للتحالف الدولي الأمريكي مصلحة في تجذر الأرهاب في المنطقة .. وفي إعدام داعش للشهيد معاذ الكساسبة

 

 

 

محمد شريف الجيوسي

كثيرون جداً تحدثوا عن جريمة قتل وحرق الشهيد الطيار النقيب معاذ الكساسبة ، التي ارتكبتها عصابة داعش الإرهابية المسلحةِ بالتخلف والعباطة والظلامية والعمالة ومحاولة الإساءة للإسلام الحنيف ولكل الإيمانات بالله العلي القدير والإنسانية ،

وقبل أن أستغرق في الحديث أعلم جيداً ثمن هذه الكلمات في حال تمكنت داعش مني ، وآمل أن لا يكون ذلك، ليس لقلق أو خوف ، ولكن لأن مجيء دوري في تنكيل داعش أو واحدة من اخواتها يعني أن العديد من الأردنيين قد سبقوني الى ذلك، حيث وقتها إن إستطاعوا لن أكون الأول ولا الأخير زمانه ، ويعني أن الأردن بلغ حداً ( لا سمح الله ) لا يُحسد عليه

أقول أن داعش بارتكاب جريمتها هذه ، لم تكن الأولى من حيث بشاعتها ، لكنها الأولى من حيث نوعيتها، ولن تكون الجريمة الأخيرة في البشاعة والخسة ما أمكنها ذلك ، وكذلك بقية الجماعات التي تعيث فساداً في سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن والصومال والجزائر وتونس، ومن المتوقع أن تتسع دائرة جرائمها في مناطق أخرى من وطننا العربي وعالمنا الإسلامي ، وربما مناطق أخرى .

وتدلل هذه العملية على أن هذه العصابات تعيش عصور ما قبل التاريخ ، وما قبل المواطنة ، وأنها تتمتع بقدر عال من الغباء حتى من منظور مصالحها ، فهي ترتكب حماقات وغباءآت وأعمال انتحار سياسية ، هي فضلاً عن بشاعتها ودمويتها وما تلحقه بالأمن الوطني والسلم الأهلي والاستقرار السياسي والأقتصادات الوطنية، من أضرار بالغة، هي إرتكابات تضر بذات هذه الجماعات وهو ما بتنا نشهد نتائجه على الأرض ، من تراجع سطوتها ورقعة المناطق التي كانت تسيطر عليها،وتراجع بيئاتها الحاضنة، واتساع قناعة الرأي العام لدى الأصدقاء وغير الأصدقاء بضرورة اجتثاثها. 

يتسم موقف التحالف الدولي الأمريكي من قضايا الإرهاب بالمراوغة ، من حيث زعمه بوجود إرهاب معتدل (أطلق عليه مسمى المعارضة المعتدلة) ومن حيث عدم جديته في اجتثاث داعش ومثيلاتها ، وإن وجه لها ضربات تجميلية ، لكنه في حقيقة الأمر لا يريد اجتثاثها ، فوجودها يحقق إضعاف سورية والعراق وغيرهما،ويشكل عنصر إشغال واستهلاك وابتزاز لهما ، وبالتالي عودة أمريكا عسكرياً للمنطقة، ومحاولة فرض اشتراطات عليهما في مقابل مزاعم بإنهاء داعش.

ومن هنا نرى أن واشنطن لم تمارس أي ضغط على تركيا أو قطر الداعمين الرئيسيين لداعش ، والتبشير بأن الحرب على داعش طويلة الأمد، فاختصار زمن إنهائها لا يحقق الغايات  المرسومة من تصنيع داعش من جهة ، كما أن توحّد داعش والنصرة لا يخدم أمريكا والغرب والكيان الصهيوني، حيث يجعل منهما قوة إقليمية قد تتجاوزعلى المصالح الأمريكية ، وهو ما شهدنا مثله عندما استشعرت داعش في ذروة  قوتها وتقدمها تجاه بغداد ،  كيف ارتكبت حماقات ضد الأزيديين والمسيحيين وغيرهم في المناطق التي استولوا عليها وقتذاك .

بل إن هذه الارتكابات والحماقات ، خدمت واشنطن إذ ولّدت فكرة التحالف الدولي ، وبالتالي العودة العسكرية للمنطقة ، بغض النظر إن كانت مرسومة أو غير محسوبة .

