الآثار الاقتصادية الكلية للفساد / د. عادل عامر

د. عادل عامر ( مصر ) – الثلاثاء 21/12/2021 م …  




للفساد آثار اقتصادية كثيرة ، سواء على المستوى الكلي أو الجزئي وفي هذا المطلب سيكون التركيز على أهم هذه الآثار الكلية ، والتي تتمثل في أثره على النمو الاقتصادي ، وعلى القطاع الضريبي ، هذا إلى جانب أثر الفساد على الإنفاق الحكومي ، وعلى سوق الصرف الأجنبي وعلى سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار ، وهذا ما يمكن بيانه على النحو التالي :-  

أولاً : أثر الفساد على النمو الاقتصادي.  

ثانياً : أثر الفساد على القطاع الضريبي .  

ثالثاً : أثر الفساد على الإنفاق الحكومي .  

رابعاً : أثر الفساد على سوق الصرف الأجنبي .  

خامساً : أثر الفساد على سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.  

أولاً : أثر الفساد على النمو الاقتصادي:  

طبقاً للنظرية الاقتصادية التقليدية فإن الفساد يعوق النمو الاقتصادي من خلال استخلاص الريع ” الاستئثار بالفائض الاقتصادي ” مما يؤثر سلباً على هذا النمو سواء بالنسبة لمنظمي المشروعات المحلية أو الأجنبية وهذا ما أثبتته الدراسة المقطعية التي تشير إلى وجود علاقة عكسية بين الفساد والاستثمار Ades  and Die Tella 1996 يكون له آثاراً سلبية على النمو الاقتصادي.    

ليس هذا فحسب وإنما الفساد يثبط أيضاً الاستثمار الأجنبي ويخفض الموارد المتاحة للهياكل الأساسية للعملية الإنتاجية والخدمات العامة وبرامج محاربة الفقر كما يقرر ( ( Johnston , 1997 إعاقة الفساد للمؤسسات السياسية من خلال إضعاف شرعيتها وإمكانية محاسبة الحكومات .  

وباختصار فالفساد هو المعوق الأول للتنمية المستدامة ومعوق أول لتخفيض الفقر والأداء الحكومي الجيد     ( Ades and Die Tella 1996)  

والفساد لا يؤثر على الناس الفقراء بطريقة مباشرة تماماً من خلال سوء تخفيض الموارد العامة ( ولاسيما المستمدة من المساعدات الخارجية ) والذي يمارسه المسئولون المحليون الفاسدون ، ولكن يبقى البلاد الفقيرة فقيرة ويعوقها من أن تصبح غنية .  

ولهذه الأسباب فإن ما نحى المساعدات يركزون بدرجة متزايدة على الفساد وأثره على التنمية ويدركون الحاجة إلى ابتكار برامج لمساعدة الحكومات في القضاء على الفساد     (World  Bank , 1997a)  

وهناك من يرى عكس ذلك فالفساد في نظرهم يحسن الرفاهية الاقتصادية ويحسن الكفاءة الاقتصادية من خلال التغلب على العقبات البيروقراطية المختلفة .   ( Rose Ackerman 1978). وفي بعض التحليلات ( على خلاف النظرية التقليدية ) هناك رأي يقرر أن الفساد يمكن فعلاًَ أن يدفع النمو الاقتصادي ” أو على الأقل لا يعيقه ) من خلال تسهيل الاستثمار الداخلي أو تحقيق ريع مرتفع من خلال المعاملة الضريبية . ومن الشواهد على ذلك تجربة  جنوب شرق آسيا والتي أثبتت أن كثافة الفساد لا يعني بالضرورة وجود علاقة عكسية بين الفساد والنمو الاقتصادي . ومن ناحية أخرى فإن الدليل المقارن حديثاً المبنى على الدراسات المقطعية يشير إلى علاقة عكسية بين الفساد والاستثمار مما يكون له آثاراً سلبية على النمو الاقتصادي   Ades  and Die Tella 1996  

وهكذا يمكن القول بأن أغلب الدراسات الحديثة أثبتت وجود علاقة عكسية بين الفساد والنمو الاقتصادي ، وأن هذه العلاقة ليست حتمية في كل الأوقات ، فقد يوجد الفساد ولكنه لا يكون عائقاً للنمو الاقتصادي كما في تجربة جنوب شرق آسيا .  

ثانياً : أثر الفساد على القطاع الضريبي:  

يترتب على الفساد في مجال القطاع الضريبي أثاراً خطيرة ، يمكن أن نشير إلى بعضها :  

1) عندما يكون هناك فساد في القطاع الضريبي فإن هذا يدفع البعض إلى تقديم إقرارات ضريبية تظهر وعاءاً ضريبياً غير حقيقي لهؤلاء الأفراد وبهذه الطريقة يتمكنون وبطريقة زائفة من إظهار مقدرة منخفضة مقارنة بمقدرتهم الحقيقية ، في حين لا يستطيع الممولون الأمناء من تخفيض هذه المقدرة بنفس الطريقة ، فإذا عومل الإثنان وهو من يقدم إقرارات صحيحة ذات مقدرة حقيقية على الدفع ، ومن يقدم إقرارات مزيفة لا تعكس مقدرته الحقيقية على الدفع ، معاملة ضريبية واحدة فإن هذا يعني إخلال الفساد بمبدأ العدالة الأفقية ، التي تقوم على أساس معاملة ضريبية متماثلة للأفراد ذوي القدرة المتساوية على الدفع . ومن جانب آخر فإن هذا يعد إخلالاً بمبدأ العدالة الرأسية التي تقتضي معاملة ضريبية مختلفة للأفراد ذوي القدرة المختلفة على الدفع . مما يترتب عليه في النهاية إخلال الفساد بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الأعباء العامة .  

2) يترتب على الممارسات الفسادية في القطاع الضريبي مقدرة زائفة على الدفع للأفراد المنهمكين في الممارسات الفسادية ، مما ينجم عن هذه الممارسات وانتشارها على نطاق واسع انخفاض زائف في الطاقة الضريبية للمجتمع ككل . (كوفمان وآخرون 1998، ص 7 – 9 )  

فإذا كان صانع السياسة المالية سيضع حجم الإيرادات الحكومية ، ويخطط الحجم الإنفاق الحكومي على أساس الطاقة الضريبية الزائفة ، فإن السياسة الاقتصادية لن تستطيع تحقيق ما ينشده المجتمع من أهداف مختلفة، سواء ما يتعلق منها بتحقيق النمو الاقتصادي ، أو تمويل الإنفاق العام ، أو تمويل الخدمات الاجتماعية العامة أو الجديرة بالإشباع التي لم يتم إشباعها بالقدر المرغوب اجتماعياًٍ. وأمام هذا الوضع تجد الدولة نفسها مضطرة إلى التخلي عن بعض الأهداف التي وعدت المجتمع بإشباعها له .  

ثالثاً : أثر الفساد على الإنفاق الحكومي:  

يترتب على الفساد الممتد وانتشاره في القطاع الحكومي آثار على تخصيص النفقات العامة ، مما يؤدي إلى تحقيق أدنى نفع ممكن من هذا الإنفاق وليس أقصى نفع ممكن منه . وعليه يترتب على شيوع الفساد وانتشاره في مجتمع ما ، سوء تخصيص لموارد هذا المجتمع العامة ،لأنها سوف تتجه صوب أوجه الإنفاق التي لا تحظى بأولوية الإنفاق العام من وجهة نظر المجتمع . ومن ثم ستحظى الأنشطة المظهرية كالأنشطة الرياضية والأندية ووسائل الإعلام ونحو ذلك بإنفاق سخي وفي مقابل ذلك سيتم إغفال الكثير من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية الهامة ، أو يكون الإنفاق عليها ليس بالدرجة الكافية ، كالإنفاق على القطاع الزراعي والصناعي ، أو الإنفاق على تحسين مستوى المناطق النائية .  

كما أن تنفيذ المشروعات العامة والمناقصات ستتميز بدرجة عالية من التميز وعليه سيتم استيراد المواد الخام ومواد البناء والآلات ونموها ، من بلاد أجنبية معينة ، في حين قد لا تكون هذه السلع المستوردة من هذه البلاد جيدة أو رخيصة مقارنة بغيرها من المصادر المتاحة .  

كما أن المناقصات والمشروعات الهامة سترسو على شركات معينة مملوكة لأصحاب النفوذ والجاه في المجتمع ( مورو 1998، ص12). فهناك الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تؤرق المخططين وصانعي السياسة الاقتصادية في الدول المختلفة . ومن هذه المشاكل الفساد الاقتصادي، والذي تعاني منه جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ، وإن اختلف حجمه وآثاره ، تبعاً لاختلاف التركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة . والمتتبع لهذا الداء يقر بوجوده في كل زمان ومكان ، إلا أنه اتسع نطاقه في السنوات الأخيرة خصوصاً في الدول النامية   1)   حاجة هذا الموضوع لمزيد من التأصيل والبحث خاصة في الجانب الإسلامي، والذي لم تركز عليه أغلب الدراسات الموجودة .  

2)        خطورة أثار الفساد الاقتصادية وتبعاته ، ذلك أن انتشار هذا الداء واستشرائه في أمة من الأمم يعنى تدهور اقتصادياتها ، ليس هذا فحسب بل وتقويضها سياسياً وما يتبع ذلك من فوضى ومفاسد لا تحمد عقباها، وهذا ما أثبته الواقع المعاصر ، فما حدث للرئيس النيجيري شيهوشاغارى عام 1983م، من انقلاب عسكري أطاح به وبحكومته المدنية ،كان بسبب الفساد الكبير الذي انتشر وأتسع نطاقه في عهده . كما أدى الفساد أيضاً إلى سقوط نظام الحكم في الفلبين عام 1986م (كيتجارد ص 19

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.