كتاب مفتوح الى دجالي الثورة السورية / عقيل الشيخ حسين

 

عقيل الشيخ حسين ( الخميس ) 16/6/2016 م …

بعد لحظة قصيرة من مقتل قائد تاريخي من قادة المقاومة العربية اللبنانية في سوريا على يد الجيش الصهيوني، أوجه هذا الكتاب المفتوح إلى مثقفي اليسار [الفرنسي] ومناضليه الذين أيدوا حركة التمرد في سوريا وظنوا –وهم يحلمون بسقوط دمشق- أنهم يدافعون عن القضية الفلسطينية.

في ربيع العام 2011، كنتم تقولون لنا بأن الثورات العربية تمثل أملاً غير مسبوق للشعوب الرازحة تحت نير طغاة دمويين. وفي غمرة فرح طاغ، استمعنا إليكم واقتنعنا بحججكم حول هذه الديموقراطية الناشئة بشكل إعجازي، كما استمعنا إلى ما كنتم تقولونه حول عالمية حقوق الإنسان.

وكدتم تنجحون في إقناعنا بأن هذا الاحتجاج الشعبي الذي أسقط الدكتاتوريات في تونس ومصر سيكنس الطغيان في كل مكان من العالم العربي، في ليبيا وفي سوريا، في اليمن وفي البحرين، وفي ما لا ندري من بلدان أخرى.

لكن بعض التصدعات لم تلبث أن ظهرت في هذا التحليق في الأحلام الجميلة. أول هذه التصدعات فغرت فاها واسعاً في ليبيا. فقد تحول قرار صدر عن الأمم المتحدة وتبناه مجلس الأمن بإغاثة السكان المدنيين، إلى بطاقة بيضاء للإطاحة عسكرياً برئيس دولة كان قد أصبح  عبئاً على شركائه الغربيين.

عملية تغيير النظام هذه شكلت واحدة من أسوأ لحظات العصر الاستعماري الجديد، وتم تنفيذها لحساب الولايات المتحدة من قبل دولتين عاجزتين عن توكيد نفسيهما كقوتين استعماريتين جديدتين… وأفضت إلى الكارثة التي ما زالت ليبيا البائسة تدفع ثمنها إلى اليوم. فقد جاء انهيار هذه الدولة الموحدة والحديثة العهد بالولادة ليضع البلاد في مهب الطموحات الجامحة عند فصائل وقبائل شجعتها بشكل مقصود ومتعمد المطامع النفطية عند الكواسر الغربيين.

ومع هذا، كان بينكم أناس طيبون منحوا أعذاراً تخفيفية لهذه العملية التي كان لا بد من أن تتبعها عمليات أخرى، وطالبوا بإنزال عقاب مماثل بالنظام في دمشق. بدا أن رياح الثورة التي بدأت تعصف في سوريا قد جاءت لتؤكد صحة تفسيركم  للأحداث ولتقدم تبريراُ لعدوانية التدخل”الإنساني” الذي تفجر بكل عتوه ضد طاغية طرابلس. مع هذا، وبعيداً عن وسائل الإعلام المهيمنة، قام بعض المحللين بلفت الانتباه إلى أن الشعب السوري كان أبعد ما يكون عن الإجماع، وأن التظاهرات المضادة للحكومة التي تخرج خصوصاً في مدن محددة هي عبارة عن قواعد تقليدية للمعارضين الإسلاميين، وأن الهيجان الاجتماعي عند الشرائح الفقيرة، لم يكن من شأنها أن تستدعي إسقاط النظام السوري.

لقد تجاهلتم هذه المؤشرات الوجيهة. وبما أن الوقائع لم تكن تتناسب مع طروحاتكم، فقد لجأتم إلى غربلتها على هواكم.

فحيث كان المراقبون غير المنحازين يرون استقطاباً للمجتمع السوري، شئتم أن تروا طاغية دموياً يقتل شعبه.

وحيث كانت النظرة المجردة عن الأهواء تسمح بتمييز نقاط الضعف ونقاط القوة أيضاً عند الدولة السورية، فضلتم الاستخدام التعسفي لخطاب أخلاقوي يدين حكومة كانت أبعد شيء عن أن تكون المسؤول الوحيد عن العنف.

لقد رأيتم التظاهرات العديدة المعادية لبشار الأسد، ولكنكم لم تروا التجمعات البشرية الهائلة التي خرجت في دمشق وحلب وطرطوس دعماً للحكومة وللإصلاحات.

لقد وضعتم إحصاءات مشؤومة بأعداد الضحايا الذين قتلوا على يد الحكومة، لكنكم نسيتم الضحايا الذين قتلتهم المعارضة المسلحة. كنتم تعتبرون أن هنالك ضحايا جيدون وضحايا سيئون، ضحايا يستحقون أن نتكلم عنهم وضحايا لا ينبغي أن نسمع أي كلام عنهم. وتعمدتم رؤية هؤلاء وتعاميتم عن رؤية أولئك.

وفي الوقت نفسه، انبرت هذه الحكومة الفرنسية التي تنتقدون سياستها الداخلية بكل طيبة خاطر، إلى تأييد وجهة نظركم على طول الخط. وللغرابة، جاءت روايتكم للمأساة السورية متطابقة مع السياسة الخارجية المعتمدة من قبل السيد فابيوس، تلك السياسة التي تشكل قمة في الخسة بقدر ما تجمع بين الدعم غير المشروط للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، وبين الاصطفاف التلقائي خلف القيادة الأميركية والعداوة المستعرة تجاه المقاومة العربية.

