لهذا السر تراجع أردوغان عن تهديداته بمواصة الحرب على سورية / د. خيام الزعبي

 

د. خيام الزعبي ( سورية ) السبت 18/6/2016 م …

بعد أكثر من خمس سنوات من تبني الرئيس التركي أردوغان سياسة متشددة، وصلت الى درجة الإصرار على رحيل الرئيس الأسد في إي تسوية سياسية، وترجيح الحل العسكري لاسقاط النظام السوري، لكن اليوم لم يفاجئنا الرئيس اردوغان الذي احتضن المعارضة السورية المسلحة، وساهم بصعود قوة التيارات الإسلامية المتشددة وحرض بعض الأوساط الدينية على الإنخراط في صفوف الجهاد، وجماعاته في سورية وسهل مرور الأموال والاسلحة والمقاتلين اليها، بالتراجع عن موقفه في سورية، الأمر الذي  شكل صدمة كبيرة لحلفاء تركيا من المعارضة المسلحة، التي تتخذ من أنقرة قاعدة لإنطلاقها.

جهود تركيا في منع قيام منطقة للأكراد ذات حكم ذاتي في شمال سورية أدت إلى التخفيف من حدة مطالبتها برحيل الرئيس الأسد فوراً،  بينما تسعى لإصلاح سياستها الخارجية التي زادت من عزلتها في الداخل والخارج،  بعد أن أصبحت عبئاً كبيراً على التحالف الأمريكي، حتى أن البرلمان الألماني قد صوت لصالح الإعتراف بالمذبحة التي ارتكبها الأتراك ضد الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وهي إشارة لمدى اتساع الفجوة بين تركيا وأوروبا، التي أصبحت ترى في أردوغان شخصاً مثيرا للمتاعب، وتحمله وزر إغراق أوروبا بالمهاجرين.

في عهد رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو كانت أنقرة تصر على رحيل الأسد بإعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار لسورية وهو ما أثار خلافاً بينها وبين روسيا حليفة الرئيس السوري، وقد تحقق أسوأ كوابيس تركيا من خلال الدعم الروسي للرئيس الأسد واستفادة مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية من الدعم الأمريكي وهو ما عزز موقفهم في أراض متاخمة للحدود التركية.

ومن أسباب تحركها بشأن دمشق إدراكها أن رحيل الأسد يمكن أن يفيد وحدات حماية الشعب الكردية من خلال تعزيز سيطرتها على أراض في شمال سورية، بالإضافة الى تراجع أمريكا خطوة الى الوراء بشأن الأزمة السورية بقبولها التباحث مع الأطراف المعنية لا سيما روسيا وإيران حول الأزمة السورية دون طلب تنحي الرئيس الأسد كشرط مسبق لتسوية هذه الأزمة، وجاء التراجع الأمريكي هذا بعد تعزيز روسيا لقوتها العسكرية في سورية الكامل مع إيران لحل الأزمة السورية سلمياً وعبر الطرق الدبلوماسية دون الرضوخ لمطالب الغرب،  بالإضافة الى عجزها عن اسقاط نظام الأسد وصمود الجيش السوري وشعبه، علاوة على الدعم الروسي الايراني غير المحدود، خشيتها من الدخول في نزاع مسلح مع روسيا وإيران وحزب الله.

كا ذلك لا يترك لتركيا سوى خيارات قليلة هي استئناف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني وهو ما تستبعده الحكومة حتى الآن ، وبالتالي فإن تبني موقف أقل حدة مع الرئيس الأسد يساعد في تحسين العلاقات مع روسيا التي توترت بشدة منذ أن أسقطت تركيا مقاتلة روسية قرب الحدود السورية في نوفمبر الماضي، وكبد النزاع تركيا خسائر بمليارات الدولارات بسبب عوائد السياحة التي فقدتها والعقوبات التجارية.

