تحليل إخباري… أيمكن لروسيا التحالف مع إسرائيل؟ / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الإثنين 13/6/2016 م …

لم تحظ زيارة بكثرة التحليلات السياسية لفحواها ومدلولاتها, كما حظيت زبارة نتنياهو الرابعة (الأخيرة خلال ستة أشهر) إلى موسكو, ولقائه مع الرئيس الروسي بوتين. ملخص كل تلك التحليلات تتمحور حول:أن البلدين اصبحا على شفا التحالف الاستراتيحي. وأن العلاقات بينهما ستكون على حساب العلاقات الروسية – العربية. واحتمال تأثير ذلك على الموقف الروسي من القضية الفلسطينية. وأن المستقبل يشي بتطور كبير في العلاقات بينهما. للعلم, الزيارة تمت بمناسبة الذكرى  السنوية الـ 25  لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

من جانبها, فإن الصحف الإسرائيلية أبرزت هذه الزيارة في إطار من استنتاجات مبالغة, فمثلا : وصف المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت إيتمار آيخنر الزيارة قائلا: “إن نتنياهو وبوتين بحثا التطورات المتفاقمة في المنطقة واستكملا التفاهمات التي توصلا إليها خلال الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى الكرملين قبل شهرين، حيث سيتم التوقيع على اتفاقيات جديدة، بجانب بحث مواجهة التهديدات الأمنية والوضع في سوريا ومستقبل العملية السياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.وذكرت المراسلة السياسية لصحيفة معاريف دانة سومبيرغ في احد تقاريرها: أن التعاون الأمني بين موسكو وتل أبيب تصدر المباحثات، وتخللها محاولة إسرائيلية لدفع روسيا لأخذ دور في المبادرات السياسية التي تشهدها المنطقة، وأن روسيا وسوريا ستقومان بجهد سياسي ضد المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام.أما المراسل السياسي لصحيفة هآرتس باراك ربيد فذكر: أن اللقاءات تطرقت لزيادة التعاون العسكري والتنسيق بينهما في سوريا، وتناولت نقاشاتهما الحديث عن إمكانية تمديد قرار وقف إطلاق النار في سوريا.من جهته، نقل المراسل العسكري لموقع ويللا “الإخباري” أمير تيفون عن نتنياهو  قوله:إ ن روسيا دولة عظمى عالمية، وأن علاقات إسرائيل بها تقوى يوما بعد يوم، وهو يعول على التنسيق المتواصل لأنه يخدم أمن إسرائيل القومي ويمنع أي تصعيد عسكري متوقع على حدودها الشمالية.بدوره،  قال أريئيل بولشتاين في صحيفة “إسرائيل اليوم” إن روسيا دولة عظمى على مستوى العالم، مما يعني أن تقوية علاقات إسرائيل معها تعد كنزا إستراتيجيا؛ فالأمر لا يقتصر على المجال السياسي، بل يتعداه إلى التعاون الثقافي والاقتصادي، مما يفتح أسواقا جديدة أمام المزارعين والتجار الإسرائيليين.

