لعبة الحبّار “Squid Game” … سباق انتحاري يفضح وحشيّة الرأسماليّة ​




بوستر المسلسل

مدارات عربية – الثلاثاء 2/11/2021 م …

بين عشية وضحاها أصبح مسلسل الكوري الجنوبي Squid Game أو “لعبة الحبّار”، هو الأشهر عالمياً في حجم الانتشار والمشاهدة على منصة “نيتفلكس”، حين بدأ عرضه في 17 أيلول  (سبتمبر) الماضي عبر 9 حلقات، مستحوذاً على عدد ضخم بلغ ملايين المشاهدات على المنصة الرقمية الشهيرة، مستقطباً خلال أقل من شهر من طرحه نحو 111 مليون مشاهد، بجانب التفاعل وإثارة الجدل والمناقشات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

“لعبة الحبار” من تأليف وإخراج هوانغ دونغ هيوك، وبطولة لي جونغ جاي، وبارك هاي – سو، وكونغ يو، وهويون جونغ، ولي بيونغ هون.

 تدور حوادث المسلسل حول لعبة البقاء على قيد الحياة، والتي تبدأ بـ 456 متسابقاً يكابدون الحياة ويعانون من ثقل ديونهم، فقرروا المشاركة في مسابقة غريبة جداً، تتضمّن ست ألعاب، تعتمد على ألعاب الأطفال، من يمكنه الفوز في كل لعبة ينتقل إلى الأخرى، بينما الخاسر يلقى حتفه بطريقة بشعة، يتخلل ذلك لحظات عصيبة ومرعبة يعايشها المتنافسون، بين القتل والدماء، فيما كان المتسابقون يعتقدون أنها لعبة عادية ليكتشفوا بأنهم يخاطرون بحياتهم لأجل المال، إذ جرى انتقاؤهم بعناية للمشاركة نظراً لفقرهم وتراكم ديونهم.

في البداية لا يُكشف عن مضمون اللعبة، حتى يجيء وقت اللعب، فيبدأ سقوط الضحايا، وبالتوازي تتدفق العملات الورقية في كرة زجاجية معلقة فوق رؤوس اللاعبين، ما يدفع المتنافسين للمطالبة بتفعيل البند الثالث في تعاقد المسابقة، وهو “إيقاف اللعبة بعد موافقة الغالبية”، ليعود المشاركون إلى حياتهم الواقعية ليجدوا أنها لا تختلف كثيراً عن الموت ويقرروا من ثمّ العودة إلى اللعبة على أمل الفوز بالأموال وسداد ديونهم، حيث تبلغ قيمة الجائزة 45 مليار وون كوري جنوبي (38.5) مليون دولار أميركي.

رفض مستمرّ

هوانغ دونغ هيوك هو مؤلف ومخرج “لعبة الحبار”، كتبه عام 2009 مستوحياً إياه من الواقع وأشخاص حقيقيين عبر أزمات شخصية ومادية مرّ بها خلال حياته الشخصية، بجانب مشاهداته ومعايشته لأزمات مادية لمحيطين به من معارف وأصدقاء، معلناً أنه قدم نفسه من خلال بعض شخصيات المسلسل مثل جي هون، وسانغ وو.

طرق هيوك أبواب كثير من شركات الإنتاج التي رفضت تمويل العمل، باعتبارها قصة غير واقعية زاخرة بالعنف والدماء. وبعضهم رأى أن هذه الوحشية في الصراع على المال وصولاً إلى الموت لا تُمثّل الواقع، ولا يمكن أن تؤدي الصراعات الطبقية إلى ذلك، إلا أن منصة نيتفلكس اقتنعت عام 2019 بالفكرة وأقدمت على إنتاجها في إطار سعيها لتوسيع الإنتاج الأجنبي الخاص بها.

