رؤية قانونية لإيجاد توازن بين “التاكسي الأصفر” والتطبيقات الذكية / المحامي الدكتور قيس علي محافظة





المحامي الدكتور قيس علي محافظة  ( الأردن ) – الأربعاء 3/11/2021 م …

Email: [email protected]

تُشكِّل سيارات الأجرة -الصفراء اللون -المرخصة للعمل من الوسائل التقليدية والمتعارف عليها لنقل الركاب مقابل أجورٍ محددة تُدفع حسب المسافات، لكن ما يدعو للاستغراب أنَّه ومن نحو سِتِّ سنواتٍ أخذت المركبات الخصوصية باستخدام التطبيقات الذكيةالمملوكة لشركات دولية بنقل الركاب أيضاً مقابل أُجورٍ. هذا الأمر انعكس بشكلٍ سلبيٍ على قطاع النقل المرخَّص، وفوق هذا أدى إلى فوضى ومشكلاتٍ أخرى متعددة.

وبالرجوع إلى المادة (4/ج) من نظام تسجيل وترخيص المركبات رقم (104) لسنة 2008، نجد نصاً صريحاً يحظر على المركبات الخصوصية العمل مقابل أجرة، إلا أنه في العام 2018، وبسبب حالة الفوضى المذكورة أعلاه، تم وضع نظام جديد دخل حيز التنفيذ وهو نظام تنظيم نقل الركاب من خلال استخدام التطبيقات الذكية رقم (9) لسنة 2018 وفي العام نفسهِ تم تعديله بموجب النظام رقم (58) لسنة 2018، حيث أعادت المادة الثانية تعريف “السيارة” بحيث تضمنت المركبات الخصوصية التي تستخدم التطبيقات الذكية لنقل الركاب مقابل أجرة.

ومع دخول النظام المشار إليه حيز التنفيذ بلغ عدد المركبات الخصوصية التي تعمل مقابل أجرة حالياً من خلال استخدام التطبيقات الذكية ثلاث عشرة ألف مركبة. ووفقاً لذات النظام، يجب ألاَّ يكون لكلِّ شركة مسجلة أكثر من سِتّ آلاف مركبة خصوصية مسجلة في التطبيق الذكي. وعليه، نجد أن شركتين دوليتين تمتلكان في الوقت نفسهلكلٍ منهما خمسآلاف وسبعمائة وخمسين مركبة خصوصية مسجلة لاستخدام تطبيقاتها الذكية، بالإضافة لأربع شركات محلية لكل منها ثلاثمائة وخمس وسبعين مركبة خصوصية مسجلة لاستخدام تطبيقاتها الذكية. وتدفع كل شركة من الشركات السِّت سنوياً لهيئة تنظيم النقل البريمائةألف دينار كرسوم ترخيص. وَوفقاً للنظام نفسه فعلى كل شركة أن تدفع رسوم ترخيصٍ لأول ثلاث آلاف مركبة خصوصية مسجلة لاستخدام تطبيقها الذكي مائةألف دينار سنوياً،وعن كل مركبة خصوصية تتعدى الرقم المشار إليه خمسة وسبعون ديناراً. يضاف إلى هذا فإن على مالكي المركبات الخصوصية المسجلة دفع أربعمائة دينار كرسوم سنوية لهيئة تنظيم النقل البري، وشريطة ألا يتجاوز عمر المَركبة خمس سنوات من تاريخ الصنع.

وجديرٌ بالذكر، أن سائرَ المركبات الخصوصية المسجلة والبالغ عددها ثلاث عشر ألف مركبة تتمتع حالياً بحرية استخدام ثلاث تطبيقات ذكية في الوقت ذاتهِ، مَا يعني أنه لن يكون لدينا منافسة مستقبلية حقيقية بين الشركات السِّت كما أشرنا أعلاه من أجل الحصول على عددٍ أكثرَ أو أقل من المركبات الخصوصية المسجلة على تطبيقاتها الذكية. يضاف إلى هذا كله، أنه ليس معلوماً ما إذا كانت تلكَ الشركات لديها مركبات خصوصية أخرى مستخدمة أيضاً وغير مسجلة! وجديرٌ لفت الانتباه إلى أنه يوجد حالياً ما يقارب من ثلاثةٍ وعشرينَ تطبيقاً ذكياً غير مسجل بينما تستخدمه مركبات خصوصية غير مسجلة أيضاً.

ومن جانبٍ آخرَ، نجد أن تنظيم سيارات الأجرة التقليدية- الصفراء اللون- المرخَّصة يجري على نحوٍ مغاير. إذ يُسمح في الوقت الحاضر في الأردن لسبع عشر ألف سيارةمنها للقيام بمهمات نقل الركاب مقابل أجرةٍ، بحيث يدفع مالك السيارة مائتي دينار كرسوم سنوية إلى هيئة تنظيم النقل البري، ويجب ألا يتجاوز عمر السيارة  إثنى عشر عاماً من تاريخ الصنع. هذا وتجدرُ الإشارة إلى أنها لا تخضع للمراقبة المرجوَّة كما يجري الحال في المركبات الخصوصية المسجلة التي تستخدم التطبيقات الذكية حيث نجد شروطاً صارمةً تحكُم عملَ هذه مثل: عدم التدخين، عدم تناول الطعام أو الشراب، ارتداء زِيٍّ لائقٍ، التعامل الجيد مع الركاب، نظافة المركبة. وفي حال مخالفة هذه الشروط يمكن سحب تصاريح مالكي هذه المركبات. والثابتُ للمشاهد أنَّ هذه الشروط الصارمة ترفع من مستوى الخدمة التي تُقدَّم للناس.