وأشار رئيس فرع حزب الليكود في روسيا ميخائيل لوفوفيكوف -عبر الصحيفة نفسها- إلى أن التعاون بين البلدين وزيادة الزيارات المتبادلة بينهما يشيران إلى رغبة مشتركة في توثيق العلاقات، فضلا عن رفع مستوى الثقة المتبادلة، مما يدعم مواقف إسرائيل السياسية أمام المخاطر المحدقة، لا سيما مخاطر نزع الشرعية وحرمانها من “حقها” في الوجود.ورأى الكاتب “الليكودي” أن روسيا ترى في الإسلام الراديكالي تهديدا لها، داخليا وخارجيا، مما يجعل الخطوط الحمراء التي رفعتها إسرائيل في ظل الصراعات التي تشهدها المنطقة, قابلة للترجمة على الأرض, وتحويلها لثوابت يمنع التنازل عنها. وتتفق معظم التحليلات في معظمها، على هدفين رئيسيين: الأول يتصل بتطورات الأزمة السورية، والتنسيق  الاستخباري والعسكري بشأنها بين الجانبين . والثاني بالتحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، وسعي دولها لملء الفراغ المترتب على الانسحاب الأمريكي المتدرج من المنطقة وقضاياها.وبخصوص هذه النقطة بالتحديد يرى سفير إسرائيل الأسبق في الولايات المتحدة ، مايكل اورن :أن روسيا تملأ الآن الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط .وفي اعتقاده ، وفقا لما نقلت عنه الصحف الاسرائيلية، ان “هذه الحقائق على الارض, لا يمكن التنكر لها.  حيث وقع انسحاب أمريكي استراتيجي دبلوماسي من المنطقة، بينما يجري تزايد  واضح لتدخل روسيا دبلوماسيا وعسكريا فيها.و ولاحظ السفير أن  نتنياهو  ليس وحده الذي يزور الرئيس الروسي بوتين عدة مرات في السنة. فزعماء عرب وشرق اوسطيون آخرون يزورونه ايضا. كما يرى السفير: أن الاميركيين سيظلون ماضين في هذه السياسة الانسحابية ، حتى بعد الانتخابات الرئاسية  في الولايات المتحدة. معللا ذلك , باجتياز الأمريكيين حروبا منهكة في منطقتنا، ومللهم  الشرق الاوسط.  بعد ان استثمروا تريليون دولار في العراق ولم يروا سنتا واحدا بالمقابل على حد قوله.

 اما بخصوص التناقض الظاهري بين وجود روسيا على رأس التحالف الذي يضم  سوريا وايران وحزب الله ، وبين جهود التحالف الروسي الاسرائيلي ،تنقل الصحف الاسرائيلية عن المسؤولين  الاسرائيليين  اطمئنانهم إلى التعاون الروسي  مع اسرائيل ضمن منظومة علاقات واسعة . حيث يؤكد المسؤولون  أن  الجانبين  اتفقا على تنسيق العمل وحرية العمل للهجمات الاسرائيلية داخل سوريا، مقابل سكوت اسرائيل وحياديتها في المواجهات التي تقودها روسيا على الارض السورية .

بالنسبة للإعلام العربي ,فالكتابات والتحليلات كثيرة. غير أن ما يستوقف المتابع لها,  أن استنتاجاتها في بعض ملامحها تميل إلى المبالغة ,وإلى تحديد ذات  الأهداف الواردة  في بداية التقرير, فمثلا ركزت “إرم نيوز” على : أن موسكو قررت إعادة دبابة إسرائيلية كانت القوات السورية قد غنمتها في العدوان على لبنان عام 1982,  وتم نقلها لمتحف موسكو ،لتسلم الآن إلى اسرائيل ضمن المقايضة الإسرائيلية الروسية حول سوريا. أما جريدة  الشرق الاوسط  فقد ذكرت: أن نتنياهو كشف عن اتفاق على حظر صواريخ “إسكندر” لدول الشرق الأوسط. أما صحيفة العرب فوصفت الزيارة: بأنها تعبر عن شراكة كاملة بين البلدين ضد تحركات حزب الله.

بالنسبة للصحافة العالمية ,فقبل ساعات من لقاء نتنياهو- بوتين, تولت صحيفة التايمز البريطانية (بثقة متناهية!) الكشف عن المقايضة الروسية الإسرائيلية  بشأن الدور العسكري  الروسي في الشمال السوري , مقابل  النفوذ الإسرائيلي  في الجنوب السوري ، من درعا الى الجولان .ويشير  تقرير الصحيفة إلى أن كلمة السر في هذا الخصوص هي :عقد تحالف بين الجانبين  يتضمن كبح جماح حزب الله اللبناني. بعد ان تشجع النظام السوري وحزب الله بما حققاه مؤخرا من تقدم في جبهات القتال لشن هجوم أوسع جنوبي سوريا.بعض الصحافة الإسرائيلية وصفت زيارات نتنياهو إلى موسكو: “بأن وتيرتها لم تكن على هذا المستوى مع الولايات المتحدة الأميركية، على الأقل في سنوات حكومات نتنياهو الثلاث الأخيرة.

وبغض النظر عما يدور وراء الكواليس بين الجانبين الإسرائيلي والروسي، فإن الحديث عن تحالف استراتيجي روسي إسرائيلي هو وهم،لأنه سيكون على حساب التحالف الاستراتيجي مع واشنطن، وهذا سباحة في بحر الخيال،ذلك لانه يتجاهل جوهر العلاقة الإسرائيلية الأميركية.ما من شك أن وتيرة اللقاءات الإسرائيلية الروسية تشير الى تطور في العلاقة بين الجانبين. لكن هذه العلاقة يجدر وضعها في مسارها الصحيح، إذ إنها تأتي في إطار التقاء مصالح في نقاط موضعية، ولكنها أبعد ما تكون عن علاقة استراتيجية عامة وشاملة. ففي الشأن السوري، فإن روسيا ليست معنية بتوسيع دائرة المواجهة فيها ، لتشمل كل الأطراف المتواجدة على الأرض، بما في ذلك الغارات العدوانية التي يشنها الكيان من حين إلى آخر في العمق السوري، على الرغم مما تعلنه إسرائيل بأنها تستهدف حزب الله اللبناني، الحليف لإيران، والأخيرة على علاقة ذات خصوصية مع روسيا، استنادا إلى التقاء مصالح بينهما. ولكن ما هو ملموس حتى الآن، في هذا الجانب، أن التنسيق بين الجيشين ليس بالمستوى الذي أعلنته إسرائيل قبل أشهر، وإنما كما يبدو, يتركز في تجنب أي صدام بينهما في الأجواء السورية.لكن من جهة أخرى، فإن الجانبين الروسي والسوري معنيان بالظهور في شبكة علاقات خارجية، بعيدة عن محدوديات شبكة العلاقة لكل طرف من الطرفين. فروسيا معنية بالظهور كمن تستطيع اقتحام معسكرات، وأنها لا تحشر ذاتها في حلبات محدودة، وهذا في مسار سعي بوتين لبناء السياسة الروسية من جديد، كقوة عظمى لها وزن النِّد للولايات المتحدة الأميركية.

أما بنيامين نتنياهو، وعلى الرغم من التواطؤ الواسع الذي تحظى به حكومته من غالبية دول القرار العالمي، إلا أنه يشعر بشكل واضح بمحدودية شبكة العلاقات الخارجية لإسرائيل، مقارنة مع ما كان في سنوات “الانفراج” في العقد الأخير من القرن الماضي، وتدهورها في فترة حكوماته الثلاث، إلى الحضيض، إن جازالتعبير. ولهذا فهو معني بالظهور، خاصة أمام الرأي العام الإسرائيلي، بأنه قادر على كسر الحواجز في العلاقات الخارجية، وأن حكومته ليست محاصرة، بموجب ما تدعيه وسائل الإعلام الإسرائيلية.

