المفكر السوري د. عدنان عويّد يكتب عن التجليات المعرفية والسلوكية والقيميّة للانتماء

مدارات عربية – الجمعة 5/11/2021 م …

كتب د. عدنان عويّد …




في المفهوم:

     يُعرف الانتماء لغةً: بأنه الانتساب إلى شيء ما أو ظاهرة ما, كانتماء الفرد إلى والده أو عشيرته او طائفته أو بلده أو وطنه أو أمّته أو منظمته أو حزبه .. الخ.

     ويعرف اصطلاحاً بأنه التمسك، بعنصر من عناصر البيئة المحيطة بالأفراد، والمحافظة على الارتباط به وجدانيّاً، وفكريّاً، ومعنويّاً، وواقعيّاً, مما يدلّ على قوة الصلة التي تربط بين الفرد والشيء الذي ينتمي له، سواءً أكان انتماؤه لوطنهِ، أو عائلتهِ، أو عمله، أو غيرهم.

أنواع الانتماء:

أولاً: الانتماء الوطني:

     وهو من أهم أنواع الانتماء، على اعتباره مرتبطاً بالوجود التاريخيّ والاجتماعيّ والنفسيّ والقيميّ والاقتصاديّ والسياسيّ والثقافيّ للفرد.

  إن الإنسان الذي يحافظ على انتمائه لوطنه، وأرضه وتاريخه, سيتمكن عندها من تحقيق مفهوم ومعنى الانتماء الذي يرتبط بالمواطنة، التي تعني في سياقها العام, التجسيد القانونيّ والقيميّ لكافة المبادئ والحقوق والواجبات التي يشعر المواطن من خلالها بوجوده وكرامته داخل الدولة التي يعيش فيها، وأنه جزء من أجزاء مكوناتها الاجتماعيّة.

     ويأتي اعتزاز الأفراد بهذا الانتماء وتعزيزه, عن طريق الالتزام والثبات والتفاعل مع احتياجات الوطن، والعمل على تنميته وتطوره. والانغماس في حمايته والتضحية من أجله.

      إن البداية الفعليّة لمفهوم الانتماء للوطن, تأتي مع ارتبط الإنسان تاريخيّاً بالمكان الذي ينتمي إليه: فارتباط الفرد بالمكان يأتي من خلال وجوده أو عيشه على بقعة جغرافيّة تسمى الوطن

      يعتبر مفهوم الانتماء للوطن في الحقيقة, من المفاهيم المتوارثة التي تولد مع الإنسان، وذلك عن طريق الارتباط بأسرته وذويه والأرض التي ولد عليها هو وأهله وأجداده. إضافةً لهذا فهو يعتبر مفهوماً مكتسباً, ينمو ويتبلور ويتجذر عند المنتمي بشكلٍ أكبر من خلال المؤسسات المختلفة في المجتمع التي تعمل على تنميته عند الفرد, كالمدارس والجامعات والإعلام والأسرة وغيرها من المؤسسات التي تغذي روح وقيم المواطنة. وعل هذا الأساس, تناول الأدباء والكتاب والفنانون مضامين المواطنة عن طريق كتاباتهم التي يشحنون بها عقول وعواطف الأفراد, لتعميق انتمائهم الفعلي للوطن والتمسك به والتضحية من أجله.

تجليات الانتماء:

     لا شك أن هذا الانتماء سيظهر في الأفعال والمواقف والأعمال المختلفة التي تهدف إلى حماية هذا الوطن ورفعته وتقدمه. وتتجسد تلك المواقف والأفعال والأعمال, في العديد من السلوكيّات المختلفة الصادرة عن الأفراد, التي ستعبر عن موقف ورؤية الفرد والمجتمع تجاه ما يحدث على أرض الوطن ومجتمعه. كما يعتبر الانتماء من الاحتياجات المهمة التي تشعر الفرد بالرابط المشترك الذي يربطه بأرضه وبأبناء وطنه. وسيؤدّي هذا الشعور بالضرورة إلى صقل حالة الانتماء لديه وبالتالي التفاني في خدمة الوطن والمجتمع والتضحية من أجله، والمشاركة في إعماره.

      ومن القيم المهمة بالنسبة لقضيّة الانتماء للوطن, والتي يجب العمل بها وعدم التغاضي عنها, ضرورة إبراز قيمة الوحدة الوطنيّة، وتحويلها لهدف يعمل الجميع من أجل تحقيقه على أرض الواقع, والمحافظة على استمراريته، فالوحدة الوطنيّة تعتبر من المسلمات في كل الأوطان, والتي من شأنها العمل على تقوية المجتمعات والمحافظة على أمنها ورخائها.

