“النطف المهربة” للأسرى الفلسطينيين … حلم أبوة تجاوز كل القضبان والحدود رغم قسوة السجان

"النطف المهربة".. حلم أبوة تجاوز كل القضبان والحدود رغم قسوة السجان

كتبت آية الملاحي …

تخطى “سفراء الحرية” كل الحواجز والحدود التي فرضها سجان الاحتلال على الأسرى الفلسطينيين، ليحملوا معالم آبائهم، وليرسموا ملامح من الحياة الموسومة بالحرية والفرح، بدأت بفكرة مستحيلة داخل سجون الاحتلال، وانتهت بحقيقة لا خيالاً في ظل ابتكار الأسرى لثورة إنسانية لتحقيق غريزة الأبوة.

بدأت فكرة تهريب النطف المهربة من داخل سجون الاحتلال للأسرى الفلسطينيين المتزوجين، وخاصة الذين أمضوا فترات طويلة، فقد حرموا من تكوين أسرة، بسبب سياسة الاحتلال العنصرية ومحكومياته العالية بحق الفلسطينيين.

وكان بداية نجاح تهريب النطف من داخل السجون الإسرائيلية، عام (2012)، فاستطاع الأسير الفلسطيني عمار زين الدين من جنين في الضفة الغربية، تهريب نطفة لزوجته تمكنت من خلالها، إنجاب طفلاً، وبعد ذلك سلك عشرات الأسرى هذا الطريق، وأنجبوا بنفس الطريقة، ليبلغ عدد الأطفال المولودين عن طريق النطف إلى (101) طفل حتى الثامن من كانون الأول / ديسمبر لعام 2021.

“أطفال النطف المهربة”

صرخة التؤامان “هاني” و”همام” ابنا الأسير ناهض حميد تخطوا كل الحواجز والحدود، فلا جدران سجن الاحتلال ولا قمع السجان حال دون أن يكون للأسير ناهض طفلان، فهو الأسير الثاني في قطاع غزة الذي أنجب عن طريق نطفة جرى تهريبها من السجن.

تقول رسمية حميد زوجة الأسير ناهض (31عاماً) في حديثها لـ”دنيا الوطن”: “تمت خطوبتي من الأسير ناهض حميد في عام 2018، وتم عقد قراني، وبعدها قمت بزيارته داخل سجون الاحتلال لمدة سنتين، إلا أنه حرمت من الزيارة بعد ذلك، فقد قررنا الإنجاب عن طريق النطفة المهربة، والحمد الله لقد أكرمني الله بتوأم يتمتعان بصحة جيدة، أسميتهما هاني وهمام، وأدعو بأن يتم الإفراج عن زوجي قريباً”.

وأضافت: “أن عملية التلقيح الصناعي في البداية لم تنجح، وواجهنا الكثير من الصعوبات، في المقابل لم نيأس وحاولنا مرة أخرى وبحمد الله حصل الحمل”.

وعبّرت رسمية عن فرحتها الكبيرة، إلا أنها وصفتها بالـمنقوصة، وذلك لوجود زوجها معتقل في الأسر، آملة أن تكتمل الفرحة بخروج زوجها.

ويشار إلى أن الأسير ناهض حميد، معتقل في السجون الإسرائيلية منذ 2007، حيث أصدرت السلطات الإسرائيلية بحقه حكما بالسجن 20 عاماً، قضى منها 15 عاماً.

ولم تقتصر الفرحة على أسرة ناهض، بل امتدت لأسر أخرى، حيث لجأ الأسير تامر الزعانين، الذي اعتُقل عام 2006، والذي حكم عليه بالسجن 12 عاماً داخل سجون الاحتلال، إلى تهريب النطفة عام2014، وذلك بعدما سمع بنجاح عملية التهريب لأول أسير فلسطيني، حيث أُفرِجَ عن الزعانين قبل عامين 2018، ليخرج ويشاهد النطفة التي هرّبها طفلا بلغ من العمر ستة أعوام.

وقال الزعانين في حديثه لـ”دنيا الوطن”: “إنه وبعد سنين من العمر وعن طريق النطفة المهربة، جاء لي “الحسن”، وهي فرحة لا توصف، حيث كنت أرغب دائماً داخل السجن أن أحضنه، إلا أنه في فترات كان السجان يرفض أن أراه، وبعد الإفراج عني تمكنت من احتضانه، وكان الحسن متقبل كثيراً أنني والده”.

وأضاف: “أن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكنه أن يكسر إرادة الأسير في سجون الاحتلال، وأن يمنعهم من الانجاب”، لافتاً إلى أن الدين الإسلامي حلل هذه الطريقة.

النطف المهربة تمثل تحدياً للأسرى

بدوره، قال قدري أبو بكر، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية: “إن النطف المهربة تعد تحدياً من قبل الأسرى، بأنه لا يوجد شي مستحيل وحتى على إجراءات سلطات الاحتلال”، مؤكداً أن قبل إتمام تهريب النطف كان لها ضوابط وتحذيرات، حيث أخذت من عدة جوانب منها الديني والقانوني والطبي، وكانت كلها سليمة.

