روسيا- تحالف الضرورة / الطاهر المُعز
الطاهر المُعز ( تونس ) الثلاثاء 21/6/2016 م …
أحاول من خلال هذه الوقة رَصْدَ إيجابيات وسلبيات التحالف بين نظام سوريا ونظام روسيا، في فترة الحرب التي دخلت سنتها السادسة، ولم أتَظَاهر يوما بالحياد، بل أنا أعارض وأنْقُدُ السياسات الإقتصادية للنظام السُّوري، خصوصًا منذ تَبَنِّي وتطبيق ما سُمِّي “اقتصاد السُّوق الإجتماعي” في بداية القرن الحالي (وما هو باجتماعي في واقع الأمر بل هو اقتصاد سوق، لا غير)، كما أواصل –من خلال أعداد “النشرة الإقتصادية” الأسبوعية- نقد إدارة النظام السوري للأزمة الإقتصادية، وأُعارض قمع الحُرِّيات الفردية والجماعية واعتقال المُعارضين وسجنهم، ولكنَّنِي مُنْحاز لمصلحة الشعب السُّوري وأدعو إلى وحدة أراضيه ووطنه، وأنا –بكل وُضُوحٍ- مع الدولة السُّورية والجيش السوري لتحرير الوطن والأرض (وأتمنى تحرير الإنسان أيضًا) من الإحتلال الصهيوني (الجولان) ومن غزاة الحلف الأطلسي بقيادة أمريكا وبأدوات مختلفة منها مشْيَخَات الخليج والنظام التركي وكذلك المنظَّمات الإرهابية، بما في ذلك ما سميت قوات سوريا الديمقراطية والمليشيات العشائرية الكُرْدِية، شمال وشرق وجنوب سوريا، وكُلُّها أدوات لِتَقْسِيم سوريا بعد تفتيت العراق وليبيا واليمن… وبشكل عام، أعْتَبِرُ ان الشَّعْب السوري –مثل كل شعوب العالم- لا يحتاج تدَخُّلاً عسكريا أجنبيا لحل مشاكله الداخلية، خصوصًا إذا كانت القوات الأجنبية تُمَثِّلُ القوى الإمبريالية المسؤولة عن خراب العالم…
أعْتَبِرُ ان الفرق شاسِعٌ بين الغزو العسكري الأمريكي والأطلسي بهدف إسقاط النظام وتفتيت الوطن وتقسيم الشعب إلى مِلل ونِحل (كما حصل في العراق، على سبيل المثال، وقَبْلَها في يوغسلافيا)، وبين استجابة قوى صديقة للنظام، دفاعًا عن مصالِحِها وكذلك عن وِحدة البلاد (ولو كان ذلك “لِغاية في نفس يعقوب”)، لأن وجود القوات الروسية والإيرانية ومُقاتِلي “حزب الله” اللبناني (وبعض القوى الأخرى) كان بِطَلَبٍ من حكومة سوريا، أما التدخل الأمريكي الأطلسي فهو غزو خارجي، بِقَرَارٍ من الإمبريالية، في إطار مُخَطَّطٍ يَجْرِي تنفيذه ضد الوطن العربي منذ عقود إن لم يكن منذ ظهور الإمبريالية، كمرحلة من مراحل تطور الرأسمالية…
أُحاول في هذه الورقة دراسة مواقف ومُمارسات النظام في روسيا بخصوص الجانب المُتَعَلِّق بموضوع سوريا والوطن العربي، دون الإنخداع بالعبارات الرَّنَّانة وبابتسمات النفاق الدبلوماسي
نفاق روسي: كانت روسيا قد ضغطت في آب/أغسطس 2013 على “الحليف” السوري لتجريده من سلاحه الكيمياوي –وهو سلاح الرَّدْع الوحيد الذي يمتلكه في مقابل السلاح النووي الصهيوني- لتتراجع أمريكا عن التدخل العسكري المباشر في سوريا، وبعد أقل من ثلاث سنوات، تُقَدِّرُ الصحف الأمريكية عدد عناصر “القوات الخاصة” الأمريكية في سوريا بنحو ثلاثة آلاف، إضافة القوعد العسكرية (في المناطق التي ساعدت أمريكا مليشيات الأكراد في السيطرة عليها) وإضافة إلى مخابرات وجيوش بلدان الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وعرب النفط وغيرهم، وساعدت المخابرات الأمريكية فصائل إرهابية عديدة للسيطرة على حدود سوريا مع العراق