قارئة الفنجان … امي / ناجي الزعبي

 

ناجي الزعبي ( الأردن ) الأحد 12/6/2016 م …

كانت والدتي الراحلة الحبيبة   تحتفظ بعلاقات حميمة واسعة ممتدة مع نساء حينا والاحياء المجاورة وبالطبع مع صبايا الحي واربد.

 .كن يحتسين القهوة التي  تعدها بنفسها وفي مجلسها ،   ثم يبدأ بعدها الحاح النساء والصبايا عليها لتقرأ لهن الفنجان .

وحين تبدأ الطقوس كانت النساء  والصبايا يتجمهرن حولها وكلهن آذان صاغية وعيون شاخصة وتركيز كبير .

كانت الوالدة تمسك بفنجان احداهن وترقبه بعمق ثم تصمت بضع ثوان ،  كنت اخال قلب  صاحبة النفجان يكاد يفر من جنباتها ، فتتعمد الوالدة اطالة الصمت والتأمل والتحديق بفنجان القهوة ، كنت اعتقد انها بهذه الخطوات قد قطعت نصف الطريق الى عقول الحاضرات وكسبت شوطاً في ثقتهن بما سترويه وتصفه بعد قليل .

وعندما كان صبر احد الصبايا ينفذ كانت تحث والدتي راجية متسائلة  : ها خالتو شو شايفه ؟ 

ترد الوالدة بثقة وود : خير كل فنجانك خير.

تتنهد الصبية وتخرج زفرة وهي تشنف آذانها وتواصل حديق وتقول  : خير خالتوا خير

الله يطمنك .

حينها كانت الوالدة ترى انه آن الاوان لان تسرد روايتها فتبدأ قائلة :

قدامك طريق .. بدك يا خطوة يا خطوتين او يا اسبوع او اسبوعين   او شهر او شهرين ويمكن سنة او سنتين .

كنت استمع وانتظر ان تمتد سنوات والدتي لاماد ابعد واطول  حتى تكسو روايتها بالمصداقية  .

فيردد الجميع واولهن صاحبة النفجان : صحيح والله صحيح ، وقد تردف والدتها قائلة : بتتذكري يا ليلى شو حكيتلك مهو فعلا هيك الي رح يصير وكأن  ام ناجي حاضرة .

يحفز هذا الحوار الوالدة فتقول : لكن في وحدة واقفة يا في شباك يا ببرندة يا عالسطوح  ، يعني بمكان عالي وبتراقب فيكي وغيرانه منك.

ترددبعدها الصبية قائلة : يما هاي نوال طول عمرها حسودة وغيورة .

تهز والدة الصبية راسها في اشارة على الموافقة على ماجاء  وتتنهد قائلة : خليها على الله قديش حذرتك منها .

 ويعود الكل للوالدة بانتظار تتمة القراءة.

تقول الوالدة : في واحد عينه منك وين ما رحتي وين ما اجيتي

تتسائل الصبية : يعني بحبني ولا بكرهني .

تنظر والدتها اليها باستنكار قائلة : انتي مين بكرهك ؟ كل الدنيا بتحبك ، ثم تلتفت للوالدة منتظرة التأييد فتجيب امي : بحبك يا بنيتي طاير فيكي .

حينها ترتسم علامات السعادة عليها وعلى والدتها ، اما الحاسدات فتمتعض قسماتهن.

تجيب الصبية : هذا على يمه ما انتي عارفه ذابح حاله .

هنا تتيقن الوالدة انها كسبت الجولة تماما فتأخذ راحتها على الاخر وتمعن  في الاسترسال وحبك روايتها والجميع يهز راسه وخصوصا صاحبات الشأن .

كوصفها للمرحلة القادمة بأن طاقة فرج مقبلة ،  وتُرِي صاحبة الفنجان الطاقة بالفنجان ، فيوافق الحضو جميعاً مؤكدين على صحة ذلك .كان تاييد المستمعات ومحاولتهم لاضفاء المصداقية وتطويع الرويات لتتفق مع الواقع يذكرني بالخزعبلات والاساطير والاكاذيب التي يضخها بعض مدعي الوعض والارشاد والذين يطلق عليهم رجال وعلماء الدين  ومزوري التاريخ وكيف يطوع المستمعين اكاذيبهم وهمبكاتهم للتفق مع العلم والواقع   .

ثم تنتقل امي لوصف قميص علي ربما ،  فتؤكد ليلى ذلك قائلة : يما قميص علي الكحلي وبنطولنه الكاكي الي ما بشلحهم

تجيبها امها : يمه بعده ما اشتغل لكن ” ربنا الله “  اواعيه نظيفة ومرتبة .

كانت الوالدة تشطح كثيرا وتسرد روايات خارقة مخالفة للواقع والحقيقة ومنطق الاشياء والغريب  انها كانت تحضى بالتاييد والتاكيد والموافقة برغم تهافت رواياتها وانكشاف بعض منها.

كقولها مثلا : الي بلاحقك شعره طويل  شوي.

تجيب احد الصديقات لليلي : مهو  علي مربوع واصلع

ترد ليلى مستنكرة : ام ناجي  بتوصفه لما بلبس طاقيته .

ترد الصديقه : مش هو يا حبيبتي

ترد ليلى بضيق ظاهر : ولك مهو بلبس كعب عالي شوي حتى  يطوله ..

وهكذا كانت امي تكسب القلوب والعقول.

سالتها  مرة : يما انتي كيف بتسرحي بهالصبايا والنسوان : اجابت : يما انا بستفيد من القوالب الجاهزة .

قلت مستغرباً ماذا يعني هذا ؟

قلالت الناس اسرى لطريقة تفكير متوارثة وهي لا زالت في زنازين القوالب الجاهزة من المفاهيم السلفية  والغيب والحظ والسحر والجن وقراءة الطالع والحسد الى اخر تلك الغيبيات ، يرفضون الحداثة والعلم  وكل ما افعله انني اطلي هذه المفاهيم واطوعها وفقاً لرغبات ونمط تفكير الصبايا والنساء وبهذا ايسر عليهم الحياة واملاًءها  بلالوان والامال المسكنة للواقع  ثم تابعت قائلة انا اصنع لاحلامهم اجنحة ليحلقوا بها .

قلت : يا ام ناجي هذه مسكنات مزيفة وحكايات لا تمت للواقع ولا حتى الخيالات البريئة الساذجة العفوية ، هذا تكريس للفكر المشوه الغيبي الكاذب . 

 قالت : يما انا بعرف كل صاحباتي وبناتهن وبعرف كل قصصهن  وبعرف هم كل وحدة  وشو  بدها ،  وبسمعهن  الي بحبن يسمعنه .

فبوافقن بدون تشغيل عقولهن .  ويا بيضيفن يا بينقصن للي بحكية حتى يتفق مع العقل  او مع الواقع ومرات لا بركب لا مع العقل ولا الواقع .

وهينا بنمضي وقت ونتسلى وبنحقق الاحلام بفناجين القهوة لما بستعصي بالواقع .

احنا ناس بدنا نحقق احلامنا بدون ما نسعى الها وحتى لو بدنا نسعى نفتقر للارادة والبصيرة والمعرفة وما بدنا نشوف الحقائق وبنركب للخيال والكذب والدجل ايدين ورجلين واجنحة حتى نقنع انفسنا   

ترى اهذا نحن !!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.