الأردن فوق صناديق الإرهاب / المبادرة الوطنية الأردنية
المبادرة الوطنية الأردنية ( الأربعاء ) 15/6/2016 م …
المقاربة العلمية لفهم وتحديد العلة والسبب اللتان تنتجان أي أزمة أو حالة شاذة في أي مجتمع وفي أي مجال، تشترط مسبقاً فهم منظومة قوانين علمية وآليات محددة بشروط مرتبطة بخصوصية الأزمة أو الحالة، انطلاقاً من منظومة مترابطة تبدأ في:
التوصيف في خدمة التشخيص من أجل اجتراع الحلول الحقيقية، التي هي الهدف النهائي للجهود التي تبذل للخروج من الأزمة أو من أجل بناء المجتمع الجديد المعافى.
يعيش الأردن المأزوم في الواقع فوق مجموعة من صناديق الإرهاب متعددة الأوجه ومختلفة الوظائف، الإرهاب الأمني أحد أوجهه، ولكنه ليس الأخطر، لأنه مشروع غير قابل للحياة وليس مشروعاً بذاته قابل للتحقيق، مع الآخذ بنظر الاعتبار بأن الإرهاب الأمني، عبر التاريخ، ظاهرة وليس كينونة، ظاهرة تخدم إنفاذ مخطط محدد، سواء أكان اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو استراتيجي، ثمة ما هو أخطر من الإرهاب الأمني، ألا هو الإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والفكري، الذي يمارس على مجتمعاتنا العربية، والأردن واحداً منها، لأن هذا النوع من الإرهاب هو بالضبط ما يخدم مشروع هيمنة طرف خارجي (المركز الرأسمالي العالمي) بالتعاون مع أطراف داخلية ( قوى التبعية)على المجتمع وعلى الدولة المعنية وعلى كافة ثرواتها ومقدراتها وإمكاناتها:
• الإرهاب الأمني: عاش الأردن مسلسل إرهاب أمني، على فترات وضمن ظروف محددة ومن أجل أهداف بعينها، ومؤخرا عمليتي اربد وعين الباشا ” ضد مكتب المخابرات”. منظومة الإرهاب هذه منضبطة على إيقاع أجندة خارجية، غير مرتبطة بالمصالح والهموم المباشرة للمجتمع الأردني، حيث لم نسمع من منظومة الإرهاب هذه أي مطلب يخص الشرائح الاجتماعية الكادحة والمنتجة، ولم نسمع منه أي مطلب يخص التحرر من آفات وأمراض المجتمع السائدة، الظلم والفقر والجوع وعدم المساواة بين الناس والفساد…الخ، ولم نسمع منه طرحه لتصور عملي، ولا أي نموذج اقتصادي، للخروج من الأزمة، الأزمة القائمة التي سببها المباشر والأساس يكمن في سيادة نهج الاستهلاك على حساب نهج الإنتاج في المجتمع وفي الدولة، والمشروع الوحيد المعلن من قبل منظومات الإرهاب هو العودة إلى نموذج سابق، غابت شروطه الموضوعية التي كانت قائمة في ذلك الزمان، ولذلك هو نموذج غير قابل للتطبيق، لا بل أن المحاولات القصرية لإنفاذه ستعمق من الأزمة وتزيد من معاناة الناس وتعقد سبل الخروج من الأزمة الحقيقية القائمة.
يقوم مشروع منظومة الإرهاب على ظروف مفوته، ولكن وبسبب حملة التحريض المركزة الهائلة في وسائل الإعلام المحلي والإقليمي والدولي، وبغض النظر عن موقفه مع أو ضد الإرهاب، هو ما يخلق صورة وهمية، لدى فئات اجتماعية واسعة مأزومة، ورافضة للواقع المأزوم القائم، لإمكانية الخروج من الأزمة عبر هذا الممر الوهمي، وخاصة وأن شروط تمدّد ونمو ظاهرة الإرهاب كامنة في المجتمع ذاته، وتنمو هذه الظاهرة مع نمو مرتكزاته.
الإرهاب لا يهبط من السماء، بل ينبت في أحشاء المجتمع القائم، وخاصة في أحشاء المجتمع المأزوم منه، كما هو حال المجتمع الأردني القائم، حيث الأزمة مركبة وشاملة كافة مناحي الحياة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية والسياسية، وحيث تم تدمير كافة القيم الإنسانية النبيلة لصالح القيم الظلامية المتخلفة، وحيث منحت هذه الثقافة الظلامية المساحة الأوسع في وسائل الإعلام، وفي المناهج التعليمية المدرسية والجامعية، وعبر منابر متعددة كثيرة، بحيث أصبح الخطاب السائد في المجتمع وفي العلاقات العامة بين الناس، وفي ثقافة وسلوكيات الأفراد، بما فيهم فئة من مدعي التقدمية، وفئة أخرى منهم تتواءم مع هذه الثقافة والسلوك.
نمى الإرهاب فعلاً في مسامات الواقع، بالرغم من حالة السكون الظاهرة، وتغذى بسبب الظلم الواقع على الشرائح الاجتماعية الكادحة والمنتجة، وبسبب غياب القانون، لا بل بسبب سيادة شريعة الغاب، حيث يأكل القوى الضعيف، وبسبب تفشي ظاهرة الفساد والإفساد وتحولها إلى آلية للحكم، هكذا بيئة وهذه عناصر هي التي تشكل أكسير الحياة لمنظومة الإرهاب.