     إن الانتماء للوطن بشكل عقلانيّ, سيذيب أو يلغي بالمحصلة كل الانتماءات الأخرى الضيقة من عشيرة أو قبيلة أو طائفة أو مذهب أو أيديولوجيا أو حزب.

 الانتماء الديني:

      وأقصد في هذا الاتجاه الانتماء الدينيّ القائم على العقل والمنطق والمعرفة الصحيحة لهذا الدين, وليس الدين القائم على العواطف والمصالح الشخصيّة الأنانيّة الضيقة.

لا شك أن هذا الانتماء العقلاني للدين, هو من أنواع الانتماءات المهمة التي ترتبط الإنسان بدين ما من الأديان, وذلك من خلال المعرفة الشاملة والكافية بقواعدهِ وأحكامه والمبادئ الخاصة بهِ. والأهم مقاصده الإنسانيّة والحرص على تطبيقها تطبيقاً صحيحاً وسليماً, ممّا يؤدّي إلى عكس صورةٍ إيجابيّة عن الإنسان المتدين في المحيط الذي ينوجد فيه. وهذا ما يدعو له الإسلام على سبيل المثال لا الحصر, الذي يعتمد في جوهره على احترام حقوق كافة الناس من الديانات الأخرى رأياً وعقيدة، مثلما يحرِص على تطبيق التعايش، والتفاهم بين كافة مكونات المجتمع الواحد. بيد أن هذا الانتماء غالباً ما يتحول إلى تعصب, وخاصة في تفريعات الدين الواحد كالطائفة والمذهبيّة, وهنا تكمن كارثة الدين حيث تسعى كل طائفة أو مذهب إلى اعتبار نفسها هي الفرقة الناجية, ومن حقها أن تحوز على كل شيء, والوقوف بوجه الاخر المختلف واقصائه والتعامل معه بدونيّة, خاصة إذا وصلت هذه الطائفة أو المذهب إلى السلطة, وأصبحت بيدها مقدرات الآخرين.

 الانتماء الفكريّ و الأيديولوجيّ:

      هو الانتماء الذي يرتبط أو يتقيد بفكرة ما، أو أيديولوجيا ما، ويسعى الإنسان المنتمي هنا إلى إثبات مصداقيّة، وصحة هذه الفكرة أو الأيديولوجيا, بالاعتماد على كافة الأسباب، والعوامل والظروف التي أدت إلى حدوثها، ومن الأمثلة على الانتماء الفكري: الانتماء إلى تيار سياسيّ ما، أو فلسفة ما, أو مدرسة  أدبية معينة. وخطورة هذا الانتماء في حالة سيطرته على حامله الاجتماعي إن كان مفكراً أو فيلسوفا أو أديباً أو فناناً, أنه يفقد توجهه العقلانيّ عند صياغة أعماله وتعميمها.

الانتماء الحضاريّ:

      يشير مفهوم الانتماء الحضاريّ إلى انتساب الفرد لحضارة معينة بإظهار تأييده وتبعيته لها بكافة جوانبها، الثقافيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو السياسيّة، ويلعب الانتماء الحضاريّ دوراً فعالاً في تحديد هويّة الفرد والمجتمع, وتأطيرهما بصورة ثقافيّة أو فكريّة مستوحاة من السياق التاريخيّ لها ماضياً, وحاضراً, ومستقبلاً. وبالتالي تحديد الموقف العام تجاهها.

      يعتبر الانتماء الحضاري بمثابة وسيلة فعالة تحافظ على شخصية أمة بأسرها، وتصونها من الطمس والاندثار في ظل الاختلاط غير الممنهج بين الشعوب.

الانتماء في علم النفس :

     يذكر في علم النفس, بأن الحاجة إلى الانتماء كانت ضرورة ملحة لإثبات ذات الانسان وارتباطه بجذوره أو بالقيم والمبادئ التي ينتمي إليها. فالانتماء علاقة إيجابية ضرورية, يكمن فيها معنى للحياة التي تحقق منفعةً مجدية للإنسان، فيصبح الإنسان راقياً إلى حد العطاء بلا حدود، فيتصف بالإيثار والتضحية، وبذلك تطغى على الأمة أعلى صور الانتماء عند أي محاولة للنيل من وجودها من قبل الخارج.

الانتماء والمواطنة والهوية:

     هناك عدد من المفاهيم التي يقترن بعضها بالآخر، وبالتالي تحيل إلى بعضها وهي: الانتماء، والمواطنة، والهويّة، فهي مصطلحات تكمل بعضها البعض في صقل شخصيّة الإنسان وتقويمها ليتمكن من مواجهة الحياة، وتأدية ما يترتب عليه من واجبات وحقوق اتجاه ما ينتمي إليه من حضارة أو وطن.

كاتب وباحث من سورية.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.