أمريكا وبريطانيا تسعيان الى جعل الجغرافيا الأوكرانيّة (كحويصلة) تتجمّع فيها كل أمراض العالم الارهابية / المحامي محمد احمد الروسان
المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 15/1/2022 م …
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …
** موسكو: ظهور حليف للناتو على الحدود خط أحمر…
أحسب وأعتقد، انّ مستقبل العالم يتقرر ضمن عقيدتين اثنتين: امّا علاقات تسودها المواجهة والهيمنة، أو بالتعاون والتنمية في ظل فرض عالم متعدد الأقطاب، بسبب الفعل الروسي والصيني وجلّ دول البريكس وعلى رأسها الهند، وعبر الفالقة السورية، والفالقة الاستراتيجية الأوكرانية، كعتبة بيت جغرافيذة هامة لموسكو، ومسارات خطوط أنابيب النفط والغاز، وبالمحصّلة والنتيجة: الخاسر من مقاطعة روسيّا هي أوروبا، والأوروبي يصنّع العداء الروسي، كما السعودي يصنّع العداء الأيراني.
وقد يصار الى تخليق قرم آخر، بدأ يلوح في أفق الصراع الدولي مع الروس عبر الناتو، وأي نزاع عسكري مع الروس سيغير هياكل أمن القارة الأوروبية.
وما تمارسه واشنطن ولندن وفرنسا وجلّ أوروبا عبر اتحادها، هو تظليل معلومات للرأي العام الدولي، ومغلوطة ومقلوبة وكذب وافتراء، ويمارسوا جميعاً الشيطنة لموسكو، عبر نشر معلومات اعداد وهندسة لعملية “موهومة” للجيش الروسي، لتبرير تدخله في أوكرانيا، وقد فضحت روسيّا، هذه الاستراتيجية الانجلوسكسونية.
وانّ ظهور حليف للناتو على الحدود مع الفدرالية الروسيّة، أمراً مرفوضاً بالمطلق، بكل اللغات واللهجات في العالم وخط أحمر، كون ذلك يعني القتال على عتبة البيت الروسي، وخاصةً مع وجود سلة استثمارات للميثولوجية الانجلوسكسونة في تتار القرم، وفي جغرافية وديمغرافية دونباس، ولن تسمح الفدرالية الروسية بعميق كارتل مخابراتها ومؤسساتها الدستورية وجيشها عبر رئيسها، للتأريخ أن يتقيأ على تخومها.
والعلاقات الدولية يصار الى مدننتها عبر الروسي، وعسكرتها بفعل الأمريكي، وما زالت كارتلات حكم في مفاصل وتمفصلات، المؤسسة السياسية والأستخبارية والعسكرية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وبالتماهي والتساوق والتنسيق، مع منحنيات الدولة العميقة في أمريكا، عبر تقاطعات للرؤى مع جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ) و وول ستريت وشركات النفط الكبرى، بحيث يسعى الجميع لتدمير الوجود الروسي في المنطقة والعالم، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث ولؤم، مجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني والفرنسي وبالتعاون، مع استخبارات البنتاغون، والاستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، في أوكرانيا على الحدود مع روسيّا، فبات الروس يقاتلون على عتبة البيت وهذا خطير جداً على الأمن القومي الروسي بدرجة أولى.
فعندما يقاتل الأنسان العدو على عتبة باب بيته، هذا أمر ووضع كارثي ويعد بمثابة انتحار، وبالتالي تعتبر أوكرانيا بمثابة عتبة بيت المواطن الروسي، ووجود الناتو والأمريكي فيها أمر لا يمكن استيعابه وتصوره.
وحاول هؤلاء جميعاً وفي مقدمتهم الأمريكي والانجليزي والفرنسي، افتعال وخلق مشكلة أخرى للفدرالية الروسية في كازاخستان لغايات الاشغال الروسي عن كييف، الواقعة جنوب الفدرالية الروسية وشرق الصين لضرب عصفورين بحجر واحد، الاّ أنّه تم احباطها وشطبها عبر قرار سريع وحاسم من الكارتل الحاكم في روسيّا، وعلى رأسه الرئيس فلادمير بوتين، وجهاز المخابرات الروسي الفاعل ذو المجال الجيوبولتيكي، كل ذلك، كنتيجة للاستعصاء في المسألة السورية، حيث الأزمة الأوكرانية تم استيلادها عبر الغرب من الأزمة السورية، وكذلك بسبب تماسك وصلابة الموقفين الروسي والصيني والإيراني من الموقف الثابت من المسألة السورية وحدثها.
