” ما قَلَّ ودَلَّ ” … تعليق على مقال الدكتورة “خديجة صفوت” بعنوان : ” ابيي وعنصرية العرب والمحارق القادمة ” – الأردن العربي / الطاهر المُعِز
الطاهر المُعِز ( تونس ) الأربعاء 15/6/2016 م …
ورد في مقال للدكتورة “خديجة صفوت” بعنوان “ابيي وعنصرية العرب والمحارق القادمة” – نُشِرَ في مَوْقِع جريدة “الأردن العربي” يوم الأحد 12/06/2016 م ، تحت هذا الرابط :
https://www.arabjo.net/index.php/2014-12-21-16-19-16/2014-12-21-16-20-25/item/9189-2016-06-12-15-54-47
ورد بعض التّعْمِيم والتَّأكيدات والمَقُولات غير الدّقيقة، وبعضُها مجافٍ للواقع ومُنافِ للحقيقة، منها “ولا يؤخد عن كاتب سوداني ولا يشار الى فكره او طروحاته وان اخذ فدون ذكر اسمه هكذا عيانا بيانا فسرقة حق السودانيين حلال على الوقحاء منا” أو “ولم يكتب عن السودانيين سوى الأصدقاء رجاء النقاش رحمه الله وصبري حافظ ونوري الجراح وحسين عبد الرازق وفريدة النقاش وربما بضعة آخرون”، إضافة إلى فقرة نقْتَطِفُ منها الآتي: “… فلم ينتفض شعب عربي منذ ثورة 1919 والثورة الفلسطينية لم ينتفض سوى السودانيين في ستينات القرن العشرين ومنتصف الثمانينات وهم الذين خرجوا يهتفون ضد البنك الدولي في سبيعنات القرن العشرين قبل ان يعرف بعض المثقفين العرب ماهو البنك الدولي…”
قد يَكُون كل ما كَتَبَتْهُ الدكتورة “خديجة صفوت” بخُصُوص جهل العرب (أو بعض العرب) بما يحدث في البلدان العربية الأخرى صحيحا، ويُمْكِن لأي عربي من أي قُطْرٍ أن يقول نفس الشيء تقريبًا، لأن الأنظمة العربية (ومَنْ وراءها مِنْ قوى الإستعْمَار) نَشَرَت الجهْلَ والتَّفْرِقة والشُّوفينية، ومنعت المواطن العربي من الإتصال ببقية إخوانه في الأقطار العربية الأخرى ومن الإطلاع على تراثهم الشَّعْبِي وعلى صُحُفِهِم وإنتاجهم الأدَبي والعِلْمي، ومن النَّادِر أن يستطيع عربي دخول بلد عربي آخر دون تأشيرة باهضة الثمن ويَطُول انتظارها، وما زاد الطِّين بَلَّةً هيمنة آل سعود ومشائخ الخليج على الجامعة العربية التي أصْبَحَتْ مُصِيبة ويَتَعَيَّنُ حَلُّها ودَفْنُها، وهيمنة نفس “الشُّيُوخ” على الإعلام…
أما عن بعض التعْلِيقَات التي أوْرَدَتْهَا الدكتورة على لِسان “بعض العرب” أو تأكيد الدّكتورة ان “اول امرأة عربية تدخل البرلمان واول قاض وأول امرأة تحصل على حق الاجر المتساوي للعمل المتساوي (هي سودانية) الا ان احدا لا يعلم ولا يريد ان يعلم”، فهي تأكِيدات لا تضِيف شيئا إلى ما نَعْرِفه عن جهل بعضنا أو عن عُنْصُرِيَّة بعضنا الآخر، ليس تجاه شعب السودان فقط وإنما هي صِرَاعات جانبية خلقها الحكام والطبقات الثرية لتقسيم الشعب الواحد والمدينة الواحدة الخ، ولكنني من المُطَالِبِين بالمُساواة الفعلية بين الجميع، بين الرجل والمرأة وبين المواطنين ومختلف مناطق أي بلاد وأن لا تسْتَاْثِر نُخْبَة من الأثرياء بثروات البلاد وبمختلف أَوْجُهِ السلطة (السياسية والإقتصادية والأكاديمية…)… ماذا يُفِيد النساء الفقيرات في السودان اللاتي تفتقرن للتعليم والعلاج وللمسكن اللائق أن تكون أول امرأة قاضية هي سودانية أو أردنية أو لِيبيّة؟ إن “مارغريت تاتشر” (في بلد إقامتِكِ) هي أمرأة بلغت قمة السُّلْطة، ولكن النساء الفقيرات عانين الأَمَرَّيْن من سياستها المُعَادِية للعمال والأُجَرَاء والفقراء (رجالا كانوا أم نساء)، وتَصَرَّفَتْ “تاتشر” بصِفَتِها مُمَثِّلَة لِسُلْطة رأس المال في أبشع مظاهِرِهِ، رغم فُسْتَانِها واسْمِها وكل ما يُشِير إلى جِنْسِها كامرأة، ويمكن أن نقول نفس الشيء عن هيلاري كلينتون وعن غولدا مئير وغيرها من النِّساء الحاكِمات سواء كانت سُلْطَتُهُن سياسية أم اقتصادية…
السودان مثل باقي بلدان العالم يسْكُنُه الغني والفقير ولِكُلٍّ منهما مصالحه المُناقِضة لمصالح الآخر، ولا يجْمَعُهُما سوى الإنتماء لنفس البلد (الجنسية السودانية) ويتكون الشعب السوداني، مثل باقي الشُّعُوب من نساء ورجال ومن مثَقّفين ومتعلمين وغير مُتَعَلِّمين الخ، ولا أُشاطر الدكتورة تأكيدها “لم ينتفض سوى السودانيين…” (أعتقد أنه وجب أن نكتُبَ “السودانيون” فهو فاعل)، إذْ انْتَفَضَتْ شعوب عربية في المغرب العربي ضد إملاءات البنك العالمي –الذي كان يُسَمّى “البنك العالمي للإنشاء والتعمير”- منذ 1965 وانتفض الشعب المصري ضد نفس الإجراءات في “يناير 1977” والشعب المغربي والتونسي والأردني خلال عقد ثمانينيات القرن العشرين، والجزائري سنة 1988 (عند انخفاض أسعار النفط بفعل إغراق السعودية للأسواق العالمية، نِكاية في الإتحاد السوفياتي) وسواء عرف هؤلاء الفقراء البنك العالمي أم لا أو عرف أو لم يعرف المثقفون (أو بعضهم) ما هو البنك العالمي (لآ أمْلِكُ معلومات دقيقة بهذا الخُصُوص لكي أؤَكِّدَ أو أنْفِيَ الأمر) فإن العمال والفلاحين والفقراء -في السودان أو في غيرها من البلدان العربية وبلدان العالم- عرفوا ان هذه القرارات والإجراءات مناقضة لمصالحهعم وانتفضوا ضدها، وسَدَّدُوا ثمنا مُرْتَفِعًا تمثل في عدد من القتلى والجَرْحى والمُعْتَقَلين، ويبقى أمْرُ مَصْدَرِ هذه القرارات، أكانت الحكومات أم صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي أمرا ثانويا بالنسبة للمُتَضَرِّرِين من هذه السياسة ومن هذه القرارات …
شَخْصِيًّا أحاول توسيع رُقْعَة الأصدقاء (الحقيقيين وليس المُزَيَّفِين) وتضْييِق رُقْعَة الأعداء، وأبحث دائما عن القواسم المُشْتَرَكة التي تَجْمَعُني مع باقي الأفراد والشعوب، وبالدّرَجَة الأولى الشعوب العربية -وأستثْني الحُكَّام من مُكَوِّنَات هذه الشُّعُوب، على الأقل في الوضع الحالي- ومنها الشعب السوداني بمختلف مناطقه ومُكوناته الاثنية واللغوية، فقد مَنَحَنا هذا الشعب أدباء وشُعراء عُظماء وقادة سياسيين ونقابيين وتجربة ديمقراطية فريدة قبل أكثر من خمسين سنة، كما منحتنا مصر ولبنان والجزائر والعراق بعض مُكَوِّنات تُراثنا المُشْتَرَك…
أود أن أقرأ لك، سَيِّدَتي الدكتورة –وما أنا بِدُكْتُور ولا حتى أُسْتاذ- مقالات أخْرى تُفِيدُنِي وتُثْرِي معلوماتي حول مختلف جوانب بلدك السودان وشعْبِهِ وتُراثه، ولك مِنِّي أطيب التحِيّات
التعليقات مغلقة.