من رسالة الى مسلّح / نزار قباني
نزار قباني ( الثلاثاء ) 14/6/2016 م …
** فقرات من مقال (عزيزي المسلّح) الذي نشره نزار قبّاني في مجلّة الحوادث اللبانية في عام 1977م …
عزيزي المسلّح:
ليس في نيّتي أن أناقشك أو أحاسبك ولكنّي أكتفي بسؤالك:
هل أنت سعيد بما فعلته.
هل ساعدك هدم بيتي على تعمير بيتك.
وهل أدّى موتي الى إطالة حياتك.
إذا كان موتي قد حقق لك ربحاً، فأنا مستعد أن أموت مرّة ثانية… وثالثة… ورابعة… وعاشرة… حتّى تصير حياتك أطول وأجمل.
وإذا كان جوع أطفالي قد أدّى الى شبع أطفالك، فإنّي أعتبر التعويض عادلا… ولكن جردة سريعة لحساب هذه الحرب تثبت أنّ خسارتك كانت تعادل خسارتي… وموتك بحجم موتي.
في هذه الحرب يا عزيزي المسلّح، تساوينا في الهزيمة… وتساوينا في عدد قبورنا… وعدد موتانا… فهل كانت المساواة التي كنّا نحلم بها… أن أسلّمك جثّة وتسلّمني بالمقابل جثّة. وبدلاً من أن يزداد عدد أولادي… وعدد أولادك… ويكبر الوطن… قرّرنا أنت وأنا أن نقطع ذرّية هذا الوطن… ونذبح كلّ أطفاله ونرميهم في البحر…
عزيزي المسلّح:
أرجو أن لا تتصوّر أن مستقبلك لا يشغل بالي… إنني دائم التفكير بك… ماذا ستعمل. أين ستعمل. كيف ستعمل. أيّ مهنة تستطيع بعد اليوم أن تستوعب طموحك. كيف ستتعامل مع أصدقائك وصديقاتك وأساتذتك ورؤسائك. لقد أعطتك الحرب العبثيّة سلطة إستثنائية تتجاوز سنّك ومواهبك وثقافتك وإمكانيّاتك… أعطتك سلطة المعدن البارد… وبهذه (السلطة المعدنيّة) إستطعت أن تقلب كلّ المعادلات وتلغي الحدود بين الممكن والاممكن… والشرعيّ والاشرعيّ… وتقول للشيء كن فيكون… وما يشغل بالي هو هل بوسعك أن تنسى بسهولة (سلطتك المعدنيّة) التي أعطتك إيّاها البندقيّة… وتعود إنسانا سويّا مثلنا. هل بوسعك أن تصغي الى محاضرة في الجامعة إن كنت طالبا… وتستقبل الناس ببشاشة ورحابة صدر إن كنت موظّفا… وتحترم قوانين المرورإذا كنت تقود سيّارة… وتقف بالطابور كالآخرين أمام السينما للحصول على تذكرة… ثمّ هل سيكون بوسعك يا عزيزي المسلّح بعد الحكم المطلق، أن تتكلّم بهدوء مثلنا… وتبتسم مثلنا… وتردّ على الهاتف مثلنا… وتعشق إمرأة مثلنا… وتتعشّى معها على ضوء الشموع مثلنا… وتوصلها لمنزلها بعد العشاء… وهي قطعة واحدة…
هل بإمكانك أن تنسى (ذاكرتك المعدنيّة) وتبدأ من أوّل السطر كما يبدأ الطفل من روضة الأطفال. هل بإمكاني أن أدعوك الى منزلي… وأسمعك شعراً.
عزيزي المسلّح:
إنّ كرسيّك على المائدة لا يزال خالياً… فاترك بارودتك خارج الغرفة… واجلس معنا… فلدينا خبز كثير… وحبّ كثير… وقصائد جديدة سأنشدها لك عندما نلتقي…
التعليقات مغلقة.