مرايا الفكر (3) / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد* ( سورية ) – الخميس 17/2/2022 م …
* مفكر وباحث
مرايا فكرية – الحلقة (5)
مراد غريبي يحاور الباحث الأكاديمي النهضوي د. عدنان عويّد.
خاص موقع صحيفة المثقف: يستضيف موقع صحيفة المثقف, الباحث الأكاديمي الأستاذ الدكتور عدنان عويّد، ضمن مرايا فكريّة، وحوار شامل أجراه معه الأستاذ الباحث مراد غريبي، حول قضايا الفكر والهوية واللغة والنهضة في العالم العربي، فأهلا وسهلا بهما:
المحور الأول: قضايا الفكر والهويّة والتراث:
س6: ا. مراد غريبي: هل هناك تفكير عربيّ جاد واشتغال فلسفيّ عميق حول سؤال الحريّة وجدلياتها مع الهويّة والعدالة والأيديولوجيا والتدين في أروقة الفكر العربيّ المعاصر كما عرفناه خلال القرن العشرين؟
ج6: د. عدنان عويد: أعتقد أننا قد تناولنا موضوعة الحريّة في إجابتنا على السؤال السابق. أما سؤالك عن الاشتغال على الهويّة والعدالة والأيديولوجيا والتدين، في أروقة الفكر العربيّ المعاصر كما عرفناه خلال القرن العشرين. فيمكنا الاجابة عن ذلك بقولنا:
لا شك أن هناك من اشتغل على الأيديولوجيا أو السرديات الكبرى في عالمنا العربيّ المعاصر منذ بداية الربع الأول للقرن العشرين حتى منتصف القرن ذاته، وخاصة عند القوى اليساريّة والدينيّة والقوميّة ممثلة بالأحزاب الأمميّة، كالأحزاب (الشيوعيّة)، وحزب (الاخوان المسلمون) بفروعه العديدة على المستوى العربيّ. ثم تلتها في الربع الثاني من القرن ذاته أحزاب أخرى ذات طابع قوميّ، توزعت بين أحزاب تدعوا إلى الوحدة العربيّة الشاملة كحزب (البعث العربيّ الاشتراكيّ)، وأخرى ذات نزعات إقليميّة أو عرقيّة (كالفينيقيّة والفرعونيّة وغيرهما).
إن هذه الأحزاب اشتغلت في الحقيقة على تكريس أيديولوجيات خاصة تمثل حواملها الاجتماعية من قوى طبقيّة أو أثنية، رسمت من خلالها الأهداف الاستراتيجيّة والتكتيكيّة لعملها داخل الساحة السياسيّة العربيّة، فهذه الأحزاب الشيوعيّة مثلاً قد تبنت في تنظيماتها الأيديولوجيا الشيوعيّة طريقاً لتحقيق العدالة والتنميّة، وفقاً للصيغة الماركسيّة اللينينيّة أو الماويّة، كما تبنى الإخوان الأيديولوجيا الدينيّة (الحاكميّة) التي نظر لها في صيغتها السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة أبو الأعلى المودودي، وتبناها مفكر الإخوان “سيد قطب” في كتابه (معالم في الطريق). أما الأحزاب الديمقراطيّة الثوريّة كحزب البعث والاتحاد الاشتراكيّ وغيرهما، فقد تبنت الأيديولوجيا القوميّة بعد أن ربطتها مع الاشتراكيّة العلميّة، تحت مسميات جديدة نظروا لها فكريّاً تحت اسم (الطريق العربيّ إلى الاشتراكيّة)، وطبقيّاً تحت اسم (تحالف قوى الشعب العاملة). أما أحزاب النزعات الاقليميّة كالفينيقيّة والفرعونيّة والبربريّة والأمازيغيّة وغيرها، فقد حملت أيضاً مشاريع أيديولوجيّة قوميّة ضيقة في مكوناتها الاجتماعيّة لم تزل قائمة حتى اليوم.
إن مشكلة هذا الأيديولوجيات أنها أُغرقت نفسها بالشعارات الفضفاضة على حساب الواقع أو الممارسة. وهذا ما أوقعها في مطبات كثيرة أثناء استلام بعضها السلطة. فظروف الواقع العربيّ المتخلف أثر تأثيراً كبيراً على سياساتها الداخليّة والخارجيّة. فالأحزاب الشيوعيّة ارتبطت بالسياسة الأمميّة على حساب السياسة الوطنيّة والقوميّة من جهة، مع غياب واضح للحامل الاجتماعيّ المؤهل لقيادة هذه الأحزاب من جهة ثانية، الأمر الذي أوقها في فخ المرجعيات التقليديّة (قبيلة – عرق) من جهة ثالثة، كما جرى للحزب الشيوعيّ اليمنيّ الذي وقع في فخ القبليّة، والحزب الشيوعيّ السوريّ أو العراقي اللذان وقعا في فخ العرقيّة، الأمر الذي أدى إلى تفتيت تنظيماتها الأساسية أو المركزيّة إلى تيارات عدّة. أما الإخوان فقد اشتغلوا في سياساتهم على البعد الأممي أيضاً وتجاهلوا خصوصيات الدولة الوطنيّة التي مارسوا نشاطهم الحزبي فيها، مثلما أغرقتهم أيديولوجيا الحاكميّة وعدالتها في عالم القيم والمثل على حساب الواقع، فاصدموا بالواقع عند وصولهم إلى السلطة، فكانت النتيجة فشل التجربة الإخوانيّة في كل من مصر وتونس وسورية. أما الأحزاب القوميّة العربيّة فقد عاشت في عالم الشعارات القوميّة والعدالة الاجتماعيّة.. فلا هي استطاعت أن تحقق الوحدة العربيّة، ولا حتى الوحدة الوطنيّة داخل الدول التي سيطرت على الحكم فيها، ولم تستطع أيضاً تحقيق العدالة السياسيّة أو الاجتماعيّة التي نادت بها في أيديولوجياتها بعد أن سارت في طريق رأسماليّة الدولة أولاً, ثم تحولت ثانياً إلى دول شموليّة ساهمت كثيراً في تشكل قوى اجتماعيّة جديدة من البرجوازيّة البيروقراطيّة والطفيليّة التي سرقت أموال الشعب والوطن. هذا في الوقت الذي غلب على قياداتها شهوة السلطة فراحت تمارس تسويات سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة على مستوى سياسة الدولة الداخليّة كان من أبرز نتائجها المدمرة، أن أحيت المرجعيات التقليديّة, والاتكاء على القوى الدينيّة السلفيّة لكسب رضا الشعب باسم الدين، فكانت النتيجة أنها خسرت كسب هذا القوى الأصوليّة الدينيّة إلى جانبها, في الوقت الذي خسرت فيه قوى اليسار والوسط أيضاً كما تبين في أزمة الربيع العