“عرب” مؤتمر هرتسيليا..الخيانة ما عادت وجهة نظر! / نبيل نايلي

 

نبيل نايلي* ( الإثنين ) 20/6/2016 م …

“جئت إلى إسرائيل فقط لأخبر أن الجيش الحرّ ما زال موجودا وأن المعارضة السياسية لا تزال موجودة وما زلنا مصرّين على مطالب الشعب في الحرية والديمقراطية وفي السلام… نحن ما طرقنا باب إسرائيل، هذا مؤتمر أمني وإستراتيجي يحضره سياسيون ودبلوماسيون من كل أنحاء العالم، ضروري أن تحضر المعارضة السياسية السورية. يجب أن يكون الشعب السوري ممثّلا في كل المحافل الدولية وإلاّ حرص كل واحد على مصالحه باستثناء صاحب القضية وصاحب الأرض الذي سيظلّ مغيبا. لذلك أنا لست موجودا هنا لأطرق باب إسرائيل لتساعدنا، بل لأشرح وجهة نظر وأنقل رسالة الشعب السوري، وأننا لسنا إرهابيين وأن الإرهاب صنيعة النظام…لقد اتهمنا النظام من أول يوم بالعمالة لإسرائيل، وبالإرهاب وكل التهم التي يمكن أن يصف بها العدو عدوه..الجانب الرسمي –الإسرائيلي- غير مهتم بالموضوع أو لم يتفاعل بعد مع الموضوع، نحن نتعامل بمساعدة أصدقائنا من منظمات مجتمع مدني في إسرائيل، ومعاهد دراسات استراتيجية وسلام، نتعاون لإظهار الصورة الحقيقية لما يجري في سوريا.”   مُمثل عن “‏الجيش السوري الحر”، عصام زيتون، في لقاء خاص مع I24News.

تشهد الدورة ال16 لمؤتمر هرتسليا، 2016 Herzliya Conference، الذي أسّسه ضابط جهاز الإستخبارات، والمستشار السياسيّ لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عوزي آراد، لبحث وتدارس المخاطر التي يُواجهها الكيان الصهيوني، وأهم التحديات والمخاطر الإقليمية العسكرية و المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تستوجب تصدّيه لها، فضلا عن الفرص الإستراتيجية المتاحة في ظلّ حالة التشظي التي تعيشها المنطقة، بحضور أبرز الخبراء والمسؤولين السياسيين والعسكريين والإستخبارات، ورجال المال والأعمال، مع ضيوف يُختارون بعناية فائقة، تشهد هذه الدورة تقاطر عديد “المسؤولين العرب”، من بينهم عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، المنتهية صلاحياتها منذ دهر، السيد أحمد مجدلاني وهذا “المثّل” لما يسمّى ب”الجيش السوري الحر”، مع سفير الأردن، وسفير مصر، لدى الكيان بالإضافة إلى مندوبين قطريين ومصريين وأتراك… يَؤُمُّهم عرّاب السياسات الأمريكية في المنطقة ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر،  كضيف شرف!

ترى ما الذي شعر به “أشاوس″ العرب والمسلمين –من الحاضرين- وهم يستمعون إلى الخطبة العصماء لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الإحتلال، الجنرال هرتسي هليفي، يتوعّد بتحويل لبنان “إلى دولة لاجئين”، متبجّحا بأن “إسرائيل هي الدولة الأقوى عسكريًا في الشرق الأوسط، لكنها لم تعد تواجه جيوشًا نظامية بل منظمات إرهابية، الأمر الذي يجعل إحراز انتصار أمامها أمرًا أكثر تعقيدًا”؟

أ لا يخجل ممثّل هذا الجيش الذي يسمّي نفسه “حرّا”، في اغتصاب للمعاني والقيم، والجنرال هليفي يزفّه “بشرى” أن “سوريا لن تنعم  بوحدة أراضيها تحت سلطة قائد واحد في السنوات القريبة” متناسيا أن يقول وبعض الفضل يعود لنا؟! أيّ رسالة هذه التي يريد أن يوصلها جنابه وقد ضاقت به المحافل ورحب له فقط مؤتمر هرتسيليا؟ أي شعب هذا الذي استفتاه ليتحدّث باسمه عن الحرية والديمقراطية والكرامة، في حضرة من يغتصبها يوميا عند إخوته الفلسطينيين، حتى لا نتحدث عن هضبة الجولان المحتل فقد باعها هؤلاء كما باع غيرهم لواء الإسكندرون لتركيا وصار اسمه “هاتاي”؟!! عن أي جانب رسمي

يراه هذا “الممثل” غير معني وشذاذ الآفاق يستبيحون سوريا بدعم لوجستي من “حمائم السلام” و”رادي الحقوق” لأصحابها و”أصحاب الشعب السوري”!! من يفتح المشافي لجرحى “جبهة النصرة” و لهؤلاء الذين لم “يأمرهم ربهم بقتال إسرائيل”؟ عن أي “مجتمع مدني” يتحدّث وعن أي مراكز دراسات وسلام ستساعده على تقديم الصورة السورية الحقيقية والكيان وباقي المنظومة هم من حوّلوا سوريا والعراق واليمن وليبيا ووو إلى مسالخ الدم المسفوح وأرخبيلات الطائفية والكيانية؟ “النظام أول من نعتنا بالعمالة”؟ أي وعي مقلوب يحكم هؤلاء الذين يجعلونهم أولياء ومتحدّثين باسم شعب بأسره و يجعلونهم يتصدّرون المشهد؟؟!!

الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، الموساد، إفرايم هاليفي، Efraim Halevy، وحين سؤاله عن  معالجة مسلّحي ما يعرف ب”جبهة النصرة”، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، داخل المستشفيات الإسرائيلية، وبخصوص “أنّ إسرائيل لم تُستهدف مباشرةً من تنظيم القاعدة”، أوضح ما لا يريد أن يستوعبه هؤلاء “المستجيرون بالرمضاء بالنار”، بقوله: “إن سوريا ليست أي بلد آخر”، وإن “الاعتبار الإنساني” –الذي تبخّر مع الفلسطينيين- يأتي في المقام الأول”! دون أنْ يكشف طبعا الأهداف الإستراتيجية والتكتيكية المتخفية وراء هذا الإعتبار الإنساني الذي يختصون به مسلحو “جبهة النصرة”! أهداف جعلت من “إسرائيل الدولة الأقوى عسكريًا في الشرق الأوسط”، كما يتبجّح الجنرال هرتسي هليفي.

ماذا عن عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي سمع مقاربة الصهاينة، عن انتفاضة محتملة، ما دام الحديث عن مقاومة وكفاح مسلّح صار المطلب المستحيل، وحتى هذه الانتفاضة، يقول عنها الجنرال إنها  “تتراجع وأصبحت في إطار الأعمال الفردية غير المؤطرة فصائليًا”! ثم من فوّضه ليتعهّد أمام مؤتمرين صهاينة يناقشون استراتيجيات أمن الكيان و ضمان عربدته في المنطقة، ب:” التنسيق الأمني ورفض الكفاح المسلّح و إلى تدويل القضية الفلسطينية”؟

ماذا عن مندوبي مصر وقطر وتركيا الذين “أثثوا” هكذا مؤتمر؟ أ لا يريحون ويستريحون ويفتحون سفارات التطبيع ويكفّون عن صمّ آذاننا بمناصرة الفلسطينيين وبمعاداتهم للصهاينة! أ ليس حريا بهذه الجامعة العتيدة أن تمنح مقعدا للكيان وكفاها شرّ القتال!

ضيف شرف مؤتمر هرتسيليا بل مجرم الحرب الذي يستعصي بقدرة قادر على المحاكمة، هنري كيسنجر، أعرب في المؤتمر عن “خوفه وذعره على مستقبل إسرائيل واليهود، لأن إسرائيل ورغم كونها الدولة الأقوى في المنطقة، لكنها ستواجه تحديات كبيرة على المدى البعيد، إلى جانب وجود فرص جديدة مع بعض الدول العربية التي تتعاون حاليا معها في بعض الجوانب الخاصة،” حسب تعبيره.

خوف وفزع الكيان الغاصب ممّن؟ ليس حتما من سكان المتجمّد الشمالي! أو من الألمان الذين يبتزّونهم –جيلا فجيلا- ب”صناعة الهولوكوست” حتى باتوا يفرضون أن تكون “التعويضات” على شكل غوّاصات نووية! حتى هذا الراينهولد هانينج، الحارس النازي القديم بمعسكر اوشفيتس والبالغ من العمر 94 سنة، لم يهدأ لهم بال حتى حوكم!

حجم الاختراق التطبيعي يُعرّيه  يستحاق هرتسوغ، رئيس المعارضة الإسرائيليّة في الكنيست، ورئيس”المعسكر الصهيوني“، خلال مداخلته في مؤتمر”يهود أمريكا“ بإماطة اللثام عن “الدول العربية التي جرى التواصل معها للدفع قدمًا بما أسماها بالعملية السلمية الإقليمية، وهي مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية والبحرين والمغرب”، وأنّ ” هذه الدول هي شريكة محتملة في هذه العملية”، مؤكدا على “وجود فرصة استثنائية للتغيير الإقليمي”.

مدير المخابرات الأمريكية السابق مايكل هايدن، يؤكّد لهؤلاء الذين يصرّون على أن يظلوا بحالة إنكارهم، “أنّ عدّة دول عربية ستختفي عن خارطة الشرق الأوسط قريبًا.. لم يعد هناك وجود للعراق ولا سوريا، ولبنان في اتجاه الفشل. أصبح كل هذا تحت مسميات عديدة فهناك الدولة الإسلامية والقاعدة والأكراد والسنة والشيعة، تحت مسّمى سابق هو سوريا والعراق”! خرائط دم رالف بيترز وتعاليم “استراتيجية إسرائيل للثمانينات”! استراتيجية هذا الكيان الذي يحضرون مؤتمر أمنه الإستراتيجي. هزلت!

إلى أي سقوط وانحطاط أخلاقي ننحدر؟ وأي منظومة قيمية هذه التي باتت تقود هذه الأمة؟ أي تيه عدمي وعمى استراتيجي يجعل أبناء هذه الأمة الواحدة يختلفون -حدّ التقاتل- حول تقدير موقف من حزب، أو حركة مقاومة، تصدّت لمن تقاعسوا، حدّ الخيانة، في محاربته؟ أي لوثة كيانية وطائفية هذه التي تجعل بعض أبناء الوطن الواحد يؤثثون مؤتمرات أمن الكيان الصهيوني واستراتيجيات هم أول من سيكتوون بلفح نارها، ويلتقون –موضوعيا- معهم في مواقفهم المخزية من قضايا يُصفّيها هؤلاء وآخرون مؤاثرين الزجّ بأبناء هذه الأمة في حروب الكوندور والمناولة والوكالة وصولا إلى مسالخ الطائفية العدمية؟!

*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.