ابيي وعنصرية العرب والمحارق القادمة / د.خديجة صفوت
د. خديجة صفوت ( السودان ) الأحد 12/6/2016 م …
*اكاديمية وكاتبة سودانية ناشطة تقيم باكسفورد-انكلترا
تم تقسيم السودان في 9 تموز/يوليو 2011 ولم ينته الامر هكذا ، فالخارجية الامريكية توعدت بان السودان سيواجه عزلة دولية متنامية جراء احداث أبيي وجنوب كردفان. ورغم ان أهمية ابيي الحدودية لا تعود للنفط الا بقدر ما يختزل الاعلام الغربي- بتبسيطية مفعمة بسوء القصد كعهده – الحقيقة ويزيف واقع المنطقة وحقوق سكانها وتاريخهم – فآبار النفط المتاخمة للابيي ادرجتها اتفاقية لاهاي Final Award in Abyei Arbitration 22 Jul 2009 خارج ابيي باكرا. سوى ما يشكل اهمية ابيي لطرفي القبائل التي تتعايش في ابيي وولاية جنوب كردفان فالاخيرة عبارة عن سودان مصغر اذ تضم قبائل واثنيات السودان وتضاريسه المختلفة. ويشمل امتداد الولاية الجنوبي منطقة أبيي- وهي منطقة تماس الجنوب والشمال تضم قبائل النوبة وبعض القبائل الرعوية الأفريقية والعربية..والنوبة ابناء عمومة النوبة الشمالية اصل الحضارة الوادي نيلية فبينهما قياسات عدة. ومعظم قبيلة المسيرية العربية الشمالية هم من انصار حزب الامة ورثهم الانقاذ فبات لهم عليهما حق الدفاع عن مصالحهم القبيلية البدوية المترحلة على اطراف التماس بين الشمال والجنوب عند ولاية الوحدة وابيي واويل. وقبائل العرب الرحل السودانية من اقدم القبائل البدوية في العالم. فقبيلة البجا على طول ساحل البحر الاحمر لها تاريخ طويل قديم يتصل بأصل ونشوء الدولة المركزية في وادي النيل الاسراتي الجنوبي والشمالي مما كتبت فيه بحثا قديما. ويعتبر المسيرية، حوازمة من أولاد عطية بن راشد بن الجهيد وينتسبون الى جهينة ومعظمهم ينتسب الى جنيد بن احمد بن بابكر ابن العباس. فمعظم السودانيين ينسبون أنفسهم للعباس.
والمسيرية من الترانسهيومانس Transhumance وتترحل صيفا وشتاء وراء المرعى والمسيل على مر التاريخ الا انها مع ذلك ليست كذلك باطلاق اذ يتزاوج المسيرية كقبائل غرب السودان وغيرهم مع غيرهم من المستقرين فيتبادلون الاعتماد والتكافل. الا ان الصراع حول المرعى والمسيل يخلق شرط التشادد الدوري او المنوالي. وتمر تلك الاحداث مع كل موسم بلا مشاكل كبرى مما وعينا نحن عليه بين الرزيقات والمسيرية مثلا منذ الصغر. وللمسيرية ثروة حيوانية هائلة تسهم في الناتج القومي الاجمالي على نحو معتبر. وقياسا يقال ان اهتمام جنوب السودان بابيي راجع لبعض زعماء الجنوب حيث يسعون للاحتفاظ بابيي كونهم جاؤوا منها. وقياسا ضمت ابيي في مسودة الدستور المؤقت لجمهورية جنوب السودان. ويعتبر بعض الجنوبيين ان ذلك الاستباق خلق توقا غير مؤسس بين الجنوبيين للاحتفاظ بابيي ويتخوفون من مغبة ذلك الاستباق الماثلة وربما اللاحقة بعد تقسيم السودان في 9 تموز/يوليو 2011.
عنصرية بعض العرب:
فيما باتت ابيي محور الكلام عن تقسيم السودان ومغبته بين كل من يريد ان يدلي بدلوه تبرئة للذمة تقف ابيي اليوم جرحا فاغرا فاه وقد حدث الشر كل الشر ولم يتنبه العرب. ذلك ان اسم السودان بقي غائبا لم يتداوله معظمهم حتى فوات الاوان. لم يلتفت اليه ولا يقارن بغيره. والسودانيون الذين يذدري بهم معظم العرب فلا يذكرونهم هم سكان اقدم المجتمعات العربية وهم الذين بادروا بالانتفاضات الشعبية الحديثة على حكام من اعراب الشتات وقد خزلتهم النخب التي اجادت الانتهاز والارتزاق والانبطاح للنظمات الغربية المشبوهة ولأثرياء العرب اكثر مما اجادت الفكر والثقافة. فلم ينتفض شعب عربي منذ ثورة 1919 والثورة الفلسطينية لم ينتفض سوى السودانيين في ستينات القرن العشرين ومنتصف الثمانينات وهم الذين خرجوا يهتفون ضد البنك الدولي في سبيعنات القرن العشرين قبل ان يعرف بعض المثقفين العرب ماهو البنك الدولي وحين تقارن انجازات المرأة العربية لا تذكر المرأة السودانية التي كانت اول امرأة عربية تدخل البرلمان واول قاض وأول امرأة تحصل على حق الاجر المتساوي للعمل المتساوي الا ان احدا لا يعلم ولا يريد ان يعلم. وكان عربي قد سأل بعد ان لمح سودانية على التلفاز سوداني ‘هادولي نسوانكم’؟ فرد السوداني بالايجاب ليتحسر العربي على السوداني قائلا ‘الله يكون فى عونكم’. ولم يتعين لذلك العربي وغيره التعرف على السودانيات والسودانيين وهم اللذين قال فيهم اهم الشعراء العرب وغير العرب ما لم يقولونه فيمن عداهم فقد قال نزار قباني في رحلته الثانية للسودان ‘ها انا مرة اخرى في السودان فهل يمكنني ان اصرخ هنا كما اشاء وانزف كما اشاء انا اعرف السودان جيدا واعرف السودانيين جيدا واعرف ان صدروهم كعادتهم مفتوحة للامطار وللريح وللبرق والرعد والحرية. ومن يدري ربما اشعل لي السودان قناديل الامل وارجع الى حبي الضائع وحبيبتي التي ليس لها ارض او عنوان ‘الاعمال النثرية الكاملة:300-4. وقال ناظم حكمت’ السودانيون يتمتعون بجمال خارق انهم منقوشون في ارقي انواع الاخشاب الابانوسية.. أعرف شاعرة سودانية انها من ملكات جمال العالم'( الرسالة الثالثة) .
