وهل كان الهدف الأوّل تفجير الحرب الأهليّة وإشعال فتيل فتنة طائفيّة في البِلاد؟
وكيف استعصى زعيم المُقاومة وحزبه على الاختِراق وخرج مُنتصرًا في الحُروب المعنويّة والنفسيّة؟
أعلن السيّد عبّاس الحلبي وزير الإعلام اللبناني بالإنابة عن تفكيك 17 شبكة تجسّس تعمل لصالح دولة الاحتِلال الإسرائيلي، مُتورّط فيها أكثر من عشرين شخصًا من جنسيّات لبنانيّة وفلسطينيّة وسوريّة باتوا قيد الاعتقال.
هذا الكشف يُعتبر إنجازًا كبيرًا لأجهزة الأمن اللبنانيّة، خاصّةً في ظِل الظّروف السياسيّة والاقتصاديّة الصّعبة التي تمر بها البِلاد، كما أنه يؤكّد على أن لبنان ما زال يعتبر دولة الاحتلال الإسرائيلي عدوًّا مُحتَلًّا عُنصريًّا رغم تسارع عمليّات التطبيع من قبل حُكومات عربيّة.
لا نستغرب في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” هذا الاكتِشاف، ولا ضخامة عدد الشّبكات المُتورّطة في أعمال التجسّس هذه (17 شبكة)، لأنّ العدوّ الإسرائيلي يضع لبنان على قمّة قائمة استِهدافه، ويقف خلف كُل المُؤامرات التي تُريد بَذر بُذور الفتنة بين الطّوائف اللبنانيّة لإغراق البِلاد في حربٍ أهليّة.
“حزب الله” وقوّات المُقاومة التي تتبع له، مدعومةً بترسانةٍ صاروخيّة عملاقة (150 ألف صاروخ من مُختلف الأحجام والأبعاد)، وخبرة قتاليّة وتنظيميّة عمليّة جرى اكتِسابها من خوض حُروب في سورية والعِراق ولبنان نفسه، بات يُشَكّل تهديدًا وجوديًّا لدولة الاحتِلال الإسرائيلي التي ألحق بها هزائم مُذلّة سواءً بتحرير رجاله لجنوب لبنان مطلع الألفيّة الحاليّة، أو أثناء اجتِياح جيشها للجنوب عام 2006، ولهذا تتعاظم الجُهود الاستخباريةّ الإسرائيليّة على الأراضي اللبنانيّة لزرع العُملاء والجواسيس لجمع المعلومات، وبَذر بُذور الفتن.
نتّفق مع ما قاله السيّد نجيب ميقاتي رئيس الوزراء بأن “ضبط هذه الشّبكات يُثبِت مجددًا أهميّة الأمن الوقائي، والتّنسيق الفوري بين مُختلف الأجهزة الأمنيّة المعنيّة بحِماية لبنان، وأبعاد السّاحة السياسيّة عن كُل مُحاولات العبث بالأمن وتخريب استِقلال البِلاد”، ونشدّ على أيدي هذه القِوى الأمنيّة وقِيادتها ورِجالها التي تمكّنت، رغم إمكانيّاتها الماديّة والعملياتيّة المحدودة، في تفكيك هذه الشّبكات واعتِقال المُتورّطين فيها، وتجميع المعلومات من خِلال تحقيقاتها لكشف المزيد.
الغالبيّة العُظمى من المُحاولات الإسرائيليّة فشلت في اختِراق المُقاومة اللبنانيّة رغم عملها الدّؤوب طِوال الثّلاثين عامًا الماضية، مثلما فشلت في الوصول إلى زعيمها السيّد حسن نصر الله، ومُعظم الشخصيّات النّافذة التي تمّ الوصول إليها، واغتِيالها، كانت تتواجد في ساحات غير لبنانيّة، ونحن نتحدّث هُنا عن الشهيد عماد مغنية البطل الذي دوّخ الإسرائيليين وكان يتزعّم، رحمه الله، الذّراع العسكري لحزب الله.
لبنان يقع في عين عاصفة حرب استخباريّة ونفسيّة، لأنّه من الدّول العربيّة القليلة التي ما زالت قابضة على جمر المُقاومة، وتقف في خندقها، وتُؤمن مُعظم قِواها الوطنيّة الشّريفة، وهي الأغلبيّة، بضرورة تحرير جميع الأراضي العربيّة المُحتلّة، اعتبارًا من فِلسطين، ومُرورًا بهضبة الجولان، وانتهاءً بمزارع شبعا والقُرى اللبنانيّة السّبع الأُخرى المُحتلّة، وفرض السّيادة على كُل حُقول النفط والغاز اللبنانيّة في شرق المتوسّط.
نُسَجّل للمُقاومة اللبنانيّة وزعيمها الذي يتعامل بحكمة وصرامة مع كُل الخُصوم خاصّةً عندما يتعلّق الأمر بالثّوابت الوطنيّة أنه يتسامى في خِلافاته السياسيّة والعقائديّة مع بعض الفصائل الفِلسطينيّة، وفتح قلبه وضاحيّته وجنوبه لزعمائها، وتعلم جيّدًا أنه رفض أن يكشف عن تورّط بعض المَحسوبين عليها في تفجيراتٍ استهدفت الضاحية الجنوبيّة وأوقعت ضحايا مدنيين، حِرصًا على عدم اهتِزاز صُورتها في أوساط حاضنة المُقاومة اللبنانيّة، وباقي الشعب اللبناني، وتَجَنُّبًا للفتنة، وحقنًا للدّماء.
يظل لبنان مُتميّزًا في مواقفه الوطنيّة ولعلّ ما يَمُر به حاليًّا من أزمات ومُؤامرات هو الثّمن الذي يدفعه من أمنه واستِقراره من جرّاء هذه المواقف المُشرّفة، ولهذا يستحق الشّكر وكُل الاحتِرام والتّقدير، وقطعًا ستمر هذه المِحنَة، مثلما مرّت الكثير من سابقاتها، وما النّصر إلا صبْرُ ساعة.
التعليقات مغلقة.