وتركيا والأردن ولبنان وفلسطين، بهدف خنق النظام والدولة والشعب في سوريا، لأن هذه الحرب لا تستهدف الحكومة أو النظام فحسب (ومسألة تغيير النظام والحكومة شأن الشعب السُّورِي وحده)، بل تستهْدِف وِحْدَةَ البلاد وأراضيها وجيشها ومؤسَّسَاتها وبُنْيَتِها التحتية واقتصادها… وظهرت مؤخَّرًا خلافات جدية بين أطراف حلف دمشق وطهران وحزب الله، من جهة، وروسيا الطرف الأقوى عسكريا في هذا التحالف، وأعلنت روسيا مرارا ان مشاركة القوات الرُّسية تهدف “تَحْقِيق توازن في ميزان القوى أثناء المفاوضات”، وتقتصر المُشاركة الرُّوسيّة على سلاح الطّيران الذي يأتمر بأوامر روسية، بالإضافة إلى مهام محدودة على الأرض تقتصر على التدريب والإستخبار، من خلال غرفة عمليات، شرط التنسيق مع الجيوش الغازية (أمريكا وحلفاؤها التي دخلت سوريا كقوات غازية، دون موافقة الحكومة السورية) ومع جيش العدو الصهيوني الذي يحتل جزءا من سوريا، بهدف “تَجَنُّبِ المواجهات المباشرة”، بل أحجمت روسيا عن مَدِّ “حليفتها” حكومة سوريا بمعلومات كانت في حوزة الجيش الروسي بخصوص عمليات عسكرية وعمليات اغتيال نفذتها القوات الصهيونية قريبا من مواقع تواجد قوات “الحليف” الرُّوسي، واعتبرت موسكو ان أهدافها تحققت قبل نهاية شهر شباط/فبراير 2016 وأوقفت عملياتها أثناء تحقيق الجيش السوري وحلفائه انتصارات ضد المجموعات الإرهابية (وأبقت روسيا على قواتها ومُعِدَّاتِها في قواعد “حميميم” و”طرطوس” وغيرها) ورفضت موسكو تغطية طائراتها ومنظوماتها الدفاعية لعمليات الجيش السوري في شمال البلاد، وفي ريف حلب بشكل خاص، وظهرت بعض الخلافات للعَلَن إذ تعتبر سوريا وحلفاؤها الآخرون (إيران وحزب الله) ان أولوياتها تتمثل في تحرير منطقة “حلب” وقطع طريق إمدادات الإرهابيين بالمال والمقاتلين مع تركيا وكذلك قطع طريق تهريب نفط وقمح وثروات سوريا وآثارها عبر تركيا، فيما تعتبر روسيا ان أولويتها تتمثل في التنسيق مع الجيش الأمريكي ومساندة قوات ما سُمِّيت “سوريا الديمقراطية” (بقيادة مجموعات كُرْدِية) وذلك لاعتبارات لا علاقة لها البتة بسوريا، وإنما توجد أسبابها في أوكرانيا وعلى حدود روسيا ومن أجل فك الحصار الأمريكي-الأطلسي الذي خنق اقتصاد روسيا، وإذا كان من حق روسيا الدِّفاع عن مصالحها فليس من حق أحد التلاعب بمصير شعوب وبلدان أخرى، والعمل على تقسيمها وتفتيتها باسم علاقات صداقة مزعومة أو باسم تحالف يُغَيِّرُ أحد الأطراف حُدودَه وشُرُوطَهُ متى عَنَّ لَهُ ذلك، بالتنسيق مع الجيش الأمريكي والجيش الصهيوني (وحكومتيهما)، دون استشارة الأطراف الأخرى “الحليفة”، وخصوصا حكومة سوريا، البلد المُهَدَّد بالتقسيم…
أهداف أمريكية واضحة: استغلَّت الولايات المتحدة وحلفاؤها فرصة الهُدْنَة لتدعيم قوات المجموعات الإرهابية وزيادة عدد عناصر القوات الخاصة (الأمريكية) على الأراضي السورية وبناء قاعدتين عسكريتين على أراضي سوريا في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، مع توسيع مناطق نفوذ قوات الأكراد، بل أرسَلَتْ أمريكا بضعة مئات من العناصر الإضافية (ربما آلاف) من “القوات الخاصة” إلى شمال سوريا (إلى جانب قوات خاصة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لمساعدة