قد يرى البعض أن نتنياهو يريد التلويح للإدارة الأميركية، ولكن هذه فرضية ليست منطقية، حتى لو قصد نتنياهو هذا، لأن العلاقة الإسرائيلية – الأميركية ذات عمق استراتيجي، لا يستطيع أي ممن يقفون على رأس الهرم الحاكم في البلدين الإخلال بها، كونها قائمة أساسا على العلاقات الاقتصادية، ومنها العسكرية. وهذا ينعكس في حجم الدعم العسكري الأميركي السنوي لإسرائيل، والذي يصل حاليا إلى نحو 3.5 مليار دولار، ومرشح للارتفاع الى مستوى 4 مليارات دولار وأكثر.إضافة إلى ذلك, فإن اللوبي الصهيوني، المتمركز في قلب رأسالمال المالي للأميركيين إضافة إلى الطغمة المالية , التي في غالبيتها مؤيدة للوبي الصهيوني وللكيان، هؤلا جميعا يخدمون المصالح الإسرائيلية، مقابل دعم إسرائيل لنشاطهم الاقتصادي. بالطبع كلهم لن يسمحوا لإسرائيل بأي محاولة للإخلال بالعلاقة مع المؤسسة الأميركية. وهذا ظهر مثلا، في الانتخابات الأميركية في العام 2012، حينما لعب نتنياهو ومؤيدو اليمين الإسرائيلي المتطرف في الولايات المتحدة، دورا مكشوفا لإسقاط الرئيس باراك أوباما عن الحكم. لقد أكدت تقارير، ومنها تقرير لـ “معهد سياسة الشعب اليهودي”، التابع للوكالة الصهيونية، أن تصرف نتنياهو وغيره، خلق حرجا كبيرا للمنظمات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة. أمام هذا الواقع، يجدر وضع الاتصالات الإسرائيلية الروسية في إطارها الصحيح، فالخلافات السياسية بين الجانبين ما تزال قائمة، وهذا يتجلى في التصريحات المتناقضة بشأن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني؛ ففور إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن نتنياهو أعرب عن موافقته على “المبادرة العربية للسلام” من دون أي تغيير، سارع نتنياهو إلى نفي النبأ، وما ذكره نتنياهو كان هو الصحيح بالتأكيد، وتبع ذلك تصريحات روسية حول أسس الحل للقضية الفلسطينية، التي ترفضها إسرائيل.

العامل الحاسم الذي يناقض التحليلات المغرقة بجهلها في معرفة الواقع الروسي ,هو الاجتماع الثلاثي  الذي تم عقده في العاصمة الإيرانية بين وزراء دفاع كل من روسيا وإيران وسوريا، بدعوة من وزير دفاعها، وهو الاجتماع الأول الذي يعقد على هذا المستوى منذ عام 2014، في الوقت الذي تساند فيه الطائرات الروسية القوات السورية في الحرب ضد داعش، فيما تشارك إيران بمستشارين عسكريين، ومقاتلين عديدين.ووفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”، فإن وزراء الدفاع تبادلوا وجهات النظر بشأن بشأن التطورات الإقليمية الأخيرة ,وسبل تعزيز وتوسيع الحرب على الإرهاب.جاء ذلك بعد يومين من خطاب ألقاه الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب ، أثنى فيه على دور كل من روسيا وإيران والصين وحزب الله اللبناني للمساندة التي يقدموتها  للحكومة السورية، مؤكدا على أن الروابط بين دمشق وكل من طهران وموسكو تزداد يوما بعد يوم.ووفق وكالة الأنباء السورية قال الأسد أن “اندحار الإرهاب لا بد أن يتحقق, طالما أن  هناك دولا كإيران وروسيا والصين تدعم الشعب السوري وتقف مع الحق وتنصر المظلوم في وجه الظالم، فشكرا لهم، ولثبات مواقفهم المستمرة مع سوريا، فهي دول تحترم مبادئها وتسعى دائما لدعم حقوق الشعوب في اختيار مصيرها”.جاء الاجتماع بعد تعهدات روسية بتقديم “الدعم الأقوى” للحكومة السورية في معركتها الحالية في مدينة حلب الشمالية . هذا وقد وتطرقت صحيفة “طهران تايمز” إلى أ ما جرى في الاجتماع الثلاثي، مؤكدة أنه تم التطرق إلى شكل التنسيق حول العمليات التي تجري في الرقة كانت على رأس أولويات مباحثات وزراء الدفاع الثلاث.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.