رغم اتخاذ موسكو لهجة وخطوات تصعيدية تجاه تركيا إلا أنها لا تزال تحمل في جعبتها بعض أوراق الضغط ضد تركيا التي لم تلعب عليها بعد، وهو ما تعلمه أنقرة جيداً وتسعى إلى تجنب الوصول إلى مرحلة اللعب على هذه الأوراق، وأهمها: إيقاف عقود الشركات الروسية بشأن محطات الطاقة النووية المزمع إنشاؤها جنوب غرب تركيا، تخوف تركيا من تكثيف روسيا دعمها لحزب العمال الكردستاني في معركته ضد أنقرة والذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون على أنه منظمة إرهابية، بالإضافة الى تقديمها أسلحة متطورة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، والذي يهدف إلى تحقيق الحلم الكردي من خلال السيطرة على ممر جرابلس- أعزاز وربط كانتون عفرين بمناطق شمال شرق سورية، وإنشاء منطقة ذات حكم ذاتي للأكراد، وهو ما ترفضه السلطات التركية تمامًا وتعتبره تهديداً لأمنها القومي.

في هذا السياق بعث الرئيس أردوغان برسالة إلى نظيره الروسي بوتين هنأ فيها الشعب الروسي “بيوم روسيا”، وأعرب الرئيس التركي في الرسالة عن أمله في أن تعود العلاقات بين موسكو وأنقرة إلى طبيعتها وترتقي إلى المستوى اللائق في القريب العاجل بما يلبي المصالح المشتركة للشعبين، كما حاولت تركيا مراراً إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي وأعلن الرئيس الروسي أن روسيا تود استئناف العلاقات مع تركيا وتنتظر خطوات محددة من قبل أنقرة في هذا الاتجاه، لكنه أشار إلى أن  أنقرة لم تقدم بعد على هكذا خطوات.

هنا يمكنني القول إن الدلالات و التوقعات تشير الى أن يتوجه الرئيس أردوغان او رئيس وزرائه الى دمشق، ومن تابع تصريحات وتهديدات الرئيس اردوغان في بداية الأزمة السورية لا يمكن ان يتوقع تراجع نبرته تجاه سورية في هذه الفترة، لذلك يبدو ان تركيا اقتنعت أخيراً، على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية دون التهديد باستخدام القوة ضد الشعب السوري، لذلك ظن الغرب إن السوريين غير قادرين على طرد وسحق تنظيمهم الإرهابي الذي جاؤوا به، والكل يعلم ان سورية هي التحدي الأبرز في إستراتيجتهم، وفي ضوء هذا الواقع، أن المعركة البائسة لإسقاط الدولة السورية لن يكتب لها النجاح، ولم يعد وارداً لدى دول العالم التغاضي عن أهمية دور الجيش السوري بالتصدي لظاهرة الإرهاب، لذلك يجب على الدول الغربية وحلفاؤها خاصة تركيا أن تخرج  من هذه اللعبة المدمرة لأنهم سيكونون أول ضحايا الجماعات الجهادية، وهو أمر ستكون تداعياته الخطيرة على هؤلاء الذين لا يدركون عمق الأزمة التي يعيشونها والتي ستجبرهم في النهاية، على دفع ثمن تهورهم وأحقادهم اتجاه سورية.

مجملاً… لقد فشل الرهان التركي لإسقاط الدولة السورية بعد أن غامر الرئيس أردوغان بكل رصيده، سواء محاولته لإستغلال التحولات الكبرى، أو ضعف الدول العربية وشرذمتها، وخلافاتها التي وصلت إلى حدود التحالف مع القوى الغربية، أو من خلال  مساندته  ودعمه للدواعش أينما كانوا، وبإختصار شديد لم يبقى أمام أردوغان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا أن يتراجع في سياساته الداعمة لداعش وأدواتها، والإنخراط في التسويات والترتيبات الإقليمية والدولية التي تهدف لمواجهة هذا الخطر الوجودي.

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.