الانتقام “الإسرائيلي”.. والخيارات المتاحة / د.ليلى نقولا الرحباني

 

 

د.ليلى نقولا الرحباني ( لبنان ) الجمعة 6/2/2015 م …

 

إنه لبنان فقط، الذي شكّل – وما يزال – استثناءً في الصراع العربي مع “إسرائيل”؛ فمع استمرار المقاومة في الجنوب بعد توقيع اتفاق الطائف، وقدرة اللبنانيين على إجبار العدو على الانسحاب من أراضٍ عربية بالقوة لأول مرة من دون توقيع اتفاقية سلام أو استسلام، ودون تنازلات، كانت “إسرائيل” دائماً تضع نصب عينيها حاجتها لإخضاع اللبنانيين وإذلالهم عبر الحديد والنار، إلى أن كانت حرب تموز، ففرض اللبنانيون بدمائهم “معادلة الردع” المتقابل لأول مرة في تاريخ الصراع. أما الردع فهو يعني “محاولة طرف منع الطرف الآخر من القيام بعمل يرى فيه ضرراً له، أو على الأقل منعه من التفكير بالقيام بما يهدد له مصالحه أو مكانته”، ويرتكز على عنصرين حاسمين: الحرب النفسية، أي منع العدو من مجرد التفكير بالفعل، والثاني عسكري، وهو يرتكز على امتلاك القدرة على الردّ بالمثل، أو الانتقام وإيقاع الضرر.

منذ حرب تموز ولغاية مطلع عام 2015، ما انفك “الإسرائيليون” يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أي تثبيت الردع من جانب واحد؛ باستعادة الهيمنة والتفوق “الإسرائيلييْن”، إلى أن حصلت حادثة اغتيال قياديي حزب الله في القنيطرة، والرد الموجع الذي قام به “الحزب” في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.

لقد أرست تلك العملية وما تبعها معاييرَ جديدة في الصراع العربي – “الإسرائيلي”، مفادها ما يلي:

1-     إن انتقال المعادلة القائمة بين لبنان و”إسرائيل” من الردع بالتكافؤ، إلى الردع بالتفوق الكاسر للتوازن، يعني هذا لأول مرة أن الهيمنة “الإسرائيلية” على المنطقة باتت في خبر كان، وأن ردع “إسرائيل” عن العدوان على لبنان لن يكون فقط من خلال تهديدها بردٍّ مقابل، بل إن التفوُّق العسكري بات يعطي المقاومة قدرة على تهديد العدو بالذهاب إلى حرب وربحها، وتهديد “الكيان والأمن والاقتصاد الإسرائيلي”، كما صرّح السيد حسن نصرالله.

2-     إن شعار المرحلة المقبلة “وحدة الساحات والميادين” لا تعني فقط أن أي اعتداء على أي مكوّن من محور المقاومة سيُرَدّ عليه في أي زمان ومكان فحسب، بل يعني أن الانتصار أيضاً سيوظَّف في الساحات والميادين الأخرى، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن باستطاعة اللبنانيين والسوريين استثمار هذا الانتصار في المعركة الدائرة في سورية اليوم عسكرياً ودبلوماسياً، كما الإيرانيين في مفاوضاتهم الإقليمية والدولية، وقد يمتد إلى إراحة الروس في حربهم الجديدة مع الغرب، خصوصاً أن رد المقاومة والتراجع “الإسرائيلي” أتى في وقت متزامن مع انتصار اليسار اليوناني في الانتخابات، وقيامه بكسر الإجماع الأوروبي المطلوب لإعادة فرض العقوبات على روسيا.

3-     إن لجم “إسرائيل” بهذا المعنى، يعني التفرُّغ لقتال العدو التكفيري الذي يقاتل في الداخليْن اللبناني والسوري، فالصراع مع العدو “الإسرائيلي” يعني التخلص من أدواته التكفيرية التي تطرح شعارات “إسلاموية” للتغطية على عمالتها المفضوحة لـ”إسرائيل”، وكونها وكيل عن “إسرائيل” في هذا الصراع، وبهذا المعنى فإن الحرب التي يخوضها الجيش اللبناني مع الإرهابيين هي جزء لا يتجزأ من معادلة “جيش وشعب ومقاومة”، والتي أثبتت نجاعتها في قتال العدويْن التكفيري و”الإسرائيلي” معاً.

من هنا، فإن لبنان الذي كسر التوازن مع العدو “الإسرائيلي” وحقق التفوق، سيكون أمام رغبة “إسرائيلية” جامحة بالانتقام، وبما أن الانتقام المباشر بالحديد والنار غير متاح لـ”الإسرائيليين”، فماذا يمكن أن يكون في جعبة “الإسرائيلي”؟

أ- أن يكون الردّ على الإيرانيين بعرقلة الملف النووي، وهو أمر يدرك نتنياهو أنه صعب جداً، لحاجة الأميركيين إلى هذا التفاهم، أو عبر عملية عسكرية واسعة في سورية، وهو أمر لا يبدو أنه متاح للأدوات “الإسرائيلية” في سورية.

ب- أن يأتي الردّ العسكري بحرب على لبنان بعد انتهاء الانتخابات “الإسرائيلية”، وهذا أمر صعب، لأن الحرب دونها مخاطر كثيرة على “إسرائيل”، خصوصاً بعدم اليقين “الإسرائيلي” من الانتصار، في ظل تفوق المقاومة العسكري البرّي.

ج- أن يقوم العدو “الإسرائيلي” بتحريض أدواته الإرهابية التكفيرية لشنّ عمليات واسعة ضد الجيش اللبناني والمقاومة في لبنان، ومحاولة الوصول إلى القرى الشيعية أو المسيحية للانتقام والتفظيع، وهذا الخيار هو الأسهل بالنسبة لـ”الإسرائيليين”، حيث يتمّ استنزاف المقاومة بأدوات أخرى، وهو ما يجب أن يتحسب له اللبنانيون، فيعملوا على تحصين الجبهة الداخلية، وإمداد الجيش اللبناني بما يحتاجه من أسلحة وعتاد لجولة جديدة من المعارك قد تقترب كلما اقترب موعد الانتخابات “الإسرائيلية”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.