الغرباء يشربون القهوة والأردنييون يدفعون الثمن / د. محمد أبو غزلة




د. محمد أبو غزلة ( الأردن ) – الأربعاء 19/1/2022 م …
الشعب نفد صبره وفاض به الكيل وما عاد يحتمل أي عبث بهويته ورزقه كائناً ما كان المبرر وتحت أي مسمي.
استمرار التلاحم بين الهاشميين والشعب يجسده وقف ومحاسبة من يتلاعبون بهوية الوطن والمواطنيين واقتصاده.
لا غرابة في التقاطع بين الكاتب المصري الكبير في الدفاع عن الاوطان في مسرحيته” الغرباء لا يشربون القهوة” وشاعرنا الوطني الكبير ابن العالوك المرحوم حبيب الزيودي في التغني والدفاع عن الوطن ، فقد تغنى شاعرنا الزيودي بالوطن دون مطمع في منصب وانما بدافع الانتماء إليه والدفاع عنه أمام ما يتعرض له الوطن من الطارئين لطمس هويته ، وافقار شعبه،ولشدة خوفه على ما جرى للوطن من الغرباء الذين شربوا قهوته، ولم يثمر فيهم طعمها، وأكلوا قمحه ، وخبزه ولم يثمر فيهم ملحه حيث قال: السلام على وطن نحن نكتبه في السطور ، ونشطبه في الصدور، السلام على وطن لن يظل لأحفادنا فيه إلا القبور ، ولأنه من نبات هذه الأرض لم ييأس في الدفاع عن وطنه تجاه هولاء الغرباء حيث يقول: سكبت أجمل شعري في مغانيها …لا كنت يا شعر لي إن لم تكن فيها… .هذي بلادي ولا طول يطاولها في ساحة المجد أو نجم يدانيها…. ومهرة العرب الأحرار لو عطشت…. نصب من دمنا ماءً ونرويها. وهذه دعوة لأحرار الأردن للدفاع عن هويتهم ووطنهم في ظل ما يحاك له من مؤمرات ودسائس.
ولعل ما قدمه الكاتب المصري محمود ذياب في رائعته ” الغرباء لا يشربون القهوة ” والتي تحكي بشكل عام قضية إنسانية وهي قضية هوية الوطن وضرورة الحفاظ عليها من مجموعة من الغرباء الذي يحالون العبث فيها وسلبها و انتزاعها أو طمسها كأن لم تكن وأتلاف كل وثائقها واستبدالها، وهذا ما ينطبق على ما دافع عنه الزيودي جراء ما قام ويقوم به الطارئون الجدد في وطني حيث تتجدد خطاباتهم وطروحاتهم السياسية في كل فترة من عقد جديد ، وهويه جامعة وغيرها، بهدف طمس هوية الوطن والمواطنيين، الذين استقبلوهم انطلاقا من أننا عرب قوميون أصليون استقبلناهم كضيوف وأكرمنهم بطبعنا الأصيل، وصبت لهم القهوة التي ماكان يجب أن يشربوها ، لكن على ما يبدو بأنها لم تثمر فيهم لانها تتنافى مع أصولهم ،ولم يستسيغواها لأنها أصيلة وذات نكهة صادقة وكشفت نواياهم الخبيثة تجاه الوطن، لكنهم لا يدركون أن الأردنيين بقيمهم الوطنية وحميتهم وحماسهم سيتصدون لها ولن يتنازلون عن وطنهم ولو بعد حين، وسيدافعون عنه بالمهج والأرواح، وهي عقيدة الأردني المدافع عن وطنه لوقف العبث في هويته ومقدراته،وكشف الفاسدين، وتعريتهم ورفع الظلم والاستبداد عن الغالبية الساحقة من هذا الشعب المكلوم بسبب ساسته الطارئين، ونقول لهم أن ثورة الجياع لا بد وأن تأتي إذا استمر العبث بالوطن ومقدراته .
ونقول للسياسيين الطارئين والفاسدين كل الثورات الوطنية عبر تاريخ البشرية جاءت من الشعب لاسترداد واستقلال الأوطان ورفع الظلم والقهر والاستبداد وتحقيق العدالة ، وسيعلو صوته ويشتد عوده عندما يفيض به الكيل من شدة الظلم والقهر والاستبداد والإفقار المتعمد بعد نهب وسرقة حقوقه من قبل الطبقة السياسية الحاكمة والظالمة والقاهرة والمستبدة للشعب ، والتي تمتلك كل أدوات إدارة الاستبداد سواء كانت هذه الأدوات اقتصادية أو سياسية، أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية أو إعلامية، ومن يعتقد ان الطبقة المسحوقة لا تمتلك إلا الدعاء والصراخ والبعبعة والتسحيج والتعييش فهو واهم، فلا بد لليل أن ينجلي.
لا أحد في الأردن يستطيع نكران أننا نعيش اليوم فرزا اجتماعيا تزداد فيها الهوة بين الأغنياء التي يملكون كل أدوات الحكم من السياسيين والفاسدين وأصحاب النفوذ والطارئين الجدد الذي عهدت إليهم إدارة الدولة وبين الفقراء المسحوقين والذي يشكلون أكثر من 80% من الشعب الذي لا يملك إلا الدعاء والصراخ الان ، ويدفع ثمنه يوميا ولا يستفيد شيئا الان بينما تحصد الصفوة السياسية كل المكتسبات لها ولأتباعها من السياسيين، وسماسرة البنك الدولي الذين عهد إليهم إدارة اقتصاد الدولة ، والفاسدين وأصحاب النفوذ ورؤوس الأموال، والمتكسبين والمستكتبين، وصائدي الفرص الذي يعشون على جيوب الفقراء ، ولعل ما جرى ويجري الآن على الساحة المحلية الأردنية من ترجمة لبعض توصيات لجنة الإصلاح السياسي والموافقة السريعة على أكبر تعديلات طالت الدستور الأردني من قبل المجالس التشريعية أرباب الطبقة السياسة الفاسدة ممن تم شراءهم بثمن بخس ، وما يجري من رفع للضرائب بشكل مباشر وغير مباشر كإعادة تعرفة الكهرباء، وطلاسم حساب فاتورة المحروقات والتي فشلت كل المجالس والخوارزميات في تفسيرها أو فكة شفيرتها، ومن تعد على المال العام من أصحاب المال والسلطة إلا دليلا قاطعا على الفرز الاجتماعي الذي يهدف إلى سلب إرادة الشعب وإفقاره وتجويعه وتركيعه، وطمس هويته واستبدالها بهوية جامعة تتماشى مع الدعوات الجيوسياسية لطمس الحقوق ووقف النضال عبر قنوات شرعية تمارس أدوارها بتوجيهات من مجموعة من الصعاليك الذي فرضهم النظام العالمي الجديد على الوطن واستغلوا واستعبدوا الشعب الذي يدفع ثمن فسادهم السياسي والاقتصادي، وتم منحهم التسهيلات للهرب خارج الدولة وللتهرب من الضرائب والمسؤولية ،ونهبوا كل شيء يمكن نهبه من موارد وممتلكات الدولة والتي بيعت بأبخس الأثمان، ومكنوا كل الفاسدين من إدارة الدولة والتحكم في مفاصلها، وحاربوا كل المخلصين من أبناء الوطن من أجل الوصول لغاياتهم .
نعم إن ما يجري اليوم من تجريد لأبناء الوطن الأصليين من الحقوق كافة، وهم من بنو الوطن وحافظوا على استقلاله وكانوا ملتفين حول قيادته السياسية ،وكانوا وقودا للحياه السياسية التي عاشها الوطن جراء عبث الفاسدين ،فهم اليوم من يدفع ثمن استقبالهم للغرباء الطارئين أصحاب الطروحات السياسية للعبث بهويتهم الوطنية ، وهم من يدفعون ثمن خصخصة موارد الدولة دون ان تعود عليهم بأي نفع يذكر ،وهم من تحملوا عبء مشاريع قروض البنك الدولي للتنمية الوهمية دون ان يجنوا أي ثمار لها ، وهم من سيدفعون أكثر في كل شيء إذا ما صمتوا على استمر هؤلاء الصعاليك بإدارة الدولة، وسيدفعون أكثر في صحتهم في المستشفيات التي ينقصها الدواء، والمرضى الذين يفتقدون للتامين الصحي والعناية الطبية الضرورية ، وهم سيدفعون اكثر في التعليم نتيجة فقر التعليم في المدارس والجامعات، وسيدفعون أكثر نتيجة صمتهم على تبعات فساد أصحاب السلطة والنفوذ، وهم من يدفعون أرواحهم ويتموا أطفالهم لحماية الحدود من الأعداء، ومهربي المخدرات التي يتنعم بها كبار الفاسدين في الدولة بعد أن شرعها الفاسدون، وما الحادثة الأخيرة ببعيدة عن ذلك، والتي استشهد فيها المرحوم النقيب محمد الخضيرات والوكيل محمد المشاقبة وغيرهم من الشهداء رحمهم الله الذي ذهبوا وقودا للفاسدين دفاعا عن الوطن في أماكن مختلفة ،والمصابين الذين ندعو لهم بالشفاء العاجل ، نعم هم هم من يدفعون لأنهم من أبناء نبات هذه الأرض وهذا الوطن وليسوا من أبناء ذوات ساستها الفاسدين، ويبقي السؤال الذى يحتاج الي اجابه منا جميعا لماذا علينا دائما ان ندفع كل هذه الأثمان؟
نعم تعودنا كأردنيين على الوقوف صفا واحدا أمام الأزمات والتحديات التي واجهت الأردن على مدار عقود طويلة بفضل التلاحم بين الهاشميين والشعب، وخرجنا من أصعب الظروف أقويا ، وسنقف في وجه كل من يحاول العبث بأمنه واستقراره ولن تتغير هذه الثوابت تجاه قيادتنا السياسية، لكن الشعب يتطلع لتجسيد هذا التلاحم أيضا، وقف ومحاسبة من يتلاعبون بهوية الوطن والمواطنيين، ويتلاعبون أيضا بخناصرهم باقتصاد الأردن، ووقف العبث بتعديل القوانين ليتمتعون بالثراء الفاحش من التهرب الضريبي والتعدي على المال العام وبيع مقدرات الوطن، وكف الأيدي عن جيوب الفقراء الذين يتحملون وحدهم عبء سد عجز الموازنات، وأقول للساسة والحكومات التي تخشى بأس الأغنياء وغضبهم ، ولا تبالي بغضب الفقراء انتم لا تدركون مصيركم ، وحكوماتكم محكوم عليها بالاعدام ، فالشعب نفد صبره وفاض به الكيل وما عاد يحتمل أي عبثا جديد بهويته وبرزقه كائناً ما كان المبرر وتحت أي مسمي، فالفقراء والكادحون الصالحون في وطني هم أكثر من يعطي لهذا البلدهم وأكثر مَن يبني، وهم أيضاً الأكثر اعتزازاً بكرامتهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.