«فتح» قبل مؤتمرها السابع: الحصاد لدحلان أم عباس؟ / عروبة عثمان
الأردن العربي ( ( الجمعة ) 6/2/2015 م …
أجمعت الأذرع العسكرية الفلسطينية في مؤتمر مشترك أمس على رفض القرار المصري باعتبار كتائب القسام منظمة إرهابية (آي بي ايه)
غزة | يتنازع حركة «فتح» اليوم طرفان، كانا في وقتٍ ما «سمناً على عسل» ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات. وما لبثا أن افترقا، هما رئيس حركة «فتح» محمود عباس، والقيادي المفصول من لجنتها المركزية محمد دحلان. المواجهة الحالية، بعدما تطورت إلى اشتباك قانوني ومالي وأمني، ودخلت فيها حركة «حماس» بوضوح في غزة، ووصلت آثارها إلى لبنان وساحات أخرى، أضحت بمجملها أكثر من قطع شعرة الوصل، وأقرب إلى معركة «كسر العظم»، قبيل المؤتمر السابع لـ«فتح»، الذي يأتي وسط انقسامات بنيوية على مستوى الهرم والقاعدة الشعبية للحركة.
قبل أسبوعين، فصل محمود عباس 220 موظفاً يوالون «الرجل القوي»، وعادت مؤسسات السلطة لتذل هؤلاء عبر تقسيمهم إلى «جهلة» شاركوا في مسيرة دحلان في غزة دون علم، أو مؤيدين حقيقيين يستحقون ما جرى لهم. إذ نقلت صحف عربية أن ضباط أمن من غزة فصلوا مؤخرا من الوظيفة الحكومية، قدموا شكوى في الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، مطالبين بإعادة رواتبهم المقطوعة، في وقت كشف فيه عن طلب السلطة منهم التوقيع على إقرار بعدم مخالفة «أوامر الشرعية الفلسطينية» قبل إتمام هذه الخطوة.
قطاع غزة يمثل نحو 20% من ممثلي المؤتمرالعام لـ«فتح»
ووفق نص الرسالة التي اشتكت عباس عند كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والمفوض العام لـ«الأونروا»، ومنسق الأمم المتحدة لعملية السلام، فقد أكد المقطوعة رواتبهم أن القرار «غير قانوني».
ومع أن الشكوى تأتي في وقت تعاني فيه السلطة أصلا مشكلة في صرف الرواتب، لكنها تبدو «مشورة قانونية» قدمها أحد الذين يعلمون بمدى تأثر عباس من أي انتقادات عبر الساحة الدولية. ويوما بعد يوم، يثبت لدحلان أن عباس يحرق له مراكب العودة إلى «فتح»، بعدما رفع الحصانة عنه وأحال أوراق اتهامه إلى هيئة «مكافحة الفساد» في كانون الأول الماضي.
في المقابل، يبدو أن «قائد الجيل الجديد في فتح» لم ينتظر كثيرا، حتى أطلق مناصريه في غزة لتعطيل انتخابات الأقاليم المنضوية تحت عباءة المؤتمر العام السابع للحركة.
ووسط هذه المعمعة، حضرت «حماس» في قلب الصراع بين التيارين الفتحاويين، بعدما أرخت الحبل الأمني لأنصار دحلان وسمحت لهم بالتظاهر، أكثر من مرة، ضد عباس، وذلك تحت شعار «حرية الرأي والتعبير».
وباقتراب عقد المؤتمر السابع، تتكشّف خيوط الصراع، وخصوصاً أن دحلان معروف بعقليته الأمنية التي تعمل بهدوء وتعرف كيف توظف المال السياسي، وهو ما تفسّره رغبة بعض أعضاء اللجنة المركزية في تأجيل المؤتمر حتى تتخمر خطة دحلان لاختراق الأوساط الفتحاوية أكثر فأكثر.