الأكراد على الإنفصال، بتواطؤ نشيط من روسيا (جنبًا إلى جنب مع بعض “اليسار” الأوروبي والأسترالي والكندي) وعلى سد الطريق أمام الجيش السوري الذي يتقدّم نحو “الحسكة” و”دير الزُّور” و”الرقة” وريف “حلب”، وتتعارض مساندة أمريكا وحلفائها للأكراد، مع مصالح تركيا التي تتخَوَّفُ من عَدْوَى الإنفصال الكُرْدِي، لكنها (أمريكا) تواصل تطبيق مخطط “الشرق الأوسط الكبير” وخلق كيانات صغيرة على أسس اثنية وعرقية وطائفية تُقَوِّضُ أُسُسَ الدولة الوطنية، وتَسْهُل مراقبتها، وقاد الخبراء والمُسْتشارون العسكريون الأمريكيون حُلَفاءهم من هذه المجموعات الإرهابية باتجاه المناطق التي كان الجيش السُّوري على أهبة تحريرها، ومَكَّنتهم القوات الأمريكية وتجهيزاتها (اتصالات ومُعدات ) من عبور نهر الفرات و”سد تشرين” إلى الشمال الشرقي للبلاد، لِتُحْبِطَ أمريكا وحلفاؤها أو تُعَرْقِلَ مخططات الجيش السوري لتحرير أراضي البلاد، بل فرضت أمريكا واقع التقسيم بالقوة، في حرب بالوكالة تُنَفِّذُها قوات محلية وأجنبية بتمويل سعودي خليجي، وبمُساندة قوى محسوبة على اليسار من ألمانيا وكندا ومن أطراف تروتسكية أوروبية إلى جانب قوات عسكرية من أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وفنلندا وبلجيكا والنرويج والدنمارك والسويد وأستراليا وبقية البلدان الأعضاء في الحلف الأطلسي وغيرها، وبتواطؤ روسي…
نَفَّذَتْ أمريكا وأوروبا العدوان على ليبيا (كما على أفغانستان سابقا) باسم حلف شمال الأطلسي “ناتو” ولكنها خاضت العدوان على العراق وسوريا باسم “تحالف دولي” مُبْهَم لا أحد يَعْرِف حُدُودَهُ، وكانت فُرْصة لتعزيز الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وجودهما العسكري جنوب البحر الأبيض المتوسط (أي على سواحل البلدان العربية)، وتَوَجَّهَتْ إلى المنطقة حاملتا الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” و”دوايت إيزنهاور”، كما سَتَنْظَمُّ “حكومات غير حكومية” (أي تأتَمِرُ بأوامر القوة الأكبر وتُنَفِّذُ مُخَطَّذَاتِها) مثل بلجيكا والدنمارك والنرويج والسُّويد وفنلندا -وهي دُول تنتمي إلى الحلف الأطلسي وكانت تدّعي الحِياد- إلى القوات المُعْتَدِيَة على سوريا والعراق، وإمعانًا في استفزاز روسيا، ستنعقد قمة الناتو المُقْبِلَة في شهر تموز 2016 في بولندا، على حدود روسيا، بالتوازي مع مناورات “الناتو” البحرية في أوروبا الشرقية وتركيا، وفي السَّاحة السُّورِيّة، وبعد إلقاء أطنان من العتاد الحربي “بالخَطَأ” في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”، أصبحت القوات الخاصة الأمريكية (بين 2500 و3000 عنصر بحسب الصحف الأمريكية) تقود عمليات الفصائل الكردية المنضوية تحت راية ما يسمى “القوى الديمقراطية السورية”، بهدف قطع الطريق على الجيش السُّوري شمال حلب، وإلى الشمال الشرقي على الحدود العراقية، وهي مناطق زراعية مُنْتِجَة للقمح (الحسكة) والنفط (دير الزور)، وتدعم القوات الخاصة الأمريكية أيضا الفصائل العسكرية التي تسميها “المعارضة المعتدلة” التي تَدْعَمُها وتُسَلِّحُها تركيا وشيوخ النفط، ويهدف التدخل الأمريكي المُبَاشِر إلى فصل المناطق التي ستستولي عليها مليشيات الأكراد أو من تعتبرهم أمريكا “مُعْتَدِلِين”، وإلى تقسيم البلاد، باستخدام ذريعة “محاربة الإرهاب”… من جهتها
روسيا- دبلوماسية المصالح: احتفلت موسكو وتل أبيب بالذكرى الخامسة والعشرين لاستئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما، وبالمناسبة التقى رئيس حكومة العدو بالرئيس الروسي في موسكو للمرة الرابعة خلال أقل من عام، وللمرة الثانية خلال أقل من شهرين، ووقّعَت الحكومتان اتفاقية تعويضات وتقاعد لمئات الآلاف من المستوطنين الذين تركوا روسيا قبل انهيار الإتحاد السوفياتي بين 1970 و 1992، بمبالغ تتراوح بين 120 و250 دولارا شهريا لكل مُسْتَوطن، ما يُمَثِّلُ إرهاقا لميزانية روسيا زمن الحصار والحظر “الغربي” ودَعما اقتصاديا وسياسيا لحكومة الكيان الصُّهْيُوني، واتفاقيات تعاون تجاري واقتصادي وثقافي، في مجالات الطاقة والفلاحة بعد ان ارتفعت صادرات الإحتلال إلى روسيا من مُشْتَقّات الألبان، إضافة إلى الإرتفاع المُتَوَقَّع لعدد السائحين الروس في فلسطين وتعزيز التنسيق بين الجيشين في أراضي وأجواء سوريا، بذريعة “مواجهة الإرهاب !!!” ورحب “بوتين” بالتقارب بين تركيا ودولة الإحتلال، فيما دعا “نَتِنْ ياهو” الشركات الروسية للمشاركة في تطوير حقول الغاز في مياه فلسطين المحتلة، وتبرعت روسيا بما لا تَمْلِكُ ب”إعادة” دبابة غنمها الجيش السوري من جيش العدو أثناء احتلاله لبنان سنة 1982 بالتزامن مع امتناع روسيا عن بيع صواريخ “اسكندر” الى دول عربية كانت ترغب شِرَاءَها، ويُذْكَرُ ان روسيا ماطلت كثيرًا قبل أن تَعِدَ بتزويد إيران بمنظومة صواريخ “أس 300” التي اشترتها إيران منذ سَنَوَات… في سوريا تُسَانِد روسيا قوات العشائر الكُرْدِية الإنفصالية واقترحت دسْتورًا يُكَرِّسُ أهداف أعداء الشعب السوري
روسيا، صَدِيقُ عَدُوِّنا: تزايد حجم السلع الصهيونية في أسواق روسيا، وارتفع حجم التبادل التجاري إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى التعاون في مجال الزراعة والتكنولوجيا الرفيعة وفي المجال العسكري الذي يظل طي الكتمان والسرية، وتغاضت حكومة روسيا عن الدعم الصهيوني ل”جورجيا” خلال الحرب ضد روسيا سنة 2008 وأعلن “فلاديمير بوتين” ان العلاقات بين الدولتين “تاريخية”، وتَضَخَّمَ حجم اللُّوبي الصهيوني في موسكو ليضم المئات من رجال المال والأعمال والإعلام والسياسة، وضَمِن التَّدَخُّلُ الرُّوسِيُّ في سوريا هدوءا على جبهة الجولان وجبهة الجنوب اللبناني وعدم وصول أسلحة حديثة إلى “حزب الله”، وتحجيم دور إيران في سوريا والمنطقة، بحسب صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” (08/06/2016)، وأصبح الرئيس الروسي وأعضاء حكومته يُرَدِّدُون (مثل السياسيين الأمريكيين) “ضَرُورَةَ ضمان أمن ووجود إسرائيل”، وكأن كيان الإحتلال مُهَدَّدٌ في وُجُودِهِ حالِيًّا! واستقبل الرئيس الروسي مؤخرًا (نيسان/ابريل 2016) رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في الكرملين، وادَّعَى “فلاديمير بوتين”إن المنظمات اليهودية تساهم بشكل كبير في إحلال الاستقرار السياسي في روسيا” ودعا اليهود المُسْتَوْطِنِين في فلسطين ويهود العالم للاستثمار بسخاء في