ولا يؤخد عن كاتب سوداني ولا يشار الى فكره او طروحاته وان اخذ فدون ذكر اسمه هكذا عيانا بيانا فسرقة حق السودانيين حلال على الوقحاء منا. ولا يستهين الذين يطلق عليهم النخب بالسودان فقد بقيت مصر الدولة – حتى افاقت بعد ربيع العرب لتستعيد جذورها الافريقية – بقيت تستهين بالسودان الا بقدر ما تخترق ثوراته الشعبية. ولم يهتم بالسودان سوى قلة نادرة فيما تحين التواقون لتلميع ذواتهم بادعاء الاهتمام بالسودان متباهين بلقاء مسؤول كبير او وزير سوداني الامر الذي لا يعنى للسودانيين شيئا فلم يكن كبار السودانيين يتعالون او يتباعدون ككبار العرب. فكلهم قريب او جار او زميل دراسة او حتى ابن قبيلة. لم تنشأ ظاهرة تباعد الحكام الا مع حلول الانظمة العسكرية والاسلام السياسي الذى خلق المسافات الاجتماعية ومواكب الموتوسيكلات والحرس.
ويتجرع العرب اليوم مغبة اهمالهم تجربة السودان وكان الأولى اللا يقع كثير مما وقع من هزائم العرب لو اننا تجاوزنا عنصرية معظم النخب وبعض المثقفين العرب. فالشعوب العربية متسامحة مع بعضها ولا اعتقدها تتعامل مع بعضها مثلما تفعل النخب التي لا تعرف من المثقفين والكتاب السودانيين غير الطيب الصالح وأسمين اخرين وحسب. ولم يكتب عن السودانيين سوى الأصدقاء رجاء النقاش رحمه الله وصبري حافظ ونوري الجراح وحسين عبد الرازق وفريدة النقاش وربما بضعة آخرون. لماذا؟ على بعضكم ان يتفكر ويراجع نفسه ويعتذر لنفسه.
ما هو آت تباعا فلنتحسس رؤوسنا:
يقول القائد الاعلى لقوات حلف الناتو الجنرال ويسلي كلارك Wesley Clerk ان خارطة الطريق التي وضعها البنتاغون للحملة العسكرية الماثلة تتكون من مسارح عمليات لخطة الخمس سنوات المقبلة وتشمل سبع دول بدأت بالعراق ثم سورية فلبنان الى ليبيا وايران والصومال والسودان. ويقول ميخائيل تشودوفسكي Michel Chossudovsky– بكتابه الحرب العالمية الثالثة تحت الطبع- ان كارثة فوكوشيما اليابانية وحملة الدفاع عن المدنيين الليبيين قد تبدوان غير متعالقتين الا انهما تمثلان أهمية قصوى لفهم كل من المسألة النووية وحرب الولايات المتحدة وحلف الناتو المتوسعة تباعا على نحو غير مسبوق وقد عبرت عن نفسها بالانقضاض على ليبيا. فقد ترادف الاشعاع الذري الناتج عن كارثة فوكشيما وبداية حرب اقليمية مسرحها العسكري شمال افريقيا بذريعة العمل الانساني بتفويض من مجلس الامن لحماية المدنيين. ان العالم يقف عند مفترق طرق خطير جدا حيث كشفت كارثة فوكوشيما- وقد وصفت بانها حرب نووية بلا حرب – المخاطر التي تحدق بالعالم جراء الاشعاع الذري كما كشفت العلاقة – التي احاطها الصمت – بين صناعة الطاقة النووية والحرب النووية. فالاولى وهي ليست نشاطا اقتصاديا مدنيا بل مكون حيوي لصناعة السلاح النووي التي يسيطر عليها مقاولو صناعة الدفاع.
فالمصالح الرأسمالية القوية تقف وراء صناعة الطافة النووية وصناعة الاسلحة النووية فكلاهما يتبادلان الاعتماد. وقد تتدافع الوكالات الحكومية اليابانية حتى لا تنكشف التسهلات النووية التي كانت مخبوءة داخل محطات فوكشيما الخمس فيما يجأر الاعلام متواطئا بان الخطر تم احتواءه والحقيقة غير ذلك. فسيناريو الحرب التي يشنها البنــــتاغون حربا عالمية ثالثة تنتشر معها قوات الولايات المتحدة وحلف الناتــو في اقاليم متعددة من العالم بصورة متزامنة ويخول برنامـــــج عسكرة العالم للولايات المتحدة قيادة قوات عسكرية موحدة لاشعال حروب متزامنة تقسم الكرة الارضية الى مناطق جغرافية قتالية تحت امرة البنتاغونوالصهيونية العالمية اول مسارحها البلاد العربية.
* اكاديمية وكاتبة سودانية ناشطة تقيم باكسفورد-انكلترا
التعليقات مغلقة.