وقعت سواءً في “كمين خلدة” أو في “كمين الطيّونة” بهدف استفزاز المقاومة وجرّها إلى صراع داخلي، لكنّ رياح المقاومة لم تجرِ كما اشتهت سُفُن “واشنطن وتل أبيب والرّياض”.
– إنّ مأزق حكّامٌ السعودية وحراجتهم وعلى رأسهم محمد بن سلمان يكبُر ويتّسع في جميع الإتجاهات مع كل نصرِ يحققه أحرار اليمن ، وهذا المأزق سيزداد اتساعاً مع تحرير مدينة مأرب الأمر الذي يبدو وأنّه لم يعد بعيداً.
إضافةً إلى أن الحصان الذي تراهن عليه المملكة لتفجير الوضع في لبنان محاولةً منها لإمساك الوضع فيه تعويضاً عن اليمن، هذا الحصان بات خاسراً ومهزوماً ومحاصراً مثلها بعد مجزرة الطيّونة وبعد استدعائه للشهادة أمام القاضي العسكري، لذا افتعلت واختلقت مشكلة الوزير قرداحي لإحراج رئيس الحكومة وآخرين يعتبرون أنفسهم من حلفائها وعلى رأسهم جنبلاط لتفجير الحكومة وخلق فوضى تطيح بشبه الإستقرار الذي نشأ بعد تأليف الحكومة، هذا من جهّة ، ومن جهةٍ ثانية علّها بذلك تنقذ حليفها جعجع من مأزقه، ربّما تنجح في الإطاحة بالحكومة اذا ما سايرها ضعاف النفوس اللاهثون وراء ملايينها ، واذا فشلت ، فستبحث عن كمين آخر ، ولكن في هذه المرّة ستكون خسرت اليمن ولبنان.
التعليقات مغلقة.