لكن لم يبد أنكم تنزعجون من إشهار زواجكم مع وزارة الخارجية الفرنسية. كنتم تدافعون تارة عن الفلسطينيين وتارة تتناولون طعام العشاء مع قتلتهم الإسرائيليين. كان يحدث لكم أن تصلوا حتى إلى حد مرافقة القادة الفرنسيين في زياراتهم الرسمية لإسرائيل.

وها أنتم تساقون متواطئين للمشاركة في مشاهدة رئيس يصرح بأنه “سيحب القادة الإسرائيليين على الدوام”. ولم يكفكم ذلك فضيحة، فعدتم إلى ركوب الطائرة مع الرئيس كسائر الركاب.

لقد أدنتم محقين التدخل العسكري الأميركي في العراق عام 2003. ونظرتم ببرود إلى فضيلة القوة في القصف الديموقراطي، مع شككم بالفضائل التربوية للقصف الجراحي. لكن استنكاركم لسياسة القتل والإجرام بصورتها المتفوقة تقنياً انكشف عن كونه انتقائياً إلى حد الغرابة. لأنكم، في العام 2013، أردتم بكل قوة وإلحاح لدمشق ما كنتم ترفضونه لبغداد قبل عشر سنوات. عقد من الزمن كان كافياً لأن يمنحكم مقداراً من الليونة جعلكم ترون أن خلاص الشعب السوري قد أصبح رهناً بمطر من الصواريخ البالستية المنهمرة على بلد لم يؤذكم بوجه ن الوجوه.

لقد تنكرتم لقناعاتكم في معاداة الإمبريالية وبمنتهى الحماس اعتمدتم أجندة واشنطن. ودونما خجل، لم تكتفوا بالتصفيق سلفاً لقاذفات ب- 52، بل جعلتم من أنفسكم أبواقاً للبروباغندا الأميركية الأكثر فجاجة والتي كان من المفترض أنكم اكتسبتم مناعة ضدها بفعل السابقة العراقية والأكاذيب الشهيرة للحقبة البوشية.

وفي حين كنتم تغرقون الصحافة الفرنسية بسيل من حماقاتكم، كان صحافي أميركي، محقق لا نظير له، هو من حطم الأكذوبة البائسة والهادفة إلى جعل بشار الأسد مسؤولاً عن هجوم كيميائي لم تتهمه به أية مرجعية دولية، بل نسبته المعاينات التي قام بها كل من “معهد التكنولوجيا في ماساشوستس” “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” إلى الطرف المقابل.

تجاهلتم الوقائع، بعد تزويرها بحسب الحاجة، وانخرطتم في هذه الجوقة البائسة العاملة في ترويج الضجيج الكاذب. وفعلتم ما هو أسوأ، وما زلتم تفعلون. ففي حين يلمح أوباما نفسه إلى أنه لا يعتقد [بأن الجيش السوري قد استخدم السلاح الكيميائي]، نراكم تعاندون وتعودون إلى هذه الترهات شأن كلاب الحراسة التي تنبح بعد أن يكون اللص قد أصبح خارج المرمى. ولماذا تفعلون ذلك ؟ لتبرروا القصف الذي تخضع له حكومتكم بالذات دولة صغيرة ذات سيادة كل جريمتها أنها ترفض أوامر الإمبرياليين. ولتوفروا دعماً لثورة سورية تعمدتم التغطية على وجهها الحقيقي بمنح المصداقية لخرافة معارضة ديموقراطية وعلمانية لا وجود لها خارج صالونات الفنادق الكبرى في الدوحة وباريس وأنقرة.

هذه “الثورة السورية” مجدتموها إذن، لكنكم أشحتم بوجوهكم حياءً أمام ممارساتها المافيوية، أمام إيديولوجيتها المذهبية وأشكال تمويلها المشبوهة. بعناية، تسترتم على الحقد الطائفي الذي يفوح منها، وعن هذه الكراهية المرضية تجاه الطوائف الأخرى، وهي الكراهية المستوحاة مباشرة من الوهابية التي تشكل ركنها الإيديولوجي المتين.

كنتم تعرفون أن النظام البعثي يشكل، بما هو علماني وغير طائفي، نوعاً من تأمين-على-الحياة للأقليات. لكنكم لم تأبهوا لذلك، ووصل بكم الأمر إلى حد توجيه الاتهام بـ “البلاهة” لكل من يدافع عن المسيحيين المضطهدين. وهذا ليس كل شيء. في وقت إجراء جردة بالحساب،  يبقى أن نسجل عليكم هذه الحقارة الكبرى : شهدتم بالمصداقية لسياسة لوران فابيوس الذي أعتبر أن جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، “تقوم بعمل جيد”.  وأسفاً على المارة المتحولة أجسادهم إلى أشلاء متناثرة في شوارع حمص، وعلى العلويين الذين يقتلهم الثوار في حي الزهراء. هؤلاء، بنظركم، لا أهمية لهم.

بين العام 2011 والعام 2016، نشهد تساقط الأقنعة. تقدمون أنفسكم تحت عنوان القانون الدولي، ولكنكم تصفقون لانتهاك القانون الدولي بالعدوان على دولة ذات سيادة. تدعون أنكم تريدون الديموقراطية للسوريين، ولكنكم أصبحتم مبشرين بالإرهاب الذي يكتوي بناره السوريون. تقولون بأنكم تدافعون عن الفلسطينيين، ولكنكم تقفون مع الإسرائيليين في معسكر واحد. لا تقلقواعندما يسقط صاروخ صهيوني على سوريا، فهو لن يصيب أصدقاءكم. بفضل إسرائيل، وبفضل الاستخبارات الأميركية، وبفضلكم، سيستمر هؤلاء الشجعان ببناء المستقبل المشرق لسوريا تحت شعارات التكفير. والصاروخ الصهيوني سيقتل، من جهته، واحداً من قادة المقاومة العربية التي خنتموها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.