العلاقات الدولية غير مستقرة لأسباب عديدة ومتعددة، ولكن جلّ تلك الأسباب والمسببات جاءت بفعل وتفاعلات ومفاعيل الحدث السوري وعقابيله، إن لجهة الدولي والإقليمي، وان لجهة المحلي وبيئته في جغرافية سورية الطبيعية، فمن خديعة ما يسمى بالمجتمع الدولي( أمريكا وحلفائها من الغرب وبعض عرب)لروسيّا في الحدث الليبي، إلى الخديعة الأوكرانية وعقابيلها، قاد ويقود ذلك إلى تصلبات في الموقف الروسي العميق والثابت من المسألة السورية، وما يحاك حالياً لفنزويلا على طريق ميكانيزميات الحدث الأوكراني.
أوكرانيا وروسيّا توأمين سياميين ولدوا من بطن واحد، حيث روسيّا تدرك أنّ هناك محاولات أمريكية وغربية وإسرائيلية وبعض عربية واهمة، كلّها تسعى لتفخيخ روسيّا من الداخل، مع عدم إنكارها وإغفالها للقوّة الميثولوجية للإمبراطورية الأمريكية، وهذا مؤشر قوي على حكمة وواقعية القيادة الروسية ونخبة نواتها الصلبة التي تعمل كفريق واحد، إن لجهة السياسي والدبلوماسي، وان لجهة الاقتصادي والمالي، وان لجهة العسكري والمخابراتي، وان لجهة الثقافي والفكري في تعزيز الشعور القومي الروسي.
قد يكون البنتاغون الأمريكي غير مرتاح لمسارات السياسة والدبلوماسية الأمريكية ومسارات التشريع في الكونغرس إزاء روسيّا بسبب الملف الأوكراني وعقابيلة وتداعياته المعقدة، والهوّة شاسعة بين الدولتين، وهي أعمق من حرب باردة وشراسات استخباراتية بين البنى المجتمعية المخابراتية في كلا المجتمعين ذات تداعيات عرضية ورأسية، وعمليات تعبئة أيديولوجية تاريخية باحتقانات استراتيجية وسياسية على طول خطوط واشنطن موسكو، لا حلّ لها باعتقادي إلاّ بانفجارات مبرمجة بشكل ثنائي، لإعادة إنتاج صيغ أخرى لقواعد اللعبة الأممية وإسقاطاتها، لوضع لبنات جديدة بجانب الموجود منها نحو عالم متعدد الأقطاب.
وللولايات المتحدة الأمريكية متاهاتها الإستراتيجية العميقة، حيث كانت المتاهة الأولى لها في الأفغانستان وما زالت، رغم تموضعها الجديد في شبه القارة الهندية، وتسليمها لأفغانستان لحليفها الاسلام السياسي الاخوان المسلمون عبر قطر، ثم العراق وما زالت وتعود من جديد، فسورية الأصعب والأشد وما زالت، والآن المتاهة الأوكرانية وعقابيلها التي تتدحرج ككرة الثلج، إلى المتاهة العرضية في شبه القارة الهنديّة حيث تتفاعل من جديد، ثم جاءت المتاهة اليمنية الحالية، فأم المتهاهات العامودية والعرضية الإستراتيجية الدولاتية الأمريكية، هي المتاهة السورية الأصعب والأعمق والأشد، والنتيجة فيها تحدد مصير المتاهات الأخرى وشكل العالم الجديد.
إنّ جنين الحكومة الأممية (البلدربيرغ الأمريكي)هو صاحب هذه المتاهات وصانعها، فيستغل حالة الاستعصاء الدولي والاحتقانات الشاملة كنتاج للحدث والمسألة السورية، وما خلّفته من سحب دخانيّة سوداء عميقة قد تستمر لسنيين عديدة، من شأنها أن حجبت وتحجب عيون العالم عن ساحات أخرى من المعمورة، لا تقل أهميتها الإستراتيجية عن أهمية سورية أو أهمية الحدث الأوكراني الحالي مثلاً، وكذلك الحدث اليمني الآني(قد يعتقد البعض أنّ واشنطن تريد وضع استراتيجية خروج للسعودي منه، العكس هو الصحيح تماماً، تريد توريطه للسعودي والإماراتي معاً، أمريكا تصب الزيت على النار)، من أجل تحقيق عمق مصالحه ومكتسباته كحكم أممي(حكم البلدربيرغ الأمريكي)، وربط اقتصاديات العالم من جديد بالاقتصاد الأمريكي، للخروج من الأزمة الاقتصادية الأمريكية الحالية، والتي في حالة استمرارها وتفاقمها بفعل أسباب عديدة ومنها جائحة كورونا، وأثرها على سلامة سلاسل الامداد، أن تقود إلى إفلاس الولايات المتحدة الأمريكية.
أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي نعم، وهذا صحيح الواقع وعلم الرياضيات السياسية، وليس من الحكمة بمكان أن يقاتل العدو الغربي والأمريكي على العتبة البيتيّة لموسكو، لأنّه هنا صار داخل البيت، فتمّ ويتم مقاتلته داخل عقره وحدائقه الخلفية، فذهبت موسكو الى تعزيز وبناءات جديدة للقواعد العسكرية الروسية في كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام، فمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من غرب وبعض عرب متصهين واهم ومخادع، عرض المعادلة التالية بكل بساطة: سورية مقابل أوكرانيا فتمّ الرفض الروسي(بكلاّ روسيّة)بحجم العالم!.
حيث الموقف الروسي قائم على رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة متماسكة وحسابات علم الرياضيات السياسية، حيث أوكرانيا لا تشكل سوى جزء ومهم ولكنه محدد، حيث المشتركات بين الحدث السوري والحدث الأوكراني في الجغرافيا والأستراتيجيا.
فروسيّا تدرك أنّ رؤية الطرف الثالث فيما يجري في سورية، هي ذات الرؤية لذات الطرف في الحدث الأوكراني الآن، في جعل الجغرافيا الأوكرانية(كحويصلة)تتجمّع فيها كل أمراض العالم، تماماً كما فعل ويفعل الغرب بالتعاون مع واشنطن وبعض عرب غادر، في جعل الجغرافيا السورية(كحويصلة)تضم كل أمراض العالم الإرهابية، باختصار انّهم يريدون للتاريخ أن يتقيأ نفسه على تخوم الفدرالية الروسيَة في أوكرانيا أيضاً، فهل ستسمح موسكو لهم ولتاريخها، وهي الأقرب إلى الشرق منه إلى الغرب أن يتقيأ نفسه على أبوابها؟!.
الأزمة الأوكرانية ترى فيها أطراف أنّها مرحلة جديدة متسارعة من مراحل حرب أعمق من الباردة، بعثت من جديد على طول خطوط الكباش الشامل للعلاقات الروسية الأمريكية، والمسألة في كييف هي نتاج طبيعي لتفاعلات ومفاعيل العامل الروسي في الأزمة السورية، لجهة عرقلة مشاريع الطرف الثالث في المسألة السورية، والسعي نحو عالم متعدد الأقطاب تنسجه موسكو بالتعاون مع أعضاء موضوعيين في الأسرة الدولية كحلفاء موثوقين للفدرالية الروسية، لذلك تم الدفع أمريكيّاً وغربيّاً ونيتويّاً بتحريك الشارع الأوكراني، وتعبئة النزعة القومية لدى اليمين المتطرف فيه، وافتعال ما جرى لعرقلة إجراءات السير نحو عالم متعدد الأقطاب، تتوزع فيه المسؤوليات الأممية، ويتحمل فيه الجميع من أعضاء الأسرة الدولية واجباته، باعتباره جزء من التغيرات الجيواستراتيجية في المعمورة، وتنظر واشنطن ومن معها إلى منطقة أوروبا الشرقية، كمجال حيوي هام بالنسبة لموسكو أرادت الاشتباك فيه، عبر التوسعة في القدرات العسكرية فيها، وفي مفاصل جغرافيتها وثناياها الديمغرافية لمواجهة الدولة الروسية ونواتها الصلبة، للحد من تعاظم نموها الطبيعي إن لجهة الأفقي وان لجهة الرأسي.
فشرق أوكرانيا( روسيّا القديمة)وجزيرة شبه القرم والتي تتمتع بالحكم الذاتي، يشكلان المنفذ الاستراتيجي إلى المتوسط عبر البحر الأسود وصولاً إلى القاعدة العسكرية في طرطوس السورية.
وروسيّا تدرك نوايا الغرب في ضم أوكرانيا إلى الناتو، حيث يعني ذلك أنّ البحر الأسود صار بحيرة نيتويّة بامتياز، كما أنّ نواة حكم الدولة في روسيّا تدرك أنّ الطرف الثالث الغربي في الحدث الأوكراني، يسعى لنصب فخ التورط والتوريط العسكري لموسكو في أوكرانيا ليصار إلى إضعاف واستنزاف القوّة الروسية وإشغالها لتنكفأ إلى الداخل الروسي الفدرالي، وجعلها في موقع الدفاع لا الهجوم ولمنعها من التمدد العسكري والاقتصادي وتوسعة المجال الجيوبولتيكي الاستراتيجي لمجتمع المخابرات الروسية في العالم، لتدعيم مفهوم العالم المتعدد الأقطاب عبر التعاون مع دول البريكس ومجتمعات استخباراتها ومخابراتها.
الحدث الأوكراني يهدد هياكل الأمن في جلّ القارة الأوروبية العجوز، وقد تنزلق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، عبر التدرج بتدحرج إلى أحداث عسكرية مباشرة بين الغرب والروسي، حيث المعركة معركة السيطرة على ممرات الغاز والنفط في العالم، فكيف يصار إلى الارتهان لجزء من الأدوات الأوكرانية المتساوقة والمتماهية مع الأمريكي والأوروبي في القرم، والتي عادت إلى روسيّا ودون إطلاق رصاصة واحدة وعبر استفتاء شعبي عريض؟!.
ضمن رؤية أمريكية بريطانية وغربية أوروبية استخباراتية وسياسية ودبلوماسية، تقوم السلطات الأوكرانية في كييف، إلى دعم ما يسمى بمجلس الشعب التتري في القرم، للعبث في استقرار القرم وشرق أوكرانيا، وبالتالي لمزيد من الضغوط على الفدرالية الروسية والكرملين، والذي يتولاه كل من المدعو: السيد جميليف والسيد تشوباروف ومجموعاتهم ولوبيات مافيويّة، وجعلهما يرفعان ويستخدمان شعارات على شاكلة: حماية حقوق الشعب التتري المسلم، ودفعهما إلى الاستفادة الشخصية من وراء ذلك، وتوظيفه كمشروع اقتصادي شخصي، وحتّى وقبل أن تعود القرم الى الفدرالية الروسية، فتركزت جلّ التبرعات التي حصلا عليها، في أيديهما والجماعات التابعة لهما، وما زالا حتّى اللحظة مستمران في نفس النشاط لمزيد من الأرباح عبر توظيفات لعملياتهما الدعائية هذه وتحت عنوان: حماية الحقوق للشعب التتري المسلم في القرم، لتحقيق شيء واحد أوحد، وهو جذب اهتمام بعض الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، والتي تموّل أي نشاطات معارضة ومعادية لروسيّا، ومن هنا تسعى العاصمة الأوكرانية كييف إلى الترويج لما يسمى بمجلس الشعب التتري برئاسة كل من الأدوات العملاء: جميليف وتشوباروف، ضمن مسار استراتيجية إعلامية بروبوغاندا، ورفع عمل هذا المجلس التتري المزعوم بل المجلس الوهم على المستوى الدولي، إن في الأمم المتحدة، وان في جلّ المنظمات الإقليمية والدولية العالمية كمنظمة مؤتمر التعاون الإسلامي، لمزيد من الضغط على الفدرالية الروسية، خاصةً وأن موسكو هي عضو مراقب في هذه المنظمة.
الشعب التتري المسلم في القرم، هو ضد عمل هذا المجلس الذي يتزعمه أثنين من أدوات المخابرات الأمريكية والبريطانية والأوكرانية، وحتّى أنّ عرائض قدمت في السابق(وقبل عودة القرم إلى روسيّا)من قبل الشعب التتري، إلى الرئيس الاوكراني السابق يوروشينكو، يشكون فيه على أنّ هذا المجلس المزعوم سيطر بدعم سلطات كييف على كل خدمات النقل باتجاه جزيرة القرم، ومنع التتار هناك من المشاركة في هذا العمل كقطاع اقتصادي منتج، الأمر الذي تركهم نهشّاً للفقر والجوع وبدون لقمة عيش كريم، بجانب خطابات مسجّله على اليوتيوب وعلى جلّ وسائل التواصل الاجتماعي، تخاطب المسؤولين في كييف حول عمل هذا المجلس الوهم، والذي لا يريد أن يدافع عن مصالح التتار في النزاعات بينهم وبين شعوب أوكرانية أخرى، ونظرة سريعة على آلاف من المقالات والتحليلات في معظم الصحف الأوكرانية، لوجدنا شتائم عميقة بحق القائمين على هذا المجلس التتاري الوهم والمزعوم، وعلى رأسه كل من جميليف وتشوباروف، وعلى شاكلة: كلاب، حيوانات، أسود، خنازير، ومع كل ذلك، فهذا المجلس لا يأخذ بباله كل ذلك وما يهمه فقط هو الربح وملىء الجيوب والبطون.
والمصيبة أنّ سلطات كييف لم تأخذ ببالها خطابات الشعب التتاري في القرم، ضد هذا المجلس المزعوم، المجلس الوهم، المجلس الأداة، في الفترة التي سبقت عودة جزيرة القرم إلى موسكو عبر استفتاء شعبوي نزيه لم تطلق رصاصة واحدة فيه، بل ما زالت وحتى الآن وبعد عودة القرم إلى روسيّا، تدعم هذا المجلس لمزيد من الضغط على موسكو وحسب توجيهات المخابرات الأمريكية والبريطانية، كما تساهم سلطات كييف في نشر معلومات كاذبة عن انتهاكات مزعومة لحقوق الشعب التتري في القرم وهي معلومات كاذبة بامتياز.
ومنذ فترة ليست بالطويلة، قام أحد الصحفيين الأوكرانيين المشهورين(كوتسابا)ومعه فريق عمل من الإعلاميين وخبراء في إجراء استطلاعات الرأي، بزيارة جزيرة القرم وأجرى الكثير من اللقاءات مع زعماء وشخصيات من الشعب التتاري المسلم هناك، وناقش هذا الأمر وعمل المجلس التتاري، وقد أعرب أغلبية التتار في الاستطلاع إياه وبنسبة 93 % عن عدم قبولهم ورضاهم عن عمل السيد جميليف والسيد تشوبانوف ومجموعتهما وأدواتهما، حيث قاد عملهم جميعاً هؤلاء العاملون في خلية مخابراتية أمريكية أوكرانية بريطانية غربية، إلى خلق وتخليق طائفية بغيضة ونشر البغضاء والفتن بين الروس والتتار والأوكرانيين، لذلك طالب ويطالب الشعب التتاري من القائمين على المجلس الوهم المزعوم مجلس الشعب التتاري بعدم التصريح باسم الشعب التتاري.
انّ المملكة الأردنية الهاشمية تربطها علاقات دبلوماسية مع كل من الفدرالية الروسية ومع أوكرانيا، ولديها مصالح مشتركة مع موسكو وكييف، وان كانت علاقاتها مع موسكو أعمق وأوسع أفقياً بكثير من علاقاتها مع كييف، حيث العلاقات مع كييف مضى عليها سبعة وعشرين عاما، في حين مع موسكو أكثر من ذلك بكثير وأضعاف تلك المدة مع كييف، حيث الأخيرة كانت جزءً من الاتحاد السوفياتي السابق، وهناك محاولات من جانب الأمريكان والسلطات الأوكرانية في إثارة ما تسمى بانتهاكات حقوق الشعب التتاري التي يروج لها المجلس التتاري لدى المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وأحسب وأعتقد أنّه من المنطق والصواب وجادّة الطريق الاستراتيجي، على حكومة المملكة الأردنية الهاشمية ومؤسساتها، أن تنأى بنفسها وتكون بعيدة عن تأييد كييف ومبادرات المجلس التتاري الوهم والمزعوم في المنظمات الدولية وخاصة في منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث يعد ذلك تدخلاً في شؤون الدول الأخرى، وكذلك الحال بأن ينسحب موقفها هذا لدى منظمة الأمم المتحدة إذا ما أثير هذا الأمر، إلاّ بالقدر الذي يوقف اللعب باستقرار القرم، وشرق أوكرانيا – دونباس – روسيذا القديمة، وبالتالي الأضرار باستقرار الفدرالية الروسية.
روسيّا كشفت عن قرار استراتيجي متخذ من مدة وبدء العمل به من مدة ليست بالقصيرة، في بناء المزيد من قواعد عسكرية روسية في كل من كوبا وفنزويلا وفيتنام ونيكاراغوا(الحدائق الخلفية لواشنطن في أمريكا اللاتينية)، كإستراتيجية رد وتطبق ميدانياً، كرد شامل على استراتيجية واشنطن العابثة في الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية، والأخيرة بعاصمتها موسكو تشكل قلب أوراسيا، وقيل قديماً أنّ من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم.
في أوكرانيا هناك يمين متطرف نازي وفاشي، ويمين اليمين وهو أشد تطرفاً من اليمين المتطرف، وذو عناصر راديكالية مسلّحة ذات ميول نازيّة فاشيّة، فتمّ تعبئته أمريكيّاً وغربيّاً من جديد وشحنه، لتعم الفوضى في الداخل الأوكراني وبالتالي على الحدود مع روسيّا، مع العلم والمعرفة أنّ فكرة موالاة أوكرانيا للغرب وواشنطن هي فكرة ضد الجغرافيا والتاريخ، حيث أمام الأزمة في أوكرانيا خيارين فقط: الارتهان إلى التسوية السياسية وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أو الحرب الأهلية والتي قد تقود إلى شراسات غير معهودة في رد الفعل الروسي المشترك مع الصين تحديداً، إزاء الغرب وأمريكا وفي أكثر من مكان في العالم وصولاً إلى حزب الله في لبنان، حيث تقول المعلومات أنّ صواريخ ياخنوت الروسية – كروز الروسية ذات المدى 300 كم وغيرها، قد وصلت حزب الله اللبناني وبكميات غير قليلة.
تتحدث المعطيات والوقائع الجارية على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية الغربية، على حالات من الكباش السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي والأمني الاستراتيجي، وتضارب المصالح والصراعات على أوروبا والحدائق الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية، ومثيلتها الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية وعلى قلب الشرق سورية، وعقابيل وإرهاصات ما يجري في أوكرانيا الآن.
إذا تدهورت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، استناداً إلى تدفقات الأخبار والمعلومات التي تكشف كل يوم الدور المتعاظم والمتزايد الذي تقوم به موسكو في مواجهة تحديات النفوذ والهيمنة الأمريكية، فكلا العاصمتين الأمريكية والروسية وحلفائهما تتبنيان مواقفاً متعارضة إزاء كافة الملفات الدولية والإقليمية الساخنة وغير الساخنة، وبالذات تلك المتعلقة بالشرق الأوسط وشبه القارة الهنديّة، والتوجهات الأمريكية الهادفة إلى عسكرة العالم، إضافة إلى بعض بنود التجارة العالمية، وقضايا حماية البيئة وحقوق الإنسان.
أشرس وأعمق من الحرب الباردة والتي تبعث من جديد، بسبب ظهور الفدرالية الروسيّة وكومنولث الدول المستقلة، وظهور منظمة شنغهاي للتعاون التي جمعت بين الصين وروسيّا على طاولة موحدة الأجندة، حيث الإدراك الأمريكي لروسيّا الفدرالية باعتبارها مصدراً للتهديد والخطر، فخبرة العداء لأمريكا متجددة في الشارع الروسي، وتجد محفزاتها في الإرث السابق الذي خلفته الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي، وتدرك العاصمة الأمريكية واشنطن أنّ التماسك القومي الروسي أكثر خطراً من التكوين الاجتماعي السابق الذي كان في الاتحاد السوفييتي، خاصة في الاعتبارات المتعلقة بالعداء القومي الاجتماعي التاريخي بين القومية الروسية والغرب، وتتميز الدولة الروسية بالاكتفاء الذاتي وبوجود الوفرة الفائضة في كافة أنواع الموارد الطبيعية، وبالتالي يصعب التأثير عليها عن طريق العقوبات أو الحصار أو الحرب الاقتصادية والتجارية الباردة، وهو موقف يجعل روسيّا أفضل من الولايات المتحدة الأمريكية التي تستورد كل احتياجاتها من الخارج الأمريكي، وانّ روسيّا قادرة على التغلغل في أوروبا الغربية عن طريق الوسائل الاقتصادية، وهو أمر سوف يترتب عليه احتمالات أن تخسر أمريكا حلفاءها الأوروبيين وغيرهم الذين ظلت تستند عليهم وما زالت، وان المسافة بين الفدرالية الروسيّة والولايات المتحدة الأمريكية، هي بضعة كيلومترات عبر المضيق البحري الفاصل بين ولاية ألاسكا وشرق روسيّا، أضف إلى ذلك إلى تملك روسيّا كمّاً هائلاً من أسلحة الدمار الشامل، والمعلومات الأمريكية الاستخبارية حول موسكو غير دقيقة بسبب قدرة الروس على التكتم والسريّة.
فمقابل سلّة الإدراك الأمريكية هذه إزاء موسكو، هناك سلّة الإدراك الروسية لجهة العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، حيث لم يتغير الإدراك الروسي لأمريكا عن ذلك الذي كان سائداً في أيام الاتحاد السوفييتي، وينظر الروس لأمريكا حالياً على أساس سعي حثيث لأمريكا إلى فرض الهيمنة على العالم ولإضعاف روسيّا عسكرياً واقتصادياً تمهيداً لإضعافها سياسياً ودولياً، كما يريد الأمريكيون تحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد تابع للغرب، ويسعى الأمريكيون إلى السيطرة على المناطق المجاورة لروسيّا تمهيداً لمحاصرة روسيّا بسلسلة من القواعد.
وكما تحدث كاتب هذه السطور في تحليل سابق بعنوان: واشنطن ودعم الحركات الانفصالية عبر الجهاد الأممي ودموية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فانّ الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى الإضرار باستقرار روسيّا عن طريق تشجيع الحركات والتيارات الانفصالية الناشطة في بعض مناطق الاتحاد الروسي، عن طريق تشجيع الأقليات على التمرد والعصيان مثل الشركس في جمهوريتي ابخازيا وشركسيا، وأيضاً لتشجيع قوميات الأنغوش في أنغوشيا، إضافة إلى تمردات داغستان، والشيشان، وأوسيتيا العليا والسفلى، كما أنّ التحركات العسكرية الأمريكية الدولية والإقليمية تهدف إلى الاقتراب بأكثر ما يمكن باتجاه حدود روسيّا، وكان آخرها ما يجري في أوكرانيا الآن وكذلك كازاخستان، ومحاولات مستمرة لأمريكا نشر الشبكات والمنصات الصاروخية والرادارات العملاقة على مقربة من حدود روسيّا مع دول شرق أوروبا السابقة، وأيضاً إلى نشر القواعد الأمريكية في دول آسيا الوسطى.
واشنطن تسعى إلى قطع الطريق أمام تعاون موسكو مع بقية دول العالم، وقد بذلت وتبذل جهوداً كبيرة في عرقلة مشروع تمديد أنابيب النفط والغاز من الحقول الروسيّة إلى مناطق الاستهلاك في غرب أوروبا، وعلى وجه الخصوص فرنسا وألمانيا، ومع عمل مستمر لاستقطاب دول الكتلة الشرقية السابقة مثل بولندا، بلغاريا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، وتحويلها إلى قواعد عسكرية متقدمة للقوات الأمريكية في مواجهة الدولة الروسية.
يشكل الملف النفطي أبرز النقاط التي تتضارب وتتنافر فيها المصالح الروسية مع المصالح الأمريكية، ويعتبر المخزون الروسي من النفط والغاز هو الأكبر في العالم حالياً، كذلك ما تزال روسيّا المصدّر الأول للنفط والغاز في العالم، ومن ثم فإنّ محاولات أمريكا الضغط على الدول المصدرة للنفط لكي تقوم بتخفيض الأسعار عن طريق رفع معدلات الإنتاج، هي محاولات تصطدم دائماً بالحاجز الحديدي الروسي.
كذلك تفرعت عن الملف النفطي جملة من الملفات الأخرى، بعد انطلاق ما سمّي أمريكيّاً بالربيع العربي، فمن تونس إلى مصر مرسي فمصر السيسي، فليبيا، واخبار المخابرات الامريكية مؤخراً للمخابرات التونسية، عن وجود بيادق الأرهاب الأمريكي في ليبيا الدولة الفاشلة، لغايات العبث باستقرار تونس الخضراء الوادعة من جديد، وبشكل دموي، وحالات الفوضى فيها واستهداف سورية حتّى اللحظة قلب الشرق فأوكرانيا، وقطعاً إيران بالرغم من توقيع الاتفاق النووي معها، ومفاوضات فينا الحالية لعودة الصفق الأمريكي الى الاتفاق من جديد، حيث تمثل إيران إحدى مناطق تضارب المصالح الأمريكية الروسية الغربية الأكبر في العالم، وإيران خاصرة الفدرالية الروسية الضعيفة لجهة الجنوب الروسي الحيوي بجانب الكازاخستان في أسيا الوسطى، ويريد الأمريكيون استراتيجيّاً ضرب إيران أو على الأقل إضعافها، من أجل إسقاط نظامها وإقامة نظام بديل يساعد في استقرار سيطرة أمريكا على العراق، وأيضاً من أجل الاستحواذ على مخزونات النفط الإيراني، إضافة إلى قطع الطريق على مشروع خط أنابيب نقل النفط الذي وقعت على اتفاقيته موسكو وإيران، بحيث يتم تمديد الخط من روسيّا إلى إيران ثم إلى باكستان فالهند.
كما تدرك موسكو أنّ أمريكا تجاهد من أجل التأكيد على رهان تمديد أنابيب النفط من السعودية والخليج والعراق، عبر الأردن إلى الدولة العبرية الصهيونية(الكيان الصهيوني)على النحو الذي يمكّن الدول الغربية من الحصول على احتياجاتها النفطية مباشرة من ساحل “إسرائيل” الساحل الفلسطيني المحتل المطل على البحر الأبيض المتوسط.
هذا وتمتاز الدبلوماسية الروسية ببراغماتية متنوعة فريدة من نوعها، ظاهرها ناعم ويوحي بالتراجع أمام أي تقدّم أمريكي مندفع، وباطنها شائك وقوي وصلب يعرف ما يريد في النهاية، وأحسب وأعتقد كمراقب وراصد بأن التراجع الروسي إزاء التقدم الأمريكي أحياناً في بعض الملفات الساخنة وغير الساخنة، هو مخطط روسي استراتيجي يهدف إلى عدم الوقوف في طريق الولايات المتحدة الأمريكية، طالما أنها تندفع بأقصى سرعة باتجاه التورط في النزاعات والمشاكل، التي لن تجلب لها سوى الخسارة وكراهية الشعوب، وهو أمر سوف يؤدي إلى الإضرار بقوة واشنطن على المدى القريب، وإضعافها تماماً على المدى البعيد، وفي الوقت نفسه تكسب الفدرالية الروسية الوقت الكافي وتقوم بالمضي قدماً في تطوير التكنولوجيا والاقتصاد، وبناءات قوتها العسكرية ومستلزمات تفعيل مجتمع مخابراتها ومجالاته الجيوبولتيكية، وتحالفاته مع نظيره الصيني خاصةً أنّ موسكو تخلّت ومنذ سنوات من مخاوفها من الصعود الصيني المتعاظم.
الجيش الأمريكي هو الذي يكاد يكون الجيش الوحيد في العالم الذي لا يستريح، وهو محرك الاقتصاد الأمريكي، حيث الأخير اقتصاد قائم على الحروب وانتاج السلاح ومصالح المجمّع الصناعي الحربي الولاياتي الامريكي.
عنوان قناتي على اليوتيوب البث عبرها أسبوعيا:
https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A
منزل – عمّان : 5674111 خلوي: 0795615721
سما الروسان في 16 – 1 – 2022 م.
التعليقات مغلقة.