روسيا… عُمُومًا استخدَمَتْ روسيا دَعْمَها (المَسْمُوم في بعض جوانبه) للنظام في سوريا كمدخل لتعزيز موقفها في العلاقات الدولية وبالخصوص تُجَاه أمريكا التي تقود قرارات العقوبات الإقتصادية والحظر، ولذا فإن روسيا لا تُمَثِّلُ سوى حليفا غير ثابت وغير مَضْمُون وقابل للإنقلاب على مواقفه في أية لحظة، وإضافة إلى العلاقات الإقتصادية طورت موسكو علاقاتها العسكرية مع تل أبيب، حيث أسفر لقاء الرئيس الروسي ورئيس وزراء الإحتلال الصهيوني (07/06/2016) على اتفاق تنسيق عسكري مُوَسّع فوق أجواء سوريا، وعلى إِجْرَاءِ مناورة عسكرية مشتركة في البحر الأبيض المتوسط خلال صيف 2016 لسلاحي البحرية والجو، كمرحلة أولى في إطار هذا التعاون العسكري الذي قد يُخَفِّفُ من اعتماد الصهاينة بشكل كُلِّي على الدَّعْم العسْكَري الأمريكي، وستنطلق الطائرات والسفن الحربية الروسية من قاعدة “حميميم” الجوية قريبا من مدينة “اللاذقية” في سوريا، ومن قواعد طرطوس واللاذقية البحرية ، فيما تنطلق طائرات وسفن العدو من موانئ مُدُن “حيفا” و”أسدود” المُحْتَلّتين منذ 1948، وقد يكون هذا القرار مُرْتَبِطًا باحتمال مشاركة شركات الغاز الروسية في نهْبِ الغاز الذي يَسْرِقُهُ المُحْتَلُّون الصهاينة من شواطئ فلسطين في البحر الأبيض المتوسط، واحتمال مُشَاركة السفن الحربية الروسية الضخمة في حراسة منشآت حقول الغاز التي هَدَّدَ “حزب الله” باستهدافها، وكانت حكومة الكيان الصهيوني قد بدأت التنسيق مع قبرص واليونان وتركيا بخصوص إنتاج ونقل وتسويق الغاز، فيما ساهمت ألمانيا في تدعيم الأسطول الحربي للبحرية الصهيونية بسبع غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية بأسعار مدعومة، ويتحمل أُجَرَاُء ألمانيا ودافعوا الضرائب حوالي 35% من سِعْرِها…
سوريا، وسيلة لفك الحصار على روسيا: صَرَّحَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 16/06/2016 خلال جلسة في منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي “إن روسيا لا تريد حربا باردة جديدة مع الغرب ونرغب في التنسيق المُسْتَمِر مع الولايات المتحدة بخصوص الملفّات الدِّفَاعية” (ضد من؟)، ولكنه انتقد التوسع الإستفزازي لحلف شمال الأطلسي والسياسات أحادية الجانب تجاه روسيا… أما وزير البحرية الأمريكية (راي مابوس) فقد صَرَّح في نفس اليوم من على ظهر المُدَمِّرَة أمريكية (يو.إس.إس مايسون) في البحر المتوسط “إن القوات العسكرية الأمريكية ستبقى في البحر الأسود، لِرَدْعِ أي اعتداء مُحتمل، رغم تحذير روسيا” وكانت السفينة الحربية الأمريكية (يو.إس.إس بورتر) قد دخلت مياه البحر الأسود في بداية شهر حزيران 2016 لإجراء مناورات قريبا من المنفذ الرُّوسي على البحر الأسود، على بعد أكثر من عشرة آلاف ميل من سواحل أمريكا، وسيعقد الحلف الأطلسي مؤتمره في “وارسو” (عاصمة بولندا) خلال شهر تموز 2016 وكانت بولندا وتركيا ورومانيا قد طلبت تكثيف تواجد سفن الحلف وتأسيس قوة عسكرية دائمة في البحر الأسود (خلافا للإتفاقيات الدولية التي تُحَدِّدُ فترة البقاء بثلاثة أسابيع)، غير بعيد من أسطول روسيا الذي يرسو في ميناء مدينة “سيباستوبول”، وكانت العلاقات قد توتوترت بين الولايات