المرأة الفلسطينية: تحيك وتحكي … تحكي وتحيك / فيحاء عبد الهادي

فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الجمعة 31/12/2021 م …




تحيك وتحكي/ تحكي وتحيك.

حين تمسك المرأة الفلسطينية الخيط وتدخله من ثقب الإبرة؛ كي تحيك ثوبها/ شالها/ حزامها/ منديلها/ شطوتها/ تقصيرتها؛ تسيل القصص والأغنيات والحكايات من بين يديها، وتبدأ بحياكة الرواية التاريخية الفلسطينية؛ أرض وشعب.
بين يديها؛ تحضر فلسطين بكامل بهائها؛ مدنها وقراها؛ ورودها وطيورها وفراشاتها وفاكهتها ونخيلها وزيتونها وجبالها وسهولها.
تحيك المرأة الفلسطينية رداءها؛ فيحضر الماضي المشرق، والحاضر المجدول بالأمل، والمستقبل الواعد.
عبر الحياكة؛ تقصّ النساء الفلسطينيات حكايات المعاناة والمقاومة، وتتشابك خيوطهن وتتقاطع مع معاناة النساء ومقاومتهن الظلم والطغيان والعنصرية والتمييز والاستعمار، وأنواع القهر كافة، عبر العالم.
بين يديها، وعبر إبرتها وخيوطها؛ يزهر اللوز، وتتفتّح الورود، ويثمر الشجر،
يتحوّل الظلام إلى نهار، والقبح إلى جمال، واليأس إلى أمل.
*****
إحساس غامر بالفرح عمّ فلسطين؛ حين تمّ إدراج التطريز الفلسطيني، ضمن قائمة اليونيسكو لحماية التراث اللامادي الإنساني، يوم 16 كانون الأول 2021؛ إذ بعد نضال شعبي ورسمي فلسطيني طويل صدر اعتماد «اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي»، بإدراج التطريز الفلسطيني الممارسات والمهارات والعادات المرتبطة به، ضمن «أربعة عناصر في قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي، الذي يحتاج إلى صون عاجل، و39 عنصراً في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية».
لا ننسى جهود كل من سعى إلى هذا الإنجاز، نذكر الرائدة الراحلة «سهام أبو غزالة»/ رئيسة مركز التراث الفلسطيني؛ التي بادرت مع مجموعة من المتخصصين/ات، والخبراء، والمؤسسات المعنية بالدفاع عن التراث والهوية الوطنية؛ لنشر مذكرة على آفاز، بتاريخ 24 حزيران 2014، تمّ التوقيع عليها، من العديد ممن يؤمنون بضرورة الحماية الدولية للتراث اللامادي الفلسطيني تحت الاحتلال، بالاستناد إلى القرارات الدولية التي صدرت لحماية الملكية التراثية والثقافية للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، وحرصت المجموعة، بعد وصول التوقيعات إلى أكثر من مائتين؛ على أن يتسلّم المذكرة د. زياد أبو عمرو، وزير الثقافة في دولة فلسطين، في أيلول 2014؛ كي يقدّمها رسمياً باسم دولة فلسطين إلى منظمة اليونيسكو:
«نرفع إليكم هذه المذكرة، لأهمية القيام بعمل ما يلزم لحماية حقوقنا في الملكية الفكرية والتراثية الفلسطينية، من خلال المحافل الدولية، ومؤسسات الأمم المتحدة، فهي مسؤولية دولية، آن الأوان لمتابعتها، واستصدار قرار ملزم لحماية كافة مفردات تراثنا الفلسطيني، وكل أشكال التعبير عن الهوية الفلسطينية، من خلال اليونسكو، وغيرها من هذه المؤسسات الدولية».
*****
منذ التهجير الفلسطيني العام 1948؛ والاحتلال الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني، يعمد بشتى الوسائل إلى محاولة تذويب الهوية الفلسطينية، عبر السرقة والنهب والتشويه والتدمير، في وعي منه لأهمية الهوية في تثبيت حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.
وفي المقابل يحافظ الفلسطينيون على هويتهم، ويحرصون على حمايتها، والدفاع بشراسة عنها؛ كأحد أشكال المقاومة السلمية للاحتلال.
وإلى جانب سرقة الأرض، يحاول المحتلّ تزوير التاريخ؛ فينسب العديد من المكوّنات الثقافية الفلسطينية إليه؛ الحرف اليدوية (مثل مصنوعات الفخار، والصدف، والتطريز)، والمأكولات الشعبية (مثل الحمص والفلافل والمفتول واللبنة والزعتر)، والموسيقى والرقص الشعبي (الدبكة)، والنباتات (مثل زهرة قرن الغزال، وشقائق النعمان، وشجرة الزيتون، والعكوب، والميرمية).
وبالنسبة للثوب الفلسطيني المطرَّز، وفي ادّعاء بأنه جزء من تراثهم؛ لبسته «فيرا وايزمان» – زوجة أول رئيس للكيان الصهيوني -، في لقائها الأوّل هي وزوجها مع الرئيس الأميركي ترومان، في البيت الأبيض.
ولبسته «رؤوفيه روبن» – أول سفيرة لدولة الاحتلال في رومانيا -، وارتدته «ميري ريغف» – وزيرة الرياضة الإسرائيلية -، في مهرجان كان السينمائي.
كما لبسته مضيفات شركة العال الإسرائيلية، حتى أن زوجة أحد الجنرالات الإسرائيليين كانت تعرض مجموعة من الأثواب الفلسطينية التراثية، في أحد المتاجر الكبرى في نيويورك، على أساس أنها مطرّزات إسرائيلية.
وبتاريخ 12 كانون الأول 2021؛ لبس عدد من المتسابقات للقب ملكة جمال الكون الثوب الفلسطيني، ونشرن صورهن مع الأثواب المطرَّزة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على أنها جزء من الثقافة والتراث الإسرائيلي.
*****
حين أصدرت اللجنة الدولية الحكومية قرارها بإدراج التطريز الفلسطيني، ضمن قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي؛ لم تكن تنتصر للرواية الفلسطينية التاريخية فحسب، بل كانت تنتصر لمبادئ اليونيسكو في حماية التراث الثقافي اللامادي لشعوب العالم، وللمبادئ الإنسانية التي تنصّ على أن أي اعتداء على ثقافة شعب من شعوب العالم يعتبر اعتداء على شعوب الأرض كافة.
بشكل فوري وملحّ؛ انتصرت اللجنة الدولية للملاحة بالطريقة التقليدية، وصناعة الزوارق الضيقة المنحوتة في جزر كارولين/ من ولايات ميكرونيزيا الموحّدة، وفي سوما/ إستونيا، وللنسيج التقليدي في تايس/ تيمور- ليشتي، ولأشكال التعبير والممارسات الثقافية المتعلقة بآلة «مبولون» الموسيقية الإيقاعية التقليدية في مالي.
وجاء عنصر «التطريز الفلسطيني» والمهارات المرتبطة به، ضمن العناصر التي أضيفت إلى قائمة اليونيسكو للتراث اللامادي للبشرية، بينها: «الخط العربي»، و»القدود الحلبية»، و»الرومبا» الكونغولية، وشعر وغناء «بازيلو» في الإكوادور، وفن رقصة «زوي» في فيتنام، ورقصة «موتيا» الإفريقية، وفن «الفجري» البحريني، وطبق «الشيبوتجن» السنغالي، و»حساء جومو» الهاييتي.
*****
ما زال أمامنا معركة الهوية بتجلّياتها كافة؛ معركة ثقافية ذات أبعاد سياسية واجتماعية بامتياز، وعلينا أن نشحذ عقولنا وأقلامنا وفكرنا لنخوضها، ومن الضروري أن نحسن استخدام أدواتنا للنضال على الصعيد الثقافي، ونطوِّرها؛ بعد أن نتعرَّف على تراثنا المادي واللامادي، ثم نوثّقه ونحفظه بالاستعانة بالتقنيات الحديثة، ونوحِّد الجهود الشعبية والرسمية في هذا المجال، وبالوقت ذاته نمدّ أيدينا إلى الأفراد والمؤسسات العربية والدولية المعنية، لنحمي هويتنا الثقافية، وننتصر للثقافة الإنسانية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.