لقد احتاجت داعش لنقل قواتها من الموصل إلى عين العرب ، كقوة عسكرية إلى نحو 9 ساعات ، كان في مقدور واشنطن خلالها أن تضرب هذا التحرك في مهده وتجنب عين العرب هذه الخسائر والتضحيات ، وكان من الممكن أن تفرض واشنطن على نظام الحكم التركي الراهن ، بوقف إمداداته لداعش عبر الحدود ، والسماح لأكراد تركيا بنصرة أبناء جلدتهم في سورية .

وحيث أن هذه الاستراتيجية لا تخدم واشنطن، تحركت ( بشمركة ) العراق الكردية ، على خلاف إرادة الحكومة العراقية المركزية ، بحيث يحقق هذا التحرك ؛ عدة أهداف في آن ، فهو يعمق الخلافات العراقية العراقية، ويثبت وجوداً كردياً عراقيا على الأرض السورية ، ما قد يتسبب في خلق مشكلات بين الدولة الوطنية السورية والعراقيين الأكراد ، مكوناً عنصر استنزاف جديد لسورية .

أقول أن داعش والنصرة وغيرهما من عصابات الجريمة والإرهاب على اختلاف مسمياتها وجهاتها الداعمة ومصنعيها وخلافاتها البينية ، تخدم ذات الغرض الاستعماري الفتنوي النيتوي التكفيري المذهبي الإيثني الطائفي في المنطقة .

ومن هنا كان لا بد لداعش من أن تقتل الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة وبهذه الطريقة القذرة الاستفزازية ، محققة أكثر من مشكلة في خدمة واشنطن وتحالفها، منها إثارة العشائر ضد دولتها الأردنية، وخلق حالة من الحساسية في التعامل مع مكونيْ الدولة الأردنية في قضيتي الشهيدين الكساسبة وزعيتر ، ما قد يتسبب في خلخلة عرى الوحدة الوطنية ، وبالتالي إضعاف الدولة ، الأمر الذي سيجعل منها أداة أكثر من طيّعة ، لا تتوانى عن تنفيذ  كل ما يطلب منها و(حبة مسك) دون تردد أو تلكؤ أو تململ أو تأجيل أو إرجاء لبعض ما قد يطلب ، وفي آن إضعاف الأحزاب والقوى المعارضة لإنضواء الأردن في التحالف الدولي الأمريكي ، على ما بين المعارضين من اختلافات بينية و خلفيات مختلفة ، وبالتالي تخمد ولو إلى حين صوت تلك المعارضات الوطنية الأردنية السلمية.

من المؤكد أن الأردن الرسمي والشعبي يتفق بغالبيته العظمى على ضرورة وضع حدٍ للإرهاب ، لكن ثمة اختلافات جوهرية بين الموقفين الرسمي الشعبي، ففيما تنحو الحكومة باتجاه التحالف الدولي الأمريكي ، تؤكد المعارضة الأردنية على رفض التورط في هذا التحالف الذي لم يبذل بما فيه الكفاية جهوده لإطلاق سراح الشهيد الكساسبة ، والذي غض الطرف عن دم القاضي زعيتر المسال عند معبر الكرامة  ، والذي صوت ضد قيام دولة فلسطينية ، للأردن مصلحة كبرى في قيامها ، رغم كل مواقفه العملية الداعمة لواشنطن في كل الساحات المحيطة بالأردن .

باختصار، ليس لأمريكا وحلفائها مصلحة حقيقية في إنهاء الإرهاب في المنطقة العربية ، بل لها كل المصلحة في بقائه وتجذره هنا ، وفي الاقتتال فيما بين جماعاته ، وفي ممارسة جماعاته كلها ، أعمالاً إرهابية ضد الجيوش العربية وشعوبها وأنظمتها،وبذلك فإن على الحكومة الأردنية ، إذا ارادت تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض ضد الإرهاب، فعل ذلك بالتنسيق مع الدول العربية المناهضة له، وبخاصة تلك القريبة جغرافياً من الأردن كسورية والعراق ومصر ، والانسحاب من التحالف الأمريكي ، فواشنطن وبقية العواصم الاستعمارية لا يراهن عليها لا في محاربة الإرهاب ولا فيما عداه ، ومستعدة للتخلي عن الأردن عند أول منعطف .

عمان – 5/2/2015 م

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.