ولكن حتى إدارة نيتفليكس لم تتوقع أن يبلغ المسلسل مثل هذه الشعبية والانتشار العالمي، وأدى الاهتمام بالمسلسل الكوري إلى اجتذاب انضمام مزيد من المشتركين الجدد إلى منصة نيتفلكس، بعدما شهدت المنصة الرقمية الشهيرة هبوطاً حاداً في أعداد مشتركيها خلال النصف الأول من 2021، وذلك بسبب قلة المعروض الجديد نتيجة توقف الإنتاج التلفزيوني خلال جائحة كورونا.  ثم جاء عرض “لعبة الحبار” ليعيدها إلى صدارة المنافسة، وتصدر المسلسل قوائم الأعمال الأكثر مشاهدة على “نيتفلكس” في 94 دولة.

 الرّمز والدلالات

لا يخلو مسلسل “لعبة الحبار” من اللجوء إلى الرمزية، فهم مجموعة من الأبطال يراهنون بحياتهم من أجل الظفر بالمال، فرغم اختلاف خلفياتهم الاجتماعية والطبقية والتعليمية، وحتى السمات الشخصية، إلا أن الفقر يجمعهم، وكذلك الديون والحياة غير المستقرة، كلّها أشياء تدفعهم للإقدام على المشاركة في هذه اللعبة الانتحارية، وكأنما سُلبوا إرادتهم تحت وقع ضغوط الدائنين.

يناقش “لعبة الحبار” الطبقية وغياب العدالة المجتمعية، طارحاً الوجوه المتوحشة للرأسمالية، فيحيلنا إلى الهوة الطبقية التي سادت العالم، فقسمته إلى فئة ذات ثراء موحش، وأخرى كادحة فقيرة تعاني شظف العيش، تواجه الموت، وتوضع في حلبة سباق دموية أملاً في التخلص من فقرها، بينما يستمتع ويراهن الأثرياء على معاناتهم وتسابقهم على الموت بسادية متوحشة.

وبمرور الحوادث اكتشفنا أن وراء هذه اللعبة الدموية مجموعة من الأثرياء وذوي النفوذ حول العالم، تنحصر لذتهم في المشاهدة والاستمتاع بآلام هؤلاء الفقراء ومشاهدتهم وهم يفقدون حياتهم من أجل المال. فهو رهان يريد به هؤلاء الأثرياء الترفيه عن أنفسهم كنوع من الاستمتاع بعذاب هؤلاء المعوزين وصراعهم ودمائهم.

وربما تعود أحد أسباب هذا النجاح المدوّي للمسلسل هو واقعية بعض هذه الحوادث والمعاناة التي يعانيها بعضهم بسبب الفقر والاستدانة، إذ قدم المسلسل انتقاداً صارخاً للنظام الاقتصادي العالمي الحالي، مدللاً الى مدى قبحه ووحشيته حين حوّل الإنسان إلى ماكينة أو مجرد حيوانات في سباق دموي، تتصارع على الوجود والبقاء والنجاة، حتى لو كلفها ذلك التضحية بأقرب المقربين عبر صياغة قصص رمزية عن المجتمع الرأسمالي الحديث، والمنافسة الشديدة في الحياة.

صراع كابوسي بين الفقراء

يعتمد على الرعب النفسي ويجسد الصراع البشري في سبيل الحصول على الثروة والمال، فيحوّل الإنسان إلى وحش يكذب ويقتل ويفقد كل معاني الإنسانية لكسب المال، حتى لو كان ملطّخاً بدماء أقرانه، كاشفاً النفس البشرية في أشد حالاتها تدنياً، إذ يضطر زوج للتضحية بزوجته، ويضطر آخر للتضحية بصديق طفولته. وكيفية تحول النفس البشرية إلى الجشع في مقابل المصلحة الشخصية والظفر بالثروة، لتغيب الإنسانية وسط نظام جشع يتأجج فيه الصراع من أجل غريزة البقاء، دون أن يلقي بالاً لمبادئه الإنسانية، كما يركز على تحولات الإنسان عندما يوضع في ظروف قاسية، وأثر ذلك على مبادئه من عدمها.

كما يتضمن تحولاً جذرياً في شخصياته، لينتهي نهاية صادمة غير متوقعة، تشي بأنه يحتمل جزءاً ثانياً، وربما يدفع النجاح الطاغي للمسلسل صناعه إلى العمل على إنتاج جزء ثان (إذا لم يكن لديهم هذه النية) استثماراً للنجاح المدوّي للجزء الأول.

