مقال هام للمحامي الأردني عمر العطعوط : مشروع التعديلات الدستورية .. وداعًا لدستور 1952!




المحامي عمر العطعوط ( الأردن ) – الخميس 18/11/2021 م …

مشروع التعديلات الدستورية الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب يشكل استمراراً لعملية ممنهجة في الدولة بدأت في العام 2014 واستمرت في العام 2016 وتستكمل الآن بموجب هذه التعديلات الجديدة بشكل يؤدي إلى هدم أركان نظام الحكم في الأردن وهو النظام النيابي الملكي الوراثي وذلك للأسباب التالية:

أولاً: منح الملك صلاحيات منفردة دون غطاء حكومي يخالف المبادئ الدستورية التالية: أن الأمة هي مصدر السلطات وأن الملك هو رأس الدولة ومصون من كل تبعة ومسؤولية وأن أوامره الشفوية والخطية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم وبالتالي فإن الحكومة هي التي تغطي مسؤولية الملك أمام مجلس النواب، وتتحمل مسؤولية كافة الأعمال بما في ذلك الحساب والعقاب، فالملك الدستوري لا يخطئ وبالتالي لا يجوز محاسبته. ولذلك جاءت المادة 40 من الدستور (قبل العبث بها) لتنص بضرورة ممارسة الملك صلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء المختصين بحيث يكون دور الملك بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة.

ثانياً: صحيح أن واقع الحال في الأردن أن الملك هو الذي يعين مدير المخابرات ومدير الأمن العام ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان وقائد الجيش إلى ما هنالك من مناصب حساسة في الدولة بإرادته المنفردة وينحصر دور كبار الموظفين برتب رؤساء حكومات ووزراء بالتوقيع بلا دور حقيقي باتخاذ القرار إلا أن استمرار الشكل الدستوري الأصلي على الأقل ضروري للحفاظ على الدستور من العبث وعلى نظام الحكم من التقويض كما يشكل تطبيقاً لقاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، فلا يوجد نظام في العالم يعفي من منحه الدستور صلاحية الانفراد باتخاذ القرار من مسؤولية أعماله وقراراته.

ثالثاً: تشكيل مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية بنص بالدستور وبالشكل الوارد فيه هو اختراع لا يؤدي فقط إلى تقويض نظام الحكم النيابي الملكي وإنما فيه توريط غير بريء لمؤسسة العرش وتفكيك ممنهج لمؤسسة الدولة الدستورية للأسباب التالية:

1. أن نظام الحكم يقوم على السلطات الدستورية الثلاث؛ السلطة التشريعية والتي تناط بمجلس الأمة والملك، والسلطة التنفيذية والتي يرأسها الملك ويمارس صلاحياته من خلال وزرائه والسلطة القضائية وهي مستقلة تتولاها المحاكم وتصدر أحكامها باسم الملك.

2. كما ينص الدستور ان مجلس الوزراء مسؤول عن إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية وهو المسؤول أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما أن كل وزير مسؤول عن أعمال وزارته.

3. إن إنشاء هذا المجلس الجديد والذي ستناط به مسؤولية السياسات الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية والذي هو برئاسة الملك – وفي ضوء أن الحكومة هي صاحبة الولاية العامة بنص صريح – يؤدي إلى خلط فاحش في المفاهيم والمسؤوليات الدستورية؛ فهل المقصود أن يتبع هذا المجلس الذي يرأسه الملك إلى حكومة يرأسها رئيس وزراء يعينه الملك؟ أم المقصود أن يصبح هذا المجلس برئاسة الملك هو مسؤول مباشرة عن هذه السياسات بسلطة أعلى من سلطة الحكومة وحينها كيف سيخضع هذا المجلس برئاسة الملك للمسؤولية المشتركة امام مجلس النواب؟ والاهم أيضًا كيف يستقيم النص بكون الأمة هي مصدر السلطات طالما لم يعد للشعب قرار أو حتى تدخل أو مشاركة في الشؤون الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية؟

رابعاً: الصلاحيات الوحيدة التي يمارسها الملك وفقاً للنظام البرلماني دون غطاء حكومي هي صلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم والسبب في ذلك أن هذه الصلاحية هي فعلياً مقيدة بموافقة الأغلبية البرلمانية عليها وبقاؤها في الأصل مرهون بتمتعها بثقة البرلمان وليس كما يقول البعض من القانونيين على شاشات الفضائيات أن هذه الصلاحية تعني أن الدستور الأردني له خصوصية عن باقي الأنظمة النيابية الملكية في العالم حيث أن هذه الصلاحية المنفردة للملك بتعيين الحكومة وعزلها موجود في باقي دساتير العالم لنظم مشابهة لنظامنا السياسي.

إن هذه التعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة لمجلس الأمة كما التعديلات التي سبقتها تشكل استمرارًا للارتداد عن النظام البرلماني وفيها توريط لمؤسسة العرش وتشكل مساسًا بمكانة الملك باعتباره رأس الدولة وليس رئيسًا للسلطات بل الحكم فيما بينها. فما هي المصلحة من أن يتنازل الملك عن تلك المكانة الاعلى ليصبح لاعبًا، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على المؤسسة الملكية التي من المفترض أن تكون رمزًا لوحدة الأمة وكرامتها؟

أم أن الهدف من هذه التعديلات هو تفعيل النص الدستوري غير المطبق منذ نهاية الخمسينيات والقائل بأن «الأمة هي مصدر السلطات» وجعله نصًا قابلًا للتطبيق من خلال برلمان وحكومات تقتصر صلاحياتها على قضايا داخلية محدودة وغير جوهرية، في حين تظل إدارة مفاصل الدولة الرئيسية من أمن وسيادة وعلاقات خارجية منفصلة تمامًا عن إرادة الشعب. أوليست اتفاقية الدفاع مع أميركا والتي تم بموجبها استباحة السيادة الأردنية مثال على ذلك تمامًا كماهي اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني وملفّات الطاقة والمياه؟ وما معنى كل الحديث عن «الإصلاح السياسي» وتفعيل الحياة الحزبية وتعديل قانون الانتخاب إذا كان الهدف هو الوصول إلى برلمان وحكومة برلمانية منزوعي الصلاحيات لا حول لهم ولا قوّة في القرارات المصيرية؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.