عمان تتوعّد «داعش»: العالم سيسمع ردَّنا … ما الذي ينتظر الأردن بعد إعدام الريشاوي والكربولي / رانية الجعبري
رانية الجعبري ( الأردن ) الجمعة 6/2/2015 م …
النبرة الهادئة الرزينة لوالد معاذ الكساسبة، وهو يقف في وسط بيت العزاء مستقبلاً «المهنئين» باستشهاد ابنه، وأسلوب عزائه المتزن للأردنيين بوفاة «ابنهم معاذ»، كما وصفه الأب، لا تختصر مشاعر الأردنيين. فالغضب والمشاعر المندفعة التي لا هدف لها إلا الغضب، تغمر الشارع الأردني منذ إعلان خبر حرق الطيار الأردني.
والمطالبة بإعدام ساجدة الريشاوي وباقي المنتمين إلى «التيار السلفي الجهادي» في السجون الأردنية، سبقت حتى التسريبات عن نية الدولة الأردنية القيام بذلك، وما يدعو إلى القلق أكثر هو الانجراف الشعبي والرسمي وترديد شعار «إنها حربنا».
وبالفعل، تم تنفيذ عقوبة الإعدام بحق كل من ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي، وهما عراقيان حكم عليهما بالإعدام قبل سنوات إذ أدينا بعضوية «تنظيم القاعدة في العراق» وتنفيذ عمليات إرهابية في الأردن ضد مدنيين.
فما هي ردة الفعل المحتملة من تنظيم «داعش» على عملية الإعدام هذه؟
بداية، لا يعتبر الخبير العسكري اللواء المتقاعد الدكتور فايز الدويري في حديثه إلى «السفير» أن عملية الإعدام هي ردّ فعل، ويشرح أن «كلاً من الريشاوي والكربولي محكومان من حيث الأصل بالإعدام، والأحكام صادرة بحقهما منذ زمن، والأردن قام بتعليق حكم تنفيذ الإعدام منذ العام 2006، وتمت العودة إليه قبل شهر ونصف الشهر من خلال إعدام 11 شخصاً بجرائم جنائية».
واعتبر الدويري أن ما جرى هو «عملية تسريع لتنفيذ العقوبة، وأن مسألة إعدام الريشاوي والكربولي بعد العودة إلى تنفيذ أحكام الاعدام في الأردن إنما هي مسألة وقت لا أكثر».
وبعد إعلان اغتيال معاذ الكساسبة والحديث عن نقل «تكفيريين» بينهم الريشاوي والكربولي إلى سجن سواقة استعداداً لتنفيذ حكم الإعدام بحقهم، كتب المحلل السياسي إبراهيم علوش على صفحته على «فايسبوك» أن «الحديث عن الثأر لمعاذ بإعدام ستة من التكفيريين في السجون الأردنية خلال ساعات، يعني سياسياً فتح معركة أو نقلها إلى الأردن».
لكن الخبير والمتخصص بالجماعات الإسلامية حسن أبو هنية استبعد ذلك أثناء حديثه إلى «السفير»، معتبراً أن «تنظيم داعش لن يقوم برد فعل في الوقت الحالي، فهو وإن كان لديه أهداف داخل الأردن، إلا أن التنظيم مشغول بجبهات واسعة وعديدة، مبيناً أن التنظيم لديه مفكّرون استراتيجيون يديرون أموره».
ويذكر الدويري أن الأردن لم يصبح أولوية لدى «داعش» منذ لحظة إعدام الريشاوي والكربولي. بل منذ اليوم الأول لقبوله الانضمام إلى قوات «التحالف الدولي» كان الأردن، وفق الدويري، في سلم أولويات «داعش». وقبل انضمامه للتنظيم كان تقريباً رقم 5 والآن أصبح رقم 2، وثمة قدرات كامنة للتنظيم في الأردن من خلال الخلايا النائمة، أو من خلال عمليات تسلل من الحدود العراقية والسورية. وبرغم أن الأجهزة الأمنية ترفع من جاهزيتها، إلا أن الدويري يرى أن هذه الخروق الأمنية قد تحدث في أي دولة.