وأضاف أبو بكر، في حديثه لـ “دنيا الوطن”: “أن الأسرى الفلسطينيين المحكوم عليهم بالمؤبدات، استطاعوا أن يتزوجوا وينجبوا أطفالهم داخل المعتقل، وهذا يعتبر انجاز”.

وتابع رئيس هيئة شؤون الأسرى: “أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بمنع النطف إذا علم بها، إلا أنها تهرب بشكل سري دون علم إدارة سجون الاحتلال”، منوهاً أن فكرة تهريب النطف المهربة كانت من الأسرى داخل سجون الاحتلال قبل عدة سنوات، حيث تم تجريبها ونجحت ثم تم تكرارها من قبل الأسرى.

إبداعاً فريداً

من جهته، أكد رأفت حمدونة، الأسير المحرر ومدير مركز الأسرى للدراسات، في حديثه لـ”دنيا الوطن”، أن هناك الكثير من الإبداعات الفلسطينية في السجون الإسرائيلية، حيث شاركت هذه الإبداعات بثورات وحركات تحرر عالمية.

وفيما يتعلق بالنطف المهربة، أشار حمدونة إلى أن الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة هي الوحيدة من حركات التحرر العالمية التي تميزت بهذا الإبداع، لافتاً إلى أنه لا يوجد في التاريخ البشرية والإنسانية من ابتدع هذه الطريقة في السجون، وتعد من إبداعات الحركة الوطنية الأسيرة وأحد جوانبها المهمة.

وقال حمدونة: “إن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تمنع الأسير الفلسطيني من الإنجاب، والإنجاب حق طبيعي وغريزة إنسانية، وموجودة في كل السجون والمعتقلات في الدول العربية والأجنبية وحتى في داخل دولة الاحتلال، لكن التميز الموجود من إدارة مصلحة السجون والحكومات الإسرائيلية المتعاقدة حرمت الأسير من هذا الحق”، مؤكدً أنه من حق الأسرى أن يتبدعوا طرق للإنجاب.

أصل الفكرة

وأضاف مدير مركز الأسرى للدراسات: “أن إحدى الطرق التي لجاْ إليها الأسرى للإنجاب، هي وجود غرفة يمكن أن ينجب من خلالها الأسرى، إلا أنه كان هناك تحفظات من قبل الأسرى في هذه الموضوع، وذلك بحكم الوضع الأمني من استثمار واستغلال دولة الاحتلال لهذا الأمر”.

وتابع مدير مركز الأسرى: “أن بعد ذلك بدأ التفكير بتهريب النطف عن طريق الأنابيب، وهذه الأنبوبة تأخذ من المستشفى فهي حافظة للحيوانات المنوية، لكي تبقي حي وتصل إلى مراكز الطبية والصحية”.

التحديات

وأشار حمدونة إلى أنه هناك عدة إشكاليات عن هذه الموضوع، وذلك من الناحية الدينية والاجتماعية والطبية، مبيناً أن الأسرى استفسروا عن هذه الأسئلة، أولها الجانب الشرعي فقد حلل الشرع وأجازها وفق شروط معينة، أما من الناحية الطبية حول استطاعة أن تعيش الحيوان المنوي هذه الساعات منذ الزيارة حتى وصول الأهالي إلى المراكز الطبية، وتم الإجابة عليها بأنه بالفعل كان بالإمكانية أن يعيش الحيوان المنوي لهذه الفترة الزمنية.

أما الجانب الاجتماعي، كان بحاجة إلى الكثير من الجهد، إلا أن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وأعضاء المجلس التشريعي، ووسائل الإعلام المختلفة، وذلك بإيعاز من الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة على أن يعملوا إعلامياً واجتماعياً من أجل قبول هذا الأمر، وإمكانية تقبل المجتمع له.

وذكر مدير مركز الأسرى للدراسات، أن أول ولادة كانت بحضور شخصيات كبير من المجتمع الفلسطيني، على رأسها وزير الأسرى السابق عيسى قراقع، وأعضاء من المجلس التشريعي وشخصيات من القيادات والقوى الوطنية الإسلامية والمعنية بقضية الأسرى، كما كانت هناك تغطية إعلامية كاملة لهذا الأمر، وذلك ليبقى تحت رعاية السلطة وأن يكون هناك غطاء اجتماعي.

وأكد حمدونة أن المجتمع الفلسطيني تقبل سفراء الحرية بهذه الطريقة، قائلاً: “لا عجب أن تحمل زوجة الأسير بواسطة الأنابيب أو النطف المهربة من السجن للخارج، حيث حلت هذه القضية، فاليوم نشهد العدد (101) من سفراء الأسرى، والتي كان أخرها قبل عدة أيام للأسير ناهض حميد”.

وأضاف: “أن إدارة السجون حاولت أن تمنع طفل الأنابيب وعدم الاعتراف بشرعيته للأسير، أي عندما كان يأتي الأسير واسمه موجود على اسم الأسير بشهاد ميلاد كانت لا تعترف به إدارة السجن في البداية، وكانت تقول بأن الأسير ليس له أطفال إلا كذا وكذا، وبالتالي منعتهم لفترة من الزمن”.