المتحدة وروسيا مع نشر واشنطن لحاملتي طائرات إضافيتين في البحر المتوسط قبيل مؤتمر حلف الأطلسي، وتستخدم روسيا “ورقة” سوريا لتعزيز موقفها في المفاوضات مع الحلف الأطلسي الذي تُحَاصِرُها قواته في عقر دارها، وتتطلع روسيا إلى دور أكبر في الوطن العربي واستخدام الوضع في سوريا كَمَطِيَّةٍ لتحقيق شروط أفضلَ للتفاوض مع الإمبريالية الأمريكية، فيما يتطلع الكيان الصهيوني إلى اعتراف سوري باحتلال الجولان (أو جزء منه) لتكتمل هيمنة دولة الإحتلال على كامل المنطقة بمباركة سعودية، والسعودية أصبحت تعني “الجامعة العربية” التي أعادت إلى سطح الأحداث مبادرة 1982 (بعد تنقيحها) التي سَتُكَرِّسُ الإعتراف بهيمنة الصهاينة على الوطن العربي، وتتقاطع (في المرحلة الحالية على الأقل) أهداف روسيا مع أهداف الكيان الصهيوني، لِيَرْبُطَ الطَّرَفَان (الحليفان) “مُسْتقبل سوريا” (أي سوريا المُنْهَكَة من أثَر الحرب) بمفاوضات حكومتها من موقع ضُعْف مع الكيان الصهيوني وللسَّيْرِ على خطى أنظمة مصر والأردن، وتوقيع اتفاقية استسلام…
التحالف الرّوسي الصهيوني: إضافة إلى ما ذكرْناه أعلاه، أعلن إعلام العدو الصهيوني وإعلام روسيا ان رئيس وزراء العدو بحث موضوع “التطورات في سوريا” خلال زيارته الرابعة لموسكو (منذ كانون الأول/ديسمبر 2015)، وتزامن هذا الإعلان مع تكثيف اللقاءات الصهيونية-السعودية ومع انضمام دولة آل سعود إلى “كامب ديفيد” بعد ان مَنَحها النظام المصري جزيرتي “تيران” و”صنافير”، بموافقة (بل بإشراف) الولايات المتحدة وكيان الإحتلال، كما تزامن مع إعلان حكومة فرنسا (المُسَانِدَة للكيان الصهيوني بشكل شبه مُطلق) عقد مؤتمر دولي في باريس “لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية”، في حين كَثَّف الإحتلال وسلطة أوسلو درجة القمع في الضفة الغربية المُحتَلّة
تلتقي كذلك مصالح روسيا والكيان الصهيوني في المجال الإقتصادي، حيث استغل الكيان العقوبات على روسيا وخصومتها مع حكومة الإسلام السياسي في تركيا، لتكثيف حركة تصدير الخضار والفواكه والإنتاج الزراعي عموما، من الأراضي التي صادَرَها الإحتلال من الفلاحين الفلسطينيين، إضافة إلى بعض الأسلحة مثل الطائرات الآلية (درونز) التي أظهرت فعاليتها في “جورجيا” ضد الطيران الروسي (كانت دولة الإحتلال تساند حكومة جورجيا ضد روسيا في حرب 2008) وبعض تقنيات القمع الجماعي، أما الموضوع الأهم في هذه العلاقات الإقتصادية فهو موضوع الغاز الطبيعي في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث طلب “فلاديمير بوتين” سنة 2012 خلال زيارته لتل أبيب شراء روسيا ثلث شركة إنتاج حقل “لفيتان” للغاز (مقابل ساحل “حيفا”) لكن الولايات المتحدة اعترضت آنذاك على هذه الصفقة بواسطة الشركة الأمريكية “نوبل إنرجي” التي تُدير الحقل، ويبدو ان أسباب الإعتراض قد زالت حاليا، فوقّع الطرفان (الصهاينة وروسيا) اتفاقا حول إنتاج الغاز الفلسطيني المَسْروق مع حظور عسكري روسي لحماية منشئات الغاز الذي وقّع الكيان عقودًا لبيعه من خلال أنابيب إلى الأردن ومصر وتركيا، ليكتمل مُسَلْسَلث التطبيع الإقتصادي، ومن جهة أخرى، تضمَّنَت اتفاقيات التعاون والشراكة بين موسكو ودمشق “استكشاف وإنتاج وتسويق الغاز في سواحل سوريا”، ويجدر التذكير بأهمية قطاع الطاقة وخطوط نقل الغاز (من قطر أو من إيران) كأحد أسباب اندلاع الحرب في سوريا التي تحتوي أراضيها وسواحلها على مخزون هام من النفط والغاز…