في هذا السياق، توعّد الملك الأردني عبد الله الثاني تنظيم «داعش» خلال اجتماع مع كبار القادة العسكريين في الجيش «بردّ قاس»، مؤكداً أن دم الطيار الأردني «لن يضيع هدراً».
ونقل بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني، عن الملك عبد الله قوله إن «دم الشهيد البطل الطيار معاذ الكساسبة، رحمه الله، لن يذهب هدراً، وإن رد الأردن وجيشه العربي المصطفوي على ما تعرض له ابنه الغالي من عمل إجرامي وجبان سيكون قاسياً، لأن هذا التنظيم الإرهابي لا يحاربنا فقط، بل يحارب الإسلام الحنيف وقيمه السمحة».
وأضاف «أننا نخوض هذه الحرب لحماية عقيدتنا وقيمنا ومبادئنا الإنسانية، وأن حربنا لأجلها ستكون بلا هوادة، وسنكون بالمرصاد لزمرة المجرمين ونضربهم في عقر دارهم».
وأشاد الملك بـ «موقف المجتمع الدولي الداعم والمساند للأردن في التعامل مع هذا الخطر، ودوره في الحرب الدائرة ضد الإرهاب، التي هي حرب العالم العربي والإسلامي أجمع».
وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني أمس، أن الأردن سيكثف جهوده مع «التحالف الدولي»، مضيفاً أن «أعضاء التحالف سيبذلون جهداً جماعياً لتكثيف الجهود لوقف التطرّف والإرهاب ولتقويض التنظيم والقضاء عليه في نهاية الأمر».
وأشار المومني إلى أن كل أجهزة الأردن العسكرية والأمنية تبحث خياراتها، مؤكداً أن «الأردن سيردّ رداً يسمعه العالم كله ولكن هذا الرد على المستويين الأمني والعسكري سيُعلن في الوقت المناسب».
ويظهر من خلال متابعة غضب الشارع الأردني، الذي عمّ مدينة الكرك مسقط رأس الطيار الكساسبة، والجامعات وقصر العدل والنقابات والأحزاب، أنه انصبّ لاستنكار ورفض ما جرى للطيار، من دون المطالبة بخطط واضحة لحصار فكر تنظيم «داعش» في الداخل الأردني.
واكتفى حزب «جبهة العمل الإسلامي» بإدانة الجريمة التي ارتكبت والتي وصفها بـ «البشعة والنكراء»، مبيناً أنها «تتنافى مع مبادئ الدين الحنيف والشريعة الغرّاء وتتعارض مع حقوق الأسير في هذا الدين واحترام كرامة الإنسان».
واستخدم القيادي في «التيار السلفي الجهادي» محمد الشلبي «أبو سياف» عبارات لا تجافي ولا تختلف عن العبارات السابقة، واصفاً طريقة الإعدام بـ «الوحشية»، وأنها «لا تمتّ إلى الإسلام بصلة».
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل اتّهم أبو سياف، في تصريحات له إلى قناة «الجزيرة»، قدماء ضباط «حزب البعث» المنخرطين في التنظيم، لكونهم «اعتادوا التعامل سابقاً مع الناس بهذه الطريقة»، مستبعداً أن تكون الطريقة الهمجية التي أُعدم بها الكساسبة مقنعة لكثير من شرعيي «داعش».
وفي خلاصة الشعارات التي أطلقها شباب الجامعة الأردنية في تجمع لهم داخل حرم الجامعة، قالوا «إنها حربنا»، وهي العبارة التي ردّدها مسؤولون لحظة إعلان اغتيال الكساسبة على التلفزيون الأردني.
ويستثنى مما سبق، ما ورد في بيان لـ «حزب الوحدة الشعبية الديموقراطي» الأردني، إذ دعا الحزب فيه إلى إعادة النظر بالمشاركة الرسمية الأردنية بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المطالبة بمواجهة الإرهاب والخطاب التكفيري الذي وصفه البيان بأنه «يغيّب العقول ويقود إلى التطرف والإجرام والقتل».
وما دون ذلك، فإن الطريق التي تنتظر البلد تبقى ملبّدة بالغضب والرغبة بالثأر.
التعليقات مغلقة.