وتابع: “بعد ذلك قام الأسرى برفع القضايا، وتم كسب قضية الأبوة بهذه الطريقة واستطاع الأسرى والأطفال أن يلتقوا من خلال الزيارات”، لافتاً إلى أن ما قبل منع الزيارات زارة عدد من الأطفال الأسرى في داخل السجون بصفة رسمية على أنهم ابن وأب، لكن هذا بعد مشوار من المحاكم والقضايا وحقوق الأنسان.

من الناحية الطبية

بدوره، أكد الدكتور ماهر عجور، مدير مركز زينة الحياة للإخصاب بغزة، أن أي عينة تستخدم في عملية زراعتها لها أكثر من شرط، من ضمنها البيئة ودرجة الحرارة.

وقال عجور في حديثه لـ”دنيا الوطن” : “إن النطف المهربة بغض النظر عن الظروف البيئية، فإن تضاف عليها مواد، تعطي فرصة للحيوانات المنوية لتحافظ على حيويتها لفترة أطول من أن تكون بدون إضافة مواد”.

وأضاف: “أن النطف المهربة تعتمد على طبيعية الحيوان المنوي، بمعنى إذا كانت عينة السائل منوي طبيعي دون أي مشاكل عند الرجل تكون الفرصة أكبر لبقائها، حيث أن الحيوانات المنوي ممكن أن تبقي لعدة ساعات خارج الجسم”.

وتابع مدير مركز زينة الحياة للإخصاب: “مثل هذه العينات عادة تكون مباشرة تضاف هذه المادة، حيث يتم تجميدها في المراكز بطريقة معينة، ويمكن الاحتفاظ بالحيوانات المنوي مدة لا تقل عن عشر سنوات، وبعد ذلك يكون الإجراءات التحضيرية مع الزوجة من خلال التحضيرات للعلاج الهرمونية، وتخضع لعملية الزراعة”.

وأشار عجور إلى أن عينة النطف المهربة لا تختلف عن أي عينة طبيعية، حيث أن عملية التجميد هي عبارة عن تقنية بطريقة معينة لا تأثر على الحيوية، أو تسبب في وجود تشوهات، مبيناً أنه لا بد أن تكون العينة بعد خروجها في ظروف معينة وتضاف المادة التي تأخذ من المختبرات ثم يتم تجميدها.

الحكم الديني

من جانبه، قال ماهر السوسي، عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية: “إن الإسلام دائماً يراعى فطرة الإنسان، والإنسان بطبعه يحب أن يمدد أثره حتى بعد وفاته، وأثر الإنسان بعد وفاته يمدد بنسله، وبالتالي كل إنسان يحب أن يكون له نسل يحمل اسمه بعد أن يترك هذه الدنيا ويغادر”.

وأضاف السوسي في حديثه لـ”دنيا الوطن”: “أن النسل هو حق للإنسان، حيث منح لكل الأفراد سواء كانوا أحراراً أو كانوا أسرى، فالإسلام لم يفرق في هذا الحق بين الأسير وما بين غيره من الناس الآخرين”.

وأكد أن مسألة تهريب النطف من السجون تكون مشروعة، إذا توفرت فيها الشروط، أولها هي أن تهريب هذا النطف وعدم إبدالها بنطف أخرى، بمعنى أن هذه النطف إذا أريد إخراجها من السجن، أولاً يجب أن تخرج مع أناس ثقات أي مأمونين بعدم تبدليهم لهذه النطف، وكذلك نأمن عدم تبديل الإسرائيليين أيضاً لهذه النطف إلى مواقع تحت أيديهم.

الشرط الثاني أن هذه النطف إذا وصلت إلى زوجة الأسير، فإنه يجب أن تزرع في رحمها حالة حياة الأسير نفسه، بمعنى أن هذه النطف لو تم تهريبها ثم توفى الأسير قبل أن تصل إلى زوجته فلا يجوز التعامل معها ويجب إعدامها على الفور.

أما الشرط الثالث، إذا وصلت هذه النطف إلى أهل الأسير ينبغي أيضاً قبل زراعتها إعلام المحيطين بزوجته أنه قد وصلتها نطفاً من زوجها الأسير، وأنها تريد أن تزرع هذه النطف في رحمها، وذلك من أجل الحفاظ على سمعتها، فالأصل أن يروج الأمر قبل أن تزرع هذه النطف في رحمها حتى يعلم الناس من أين جاء هذه الحمل.

وأوضح عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية بأنه إذا كان هناك نطف زائدة بعد الزراعة يمكن الاحتفاظ فيها لأنه يجوز ذلك، لكن لا يعاد زرعها في رحم زوجته إلا بنفس الشروط التي ذكرت، وأهمها أن تكون الزوجية موجودة أي لازالت قائمة، وأن يكون الزوج على قيد الحياة، وبالتالي هذه هي الشروط إن توفرت فأنه بإمكاننا أن نقول بمشروعية هذا العمل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.