إضافةً إلى ما تقدم، توجد فئات أخرى من مركبات الأجرة المسجلة في الأردن ومنها على سبيل المثال: “التاكسي المميز” في عمان، و”تاكسي أرينا” في إربد، وغيرها من سيارات الأجرة التي تعمل في محافظات أخرى. وقد أبرمَ أصحاب هذه المركبات عقوداً استثمارية وطُلب منهم العمل من خلال نظام مركز الاتصال. وتم دفع بدل استثمار بما يزيد عن عشرة ملايين دينار وذلك لهيئة النقل البري وأمانة عمان الكبرى وقد جرى هذا قبل وجود شركات التطبيقات الذكية في الأردن. وينبغي الإشارة، أنَّ من شروط “التاكسي المميز” الذي يمتلك حالياً أربعمائة مركبة، ألا يتجاوز عمر المركبات ثمان سنوات من تاريخ الصنع، وكان يُستوفى من مالِك كل مركبة ألف وستمائة وتسع وسبعين ديناراً سنوياً، إلا أنه في عام 2018 تم تخفيض المبلغ ليصبح خمسمائة دينار.

وعلى ضَوء ما سبق ومن واقع الحال، نجدُ خللاً في الشروط المطلوبة ومستوى الخدمة التي تقدمها المركبات الخصوصية التي تستخدم التطبيقات الذكية مقارنة بسيارات الأجرة التقليدية – الصفراء اللون- ومركبات الأجرة الأخرى. وعليه وللمصلحة العامة، وللارتقاء بهذا القطاع المهم وتنظيمه، ولتطوير مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ولضيوف بلدنا العزيز فإنني أقترح ما يلي:

  1. أن تكون وزارة النقل ومن خلال هيئة تنظيم النقل البري هي صاحبة الشأن وصاحبة القرار دون أية جهة أخرى لهذا القطاع البالغ الأهمية.
  2. إيقاف عمل المركبات الخصوصية غير المسجلة التي تستخدم تطبيقات ذكية غير مسجلة وبشكل فوري من خلال وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة.
  3. تغيير آلية رسوم التصاريح السنوية لشركات التطبيقات الذكية من خلال تخفيض تلك الرسوم لتشمل رسماً عن كل رحلة (على سبيل المثال مائتي فلس عن كل رحلة) يتم دفعه إلكترونياً وبشكل مباشر إلى هيئة تنظيم النقل البري.
  4. وضع آلية لشركات التطبيقات الذكية فيما يتعلق بالرسوم المستوفاة من مالكي المركبات الخصوصية التي تستخدم تطبيقات ذكية.
  5. وضع آلية لدمج فئات مركبات الأجرة الأخرى (التاكسي المميز وتاكسي أرينا وغيرها) لتصبح على نمطسيارات الأجرة التقليدية – الصفراء اللون.
  6. بعد عملية الدمج، تقوم هيئة تنظيم النقل البري بإنشاء تطبيق ذكي موحد لجميع سيارات الأجرة – التاكسي الأصفر – (تطبيق Yellow Taxi).
  7. وضع تشريع خاص – للتاكسي الأصفر – لتوحيد أحكامه وبحيث يشمل شروطاً صارمةً لرفع مستوى الخدمة كما هو الحال في المركبات الخصوصية المسجلة التي تستخدم التطبيقات الذكية.
  8. يمنح هذا التشريع فترة سماح تنظيمية لمدة سنتين تقريباً ليتاح لمالكي – التاكسي الأصفر – تحسين مستوى خدماتهم وتهيئة أمورهم، بحيث لا يتم استيفاء أية رسوم غير الرسوم المقررة سنوياً.
  9. إنشاء غرفة عمليات في هيئة تنظيم النقل البري لمراقبة وضبط عمل كل من – التاكسي الأصفر – والمركبات الخصوصية التي تستخدم التطبيقات الذكية.

ويبقى القول: إن الحافز لهذا المقال والهدف منه في الوقت الذي نحتفي فيه بفخر بالمئوية الأولى لتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية هو تنظيم هذا القطاع لأهميته وضبط أموره من جميع النواحي والارتقاء بمهمات خدماته آخذين بعين الاعتبار ما نشهده من تداخلات في المسؤوليات وتعدد في الجهات المعنية بشؤونه، وفوق هذا وذاك شُعوراً منا بالمسؤولية والشراكة الحقيقية في عملية الإصلاح لِما فيه خير الوطن والمواطن.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.