• صناديق الإرهاب الاقتصادي:
يكمن جوهر الإرهاب الاقتصادي في حجز المجتمع، أي مجتمع، عن حقه في التطور الطبيعي، ومنع الحق عنه في اختيار طريقة تطوره، ونظام حكمه ومن يحكمه، ويعتمد الإرهاب الاقتصادي الفاعل على فرض نهج الاستهلاك وسياسة القروض من الخارج ( القاتل الاقتصادي ) على الدولة، وحجز المجتمع عن تحويل ثرواته الطبيعية ومقدراته وإمكاناته، عبر نهج الإنتاج، إلى خيرات توفر شروط الرفاه والتقدم والتطور والعزة والكرامة والنعمة للمجتمع.
كيف يمارس الإرهاب الاقتصادي في الأردن؟
الجميع بلا استثناء ستكون إجابته، يمارس عبر صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية ( الانتداب الثاني )، فشروط وإملاءات هذه المؤسسات ( أدوات المركز الرأسمالي العالمي ) منذ نهاية العقد الثامن من القرن الماضي، مقابل تساوق مطلق واستجابة مذلة من قبل قوى التبعية : في الحكم وفي السوق وفي صفوف “المعارضة” مع هذه الإملاءات والشروط، التي قادت البلاد إلى هذه الحالة الكارثية المعاشة.
شكل تأسيس ” صندوق الاستثمار” وفق قانون خاص به، تحول نوعي في تطبيق سياسة الإرهاب الاقتصادي، وسيشكل محطة مذلّة في مسيرة الخنوع لشروط وإملاءات هذه المؤسسات، ونقطة تحول في تاريخ الأردن حيث سيشكل هذا الصندوق ” حكومة ظل صاحب ولاية” على كافة مناحي الحياة الاقتصادية وبالتالي الاجتماعية والسياسية، حيث للمرة الأولى في تاريخ الدول يتم تفويض السيادة الوطنية “لصندوق استثماري” يعمل على مبدأ الربح والخسارة، الخاص بالشركات وليس بالمجتمعات ( نرجو العودة إلى بيان المبادرة المنشور على هذه الصفحات تاريخ ).
• صندوق الإرهاب الاجتماعي:
يتمظهر الإرهاب الاجتماعي في الأردن في أنماط وأشكال مختلفة، حيث يتنوع من حروب الجامعات إلى حروب العشائر والجلوات، إلى حروب المخدرات، إلى حروب عصابات الشوارع والخاوات، وكل ذلك يجري أمام بصر المؤسسات الأمنية والقضائية، لا بل يتم الانحدار بسلوكيات هذه المؤسسات الأمنية ، والتي من المفترض أن تسهر على تطبيق القانون، لتخضع هي ذاتها للقوانين العشائرية، قائد فلاني ( لواء عقيد…الخ) على رأس جاهة لمضارب عشيرة فلانية، وانسحبت هذه الحالة على المناسبات الاجتماعية، دولة الرئيس الفلاني على رأس جاهه لطلب من الرئيس الفلاني من الجهة المقابلة، أليس هذا إرهاب اجتماعي مقنع.
يخدم الإرهاب الاجتماعي مشروع تفتيت المجتمع وتفكيك الدولة، عبر توظيف واستغلال البطالة والفقر والجوع، وعبر تنمية وتغذية منظومات المجاميع الماقبل رأسمالية، وهو المشروع المعلن من قبل المركز الرأسمالي العالمي، تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد/ الكبير القائم على خلق دويلات المجاميع الماقبل رأسمالية: العشائرية والمذهبية والطائفية والإثنية …الخ.
• صندوق الإرهاب الفكري:
الإرهاب الفكري هو الأخطر، كونه غير مباشر وغير مرئي لعامة الناس، هو الأخطر كونه يخدم قاعدة ارتكاز أساس من قواعد الهيمنة الأمريكية ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتكثيفها ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بداية تسعينات القرن الماضي، تحت عنوان ” صناعة القبول وثقافة القطيع” حيث يتم إرهاب كل من يحمل الفكر الإنساني النبيل، وكل من يحمل هموم الوطن، وكل من يحمل ثقافة الإنتاج والتحرر الوطني، وفي كافة الصعد الفكرية والثقافية والفنية، فيتم اعتماد سياسة تكميم الأفواه، واستخدام مجحف لقوانين الحكم العرفي ضد كافة الفئات الملتزمة من صحفيين وشعراء ومفكرين ومثقفين ملتزمين بهموم المجتمع، وخاصة هموم الشرائح الكادحة والمنتجة، حيث يخدم إرهاب هذه الفئات، تجريد المجتمع من جهاز المناعة، كما كان يحصل في عقود مرحلة المنع من العمل سابقاً، وبالتالي فسح المجال واسعاً أمام الفئات الطفيلية التابعة والمنفذة لمخططات المركز الرأسمالي المهيمن لتقوم بدورها في خلق الأوهام حول إمكانيات الخروج من الأزمة القائمة إما عبر الاندماج في السوق الرأسمالي العالمي الموحد أو عبر العودة الماضي السحيق، أي خلق حالة من الاستقطاب في صفوف المجتمع بين هذين النموذجين الوهميين وفقط.
الخروج من الأزمة الخانقة التي يعشها المجتمع الأردني والدولة الأردنية يمر عبر ممر إجباري عنوانه العودة إلى مشروع التحرر الوطني القائم على:
1. كسر التبعية للمركز الرأسمالي العالمي.
2. تحرير الإرادة الوطنية وعلى كافة الصعد
3. تحرير الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية
4. تحقيق التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات الوطنية
5. تحقيق وحدة الأمة العربية.
” كلكم للوطن والوطن لكم “
التعليقات مغلقة.