وضوح أمريكي يقابله تمويه روسي: تُنَفِّذُ الولايات المتحدة مخطط “الشرق الأوسط الكبير”، بالإعتماد على الحلف الأطلسي وعلى حلفائها، وإن تراجعت فيكون التراجع تكتيكيا، من أجل تصويب الأخطاء أو من أجل ربح الوقت، وأشارت الصحف الأمريكية خلال شهر حزيران 2016 إلى استغلال أمريكا “الهدنة” لإرسال نحو ثلاثة آلاف جندي من قوات الحلف الأطلسي إلى داخل الأراضي السورية، بعد “تَسَلُّلِ” مئات الجنود الأميركيين من حدود سوريا إلى داخلها، بدون موافقة الحكومة السُّورية (أين “الشرعية الدولية”؟) وبعِلم الإستخبارات الرُّوسية التي تمتلك تجهيزات متطورة لرصد أي حركة تجري على أرأضي وأجواء سوريا، هذا إضافة إلى مختلف أصناف الجواسيس المتواجدين على الأراضي السورية بذرائع مختلفة (منظمات غير حكومية وإنسانية وطبية…)، وقبل أرسال حاملَتَيْ طائرات إلى البحر الأبيض المتوسط، أنشأت الولايات المتحدة قاعدتين عسكريتين جويتين في ريف “الرميلان” وفي ريف “منبج” (قرب سُد “تشرين”) حيث تغطي القوات الجوية الأمريكية تقدم قوات الأكراد بهدف منع تقدم القوات النظامية السورية نحو “الرقة” (معقل “داعش”) وأنشأت أمريكا قاعدة أخرى في ريف “عين العرب”، فيما أنْشَأت فرنسا قاعدة عسكرية قريبا من “عين العرب” أيضا، في تكْرِيس لتقسيم سوريا، بمباركة الحليف الرّوسي، الذي يُساند بدوره “قوات سوريا الديمقراطية” التي تُكَرِّسُ التقسيم وتفتيت البلاد، وفصل شمال البلاد (خمس محافظات) عن بقية الوطن، ويحتوي الشمال على الأراضي الزراعية (القمح في الحسكة) والنفط والغاز والمياه والسدود الضرورية للإنتاج الزراعي وإنتاج الكهرباء…
استغلت المجموعات الإرهابية والولايات المتحدة والسعودية وقَطَر وتركيا فترة الهُدْنَة والمفاوضات لإعادة التسليح والإمداد بالمقاتلين وتعزيز المواقع، خصوصاً في شمال غرب البلاد (محافظات حلب وإدلب واللاذقية…)، بينما ضغطت روسيا على النظام السوري –بعد استعدة “تدمر”- لوقْفِ تقدُّمِه ووقف العمليات العسكرية في مناطق حلب وإدلب (وهي المناطق التني عزز الإرهابيون فيها مواقعهم بفضل قربها من حدود تركيا) ورفضت القيادة العسكرية الروسية تغطية الطائرات الروسية للعمليات البرية للجيش السوري، وفرضت تحوير الخطة والتقدم نحو “دير الزور” و”الرقة” (الشمال الشرقي) وعموما سَعَتْ موسكو إلى تطبيق خطة وردَتْ ضمن اتفاق غير معلن لها مع أمريكا لتجنيب ما سُمِّيَ بالفصائل “المُعْتَدِلَة”، وبذلك تحول دور الجيش السوري من الهجوم إلى محاولة تثبيت الخطوط والنقاط التي بلغها قبل “الهُدْنَة” التي فرضها “الحليف” الرّوسي، وبلغ الأمر ان قدمت حكومة روسيا مشروع دستور يُكَرِّسُ تفتيت سوريا وتقسيمها بين أقلِّيات وطوائف ويُجَرِّدُها من صفتها العربية ويُفَرّط في الجولان المحتل…
انعطافة جديدة؟
سبق أن صَدَّق “ميخائل غورباتشوف” وعود “رونالد ريغن” بخفض ترسانة الصواريخ في أوروبا وبعدم توسيع حلف شمال الأطلسي، ولكن الولايات المتحدة فعلت العكس تمامًا واستغلت ضُعْف الإتحاد السوفياتي آنذاك، للتوسع شرقا، وللقضاء على معاقل الإتحاد السوفياتي… قبل العدوان على ليبيا، صوتت روسيا (وكذلك الصين) في الأمم المتحدة لفائدة قرار بالتدخل العسكري في ليبيا، وخسرت بذلك روسيا مواقعها في البحر الأبيض المتوسط، ما عدا سوريا، ومع ذلك واصلت القيادة الروسية السّعي لِتَرْضِيَة أمريكا، علها تنظر إليها بعين الرّضا وتَكُفَّ أذاها، ولكن فَشِلت روسيا في تَلْيين موقف أمريكا وعُدْوانيتها إزاءها، بل زادت أمريكا (بواسطة الحلف الأطلسي) من مناوراتها العسكرية على حدود روسيا، وأمعنت في مُحاصرتها وتشديد العقوبات الإقتصادية ضدها، وتكثيف المناورات السياسية والإقتصادية بهدف تركيع روسيا نهائيا (كما تفعل دائما مع منافسيها أو خصومها، ناهيك مع أعدائها) ولا زال القادة العسكريون الأمريكيون (وربما السياسيون ايضا) يصرحون ان روسيا أشد خطرًا من الإرهاب ومن “داعش”، ما فرض على الحكومة الروسية تغيير موقفها (قد يكون ذلك مُجَرَّد تكتيك بهدف ربح بعض النقاط في المفاوضات بينهما)، ودَعَتْ إيران إلى لقاء الحلفاء في سوريا إلى اجتماع ثلاثي، التَأمَ في العاصمة الإيرانية بين وزراء دفاع كلّ من روسيا وإيران وسورية، بدعوة من وزير دفاعها، وهو الاجتماع الأول الذي يعقد على هذا المستوى منذ سنة 2014، وعادت الطائرات الروسية إلى مساندة القوات السورية، بعد أن يئست القيادة الروسية من كسب ود الحكومة الأمريكية…
أثنى الرئيس السُّوري في خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب المُنْتَخَب حديثا، على دور الحلفاء (روسيا وإيران والصين وحزب الله) وفق وكالة الأنباء السورية، ولكن الخلافات بين روسيا وبقية الأطراف كانت محل تعليقات الصحافة العربية والعالمية…
“ما حَكَّ جِلْدَكَ غير ظفركَ”
إن دحر العدوان والإرهاب من مهام الشعب السّوري، قبل أي كان، وهو الذي يُقَرِّرُ مَصِيرَهُ ومُسْتَقْبَلَ البلاد، وهو الذي يُقَرِّرُ شكل الحكم وطبيعة العلاقات مع الجيران وغير ذلك من شؤون البلاد، أما الأصدقاء فينحصر دورهم في الدعم والمُساندة، ولا يُمْكِنُهم تحرير البلاد وتقرير مصير الدولة أو الجيش أو الشعب، ولذا فدور روسيا ينحصر في دعم ومساندة الدولة في سوريا، ولقد أعلن مسؤولو روس عدة مرات أن انخراط جيشهم في سوريا هو دفاع عن مصلحة روسيا المُهَدَّدَة بالإرهاب في جمهورياتها المُسْتقلة ومناطق الحكم الذاتي في القوقاز والشاشان وحتى في موسكو، بإيعاز ودعم نشيط للمنظمات الإرهابية من السعودية وعرب النفط ومن تنظيم “القاعدة” وفروعها وأخواتها، إضافة إلى أهمية القاعدة البحرية في “طرطوس”، لكن قيادة روسيا أصبحت تُناوِرُ ضد الحكومة السورية ومن ورائها مصير الدولة والشعب السوريين ووحدة أراضي البلاد ومستقبلها ومستقبل المنطقة، وأصبحت تتخذ القرارات وتعقد الصفقات مع أمريكا، دون مُراعاة أو احترام الحليف “الضَّعِيف”، مُسْتَغِلة وضع الحرب… لذلك فإن روسيا حليف غير موثوق ويمكنه في أي لحظة تغيير الموقف والتحالفات، ولذلك وجب الحذر منه وعدم التعويل عليه في تحقيق تحرير الأرض والإنسان وتحقيق وحدة البلاد، ورسم حدود واضحة للتحالف ولإهدافه…
الطاهر المُعِز 18/06/2016
التعليقات مغلقة.