الأطفال… تهديد ومخاطر

اللافت أن غالبية جمهور المسلسل من الشباب والأطفال، ما يدق ناقوس الخطر، نظراً لما يحتويه العمل من كمية هائلة من مشاهد القتل والدماء، ما قد يدفع الأطفال إلى تقليد مثل هذه الألعاب الدموية وإيذاء أنفسهم أو من حولهم. فالأطفال هم أكثر فئة يمكنها التأثر بمثل هذا المحتوى العنيف، وقد تظل هذه المشاهد الدموية عالقة بأذهانهم، فيُقدمون على تقليدها، خصوصاً أن المسلسل يحوي شخصيات كارتونية على شكل دُمى. وحذر متابعون وخبراء في علم النفس من مغبة مشاهدة الأطفال لهذه الألعاب وتقليدها، وأنها من شأنها أن تدفعهم إلى ارتكاب العنف. وهو ما دفع عدداً من المدارس في دول مختلفة، مثل بريطانيا وبلجيكا ومصر ودول عربية أخرى، إلى تحذير عائلات الطلاب من مشاهدة هذا المسلسل الدموي، في محاولة لتجنب التأثير العنيف لهذا المحتوى على الأطفال.

وأصدرت مدرسة «جون برامستون» في شرق لندن رسالة إلى أولياء الأمور، عبّرت خلالها عن مخاوفها من أن الأطفال الذين شاهدوا المسلسل يتظاهرون بإطلاق النار على بعضهم البعض، كوسيلة لإعادة تمثيل بعض مشاهد العمل، ويمارسون سلوكيات عنيفة، ما تسبب في خلق  صراع داخل مجموعات الأصدقاء.

وأرسلت مدارس بريطانية أخرى رسائل لأولياء الأمور لتحذيرهم من أن محتوى المسلسل موجود على تطبيقات رقمية، وطالبت العديد من المدارس بمتابعة أبنائهم بعدما ضبطت مجموعة من طلابها وهم يلعبون لعبة من المسلسل، يقتل فيها الخاسر، حيث قام الأطفال بضرب الخاسرين بعنف.

بالتوازي، أرسلت مدارس مصرية وعربية رسائل تحذيرية إلى أولياء أمور الطلاب، لتحذيرهم من مشاهدة أطفالهم لهذا العمل، نظراً لمحتواه العنيف، مطالبين الأهالي بالمساعدة في السيطرة على ذلك، بعدما انتشر لعب الأطفال لها في أوقات الراحة بين الحصص المدرسية.

بينما انتشر في مجموعات التواصل الاجتماعي المصرية والعربية التحذير بين الأهالي من مشاهدة الأطفال لهذا المسلسل، لكونه سيدفعهم إلى ممارسة العنف، خصوصاً بعدما بدأت بعض الألعاب الموجودة في المسلسل بالانتشار.

تأثيرات اقتصاديّة

استطاع أن يبلغ تأثير المسلسل حداً كبيراً، لا سيما في سوق البيع والشراء، إذ احتوى المسلسل توابيت للموتى يتم وضع الضحايا بها وحرقهم، واستغلت إحدى الشركات الإسبانية المتخصصة في عملية دفن الموتى ذلك لتعلن عن طرحها توابيت بالشكل نفسه، وبدأت في التسويق لها مستغلة شعبية المسلسل.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبالتزامن مع انطلاق أعياد الهالويين، بدأ موقع “أمازون” في تسويق الدمية المخيفة القاتلة، وكذلك الملابس المستوحاة من ملابس متسابقي المسلسل، وهي سترات رياضية خضراء وحمراء اللون.

فيما راجت الأحذية الخفيفة البيضاء المشابهة للأحذية التي ارتداها أبطال المسلسل، لتصبح أحدث صيحة بين الشباب، حيث أعلنت إحدى شركات صناعة الأحذية الرياضية في كوريا الجنوبية عن زيادة طفيفة في الطلب على منتجات إحدى علاماتها التجارية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.