في المقابل، يبدو إصرار عباس على عقد المؤتمر في الثلث الأول من العام الحالي، بعد تأجيله أكثر من مرة، استعجالاً لقطف ثماره على مستوى إعادة هيكلة الحركة و«تنظيفها» من أتباع غريمه، ضمن سياسة الإقصاء والإحلال في المجالس واللجان المنبثقة عن الحركة، التي بدأ ممارستها بصفته رئيسها للعام العاشر على التوالي.
تلاعبات قانونية داخلية
يشي التلكؤ في عقد المؤتمر السابع المفترض أن يتألّف من 1000 عضو، بسعي بعض القيادات الفتحاوية، ممن لا تجد موطئ قدم لها عبر عملية الاقتراع في التشكيلة المرتقبة، إلى إنضاج ظروف محدّدة تجبر عباس على التكليف والتعيين، بدلاً من الانتخاب.
يقول أمين سر الهيئة القيادية العليا لـ«فتح» في غزة، إبراهيم أبو النجا، إن «ثمة أشخاصاً يعولون على العجز عن إتمام الانتخابات، تحديداً في غزة من أجل الوصول إلى المؤتمر عن طريق التعيين، لذا هم أكثر شريحة مستفيدة من حالة الفلتان التي تتسيّد المشهد الأمني في القطاع». ويضيف لـ«الأخبار»: «كلّ من يقول جهاراً إنه ليس مع خيار الشرعية، لن يدخل المؤتمر مطلقاً. سنقطع الطريق على دحلان وجماعته»، مؤكداً أنه لا مناص من انعقاد المؤتمر في الثلث الأول من العام الجاري، بعد سلسلة من التأجيلات المتتابعة، وذلك لـ«معالجة الحالة السياسية وتحديد إطار المصالحة وماهية العلاقة بالإسرائيليين».
وبالعودة إلى الأدبيات الفتحاوية، يأتي المؤتمر العام ضمن استحقاق تاريخي ينعقد كل خمس سنوات من أجل إعادة هيكلة الحركة ونظامها الأساسي، وتعديل خطّها السياسي بعد عمليات من التقويم والتقييم. وتتكوّن «فتح»، ووفق نصوصها التنظيمية من خلية، فجناح فشعبة فمنطقة ثم إقليم. وبموجب المؤتمر العام، يجري انتخاب اللجان القيادية للأقاليم المختلفة، وأعضاء اللجنة المركزية (21 عضواً) والمجلس الثوري، وذلك بمشاركة المكاتب الحركية وعدد من الأطر المنتخبة.
برغم ذلك، من يتتبع المسار الانتخابي في الأقاليم (قبل تجميدها في غزة) يلحظ عدم قانونية الإجراءات وخروجها عن اللوائح التنظيمية، وهو ما يؤكده القيادي الفتحاوي، أحمد نصر، الذي يقول لـ«الأخبار»: «ثمّة خروجٌ عن النص وتلاعبات خطيرة حدثت في مؤتمرات غزة، وخصوصاً النصوص التي جاءت في الورقة الأخيرة التي أصدرتها اللجنة المركزية ضمن رزمة أوراق تحضيرية للمؤتمر العام».
يضيف نصر: «أكثر من 15 نشاطاً تنظيمياً لم تنفذ داخل مؤتمرات الأقاليم التي من المفترض أن تبدأ بالافتتاحية وتنتهي بالانتخاب والبيان النهائي، فضلاً عن خلل حقيقي في جسم التنظيم، إذ كان جسمه الإضافي ضعفي أو ثلاثة أضعاف الجسم الحقيقي في المؤتمرات»، عدا ما سماه «خلطاً متعمّداً» يقضي بتداخل المراتب العليا مع الدنيا في تلك المؤتمرات.
ورقة غزّة
صحيحٌ أنّ قطاع غزّة سقط منذ مدة من حسابات محمود عباس، لكن النشاط المحموم لدحلان فيه جعل القطاع محط اهتمام وخوف لعباس، وخصوصاً عند الحديث عن ولاء أكثر من 70% من الجمهور الفتحاوي لدحلان، الذي تربطه علاقات وطيدة بشبكة الأمان المالية الخليجية، كما نجح أنصاره أخيراً في إحداث اختراق لافت في عدد من المكاتب الحركية والأقاليم، وتحديداً في انتخابات جامعة الأزهر والمحافظة الجنوبية كذلك.
يقول مصدر مطلع لـ«الأخبار» إن «دحلان متغلغل في القواعد الفتحاوية، ولن ينجح المؤتمر السابع في إقصائه من المشهد، وخصوصاً أنه عزف على الوتر الشبابي وتمكّن من استقطابهم عن طريق ثلاث جمعيات في غزّة، من بينها فتا التي تديرها عقيلته جليلة، لذا يسهل اختراق انتخابات الأقاليم في غزة بل تبدو محسومة لدحلان».
ومن المعروف أن الامتداد الجماهيري الأوسع لـ«أبو فادي» يتركّز في مسقط رأسه (خان يونس ـ جنوب القطاع)، لكن زحفه المثمر حالياً نحو رفح التي حُسمت، نيابيا، لمصلحة «حماس» عام 2006، يوضح حجم تأثيره ونفوذه.
وحول مدى تأثير دحلان في الضفة، باعتبار أن القوائم المرتبطة بالأخير فازت في معظم الانتخابات المحلية هناك عام 2012، يؤكّد المصدر ذاته أن «مدينة نابلس تعد خارج المناطق التي تحكمها سلطة عباس بالقبضة الحديدية، إذ تشهد المدينة حضوراً وازناً لزعران فتح ورئيس جهاز المخابرات السابق وعضو اللجنة المركزية توفيق الطيراوي الذي يلعب على كل الحبال، ويخطب تارةً ود مروان البرغوثي، وطوراً ودّ دحلان… بسببه تلاسن أكثر من مرّة مع أعضاء من المركزية، وتحديداً جمال محيسن، على خلفية مشروع قرار طاعن في شرعية قرارات فصل جنوده بتهم التجنح».
ويوم أمس فقط، شهدت المنطقة الشرقية من نابلس (كبرى مدن شمال الضفة) أعنف اشتباكات مسلحة بين عناصر أجهزة الأمن الفلسطينية ومسلحين من «فتح» استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة. وأفادت مصادر إعلامية أن الاشتباكات استمرت أكثر من أربع ساعات، وأدت إلى تحطم زجاج عشرات المنازل والمركبات، فيما أعلنت إصابة شاب بعيار ناري، كما أغلق ملثمون الشوارع الرئيسة المحيطة بمخيم نابلس، من بينها شارع القدس الرئيسي الذي يربط نابلس برام الله، ومداخل المخيم الرئيسية.
هكذا، تظهر نابلس وغزّة كأكثر المناطق «تحدياً» للرئيس في هذا المجال، لكن القيادي الفتحاوي يحيى رباح لا يقر بذلك، ويعترف بحصول التيار الدحلاني على بعض العضويات في غزّة. يشير رباح، في حديثه لـ«الأخبار»، إلى أن «فقه حركته شبيه بالفقه الإسلامي، إذ لا أحد يمكنه أن يستثني أيّ كادر لم يعترف صراحةً بمعاكسته لشرعية أبو مازن، حتى لو كانت تربطه مشاعر قلبية بدحلان أو مصالح نفعية ويتحرّك بنشاط في الأطر التنظيمية».
وقطاع غزة يمثل 20% من ممثلي المؤتمر العام، ما يوضح فعالية سياسة شراء الذمم ماليا، وهنا يتساءل رباح باستنكار: «من أين لدحلان كل هذا المال أصلا؟ هذا المال السياسي يتدخّل في حياتنا ويحدّد خيارات البعض»، لكنه يستدرك بالقول: «ليس معقولا أن تنهار الحركة بفعل دحلان، فهي عصية على الانكسار، لأنها واجهت مسبقاً ما هو أصعب من ذلك، حينما انشق عنها أمثال نضال البنا (أبو صبري) وأبو موسى وأبو خالد وأبو صالح بدعم من سوريا».
«حماس» داخل الصراع
وفيما يكثر الحديث والنفي على بناء «حماس» منظومة علاقات جديدة مع دحلان، فإن ما يظهر حتى اللحظة أن الحركة ضربت عصفورين بحجر واحد. فهي تضغط على عباس من جهة، وتحاول تحسين العلاقة مع مصر والخليج. لذلك شهدت الأونة الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في حوادث أمنية مست السلم الأهلي في غزة، وبدأت بسلسلة تفجيرات متزامنة وقعت في منازل قيادات فتحاوية عشية ذكرى تأبين ياسر عرفات في تشرين الثاني الماضي.
ولوحظ أن غالبية الحوادث كانت تستهدف تياراً فتحاوياً بعينه، سواء عبر حرق مكتب «هيئة الأسرى والمحررين» ، أو الاعتداء على مؤسسة «رعاية أسر الشهداء والجرحى» التابعتين لمنظمة التحرير التي يرأسها عباس أيضا. وبرغم أن «حماس» تحاول تصوير نفسها بعيدة عن المناكفات الداخلية الفتحاوية، فإن المنهج التمييزي الذي تتبناه في التعامل مع أنصار عباس ودحلان يحبط كل محاولاتها. فهي فتحت الميادين كافة لأنصار الأخير للتظاهر ضد غريمهم، لذلك يرى أبو النجا أن «حماس تتحمّل مسؤولية إطلاق شبح الفلتان الأمني، لكون الملف الأمني بمشغولاته كافةً لا تتولاه فتح أو أي فصيل آخر»، مستغرباً من تقييد «الأعمال التخريبية» ضد مجهولين.
وعن إمكانية استئناف عقد المؤتمرات في القطاع، يؤكّد أبو النجا أن «قضية المقطوعة رواتبهم في طريقها إلى الحل بالقريب العاجل، وفور تسييل الرواتب ستستكمل الانتخابات في الأقاليم»، لكن قيادياً فتحاوياً آخر، فضّل عدم الكشف عن اسمه، استخف بأهمية تلك القضية، وعدّها مجرّد «مشكلة هامشية لا تقع في صلب الأزمة المستفحلة»، محذّراً من انهيار حقيقي سيضرب «فتح» قريباً لو لم يُعَد ترتيب أوضاع الحركة في غزّة تحديداً.
مفاجآت مرتقبة على أسماء التشكيلة القيادية
ترجح التقديرات الراهنة حدوث ترتيب تنظيمي جديد عاصف في «فتح» تتخلله بعض المفاجآت في أسماء الشخصيات التي ستتسلّم الراية من أعضاء المركزية والمجلس الثوري في المؤتمر العام السابع المرتقب. ويفيد مصدر خاص بتوافر حظوظ كبيرة في القيادة المرتقبة لرئيس المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، وكذلك عضو اللجنة المركزية جمال محيسن، اللذين اضطلعا بمهمات ترتيب المؤتمر، بأمر من محمود عباس، كما يشير إلى دخول محافظ رام الله والبيرة ليلى غنام، ورئيس جهاز الخدمة المدنية موسى أبو زايد إلى اللجنة المركزية، التي تعد اللجنة القيادية الأولى في الحركة وتملك صلاحيات واسعة.
لكن إقصاء أعضاء المركزية الذين شغلوا مواقعهم لأكثر من دورتين متتالين، مثل نبيل شعث وعباس زكي وسليم الزعنون، لا يزال مثار جدل في الأوساط الفتحاوية، وخصوصاً أن المؤتمر السادس الذي عقد عام 2009 لم يوصِ بذلك. وتشير تقارير صحافية إلى وجود حالة من الاحتقان داخل أروقة المركزية. بعد التأكّد من استماتة ثلاثة من أعضاء المركزية على تأجيل المؤتمر بحكم تحالفهم مع محمد دحلان. كذلك يتوقع أن يشهد المؤتمر حضوراً لافتاً لقيادات في المجلس الاستشاري (الحرس القديم) كنوع من إعادة مراكز توازن القوى بعد انتخابات المؤتمر السادس. ومن أهم الأسماء المطروحة لذلك، فاروق القدومي ونبيل عمرو وأحمد قريع.
التعليقات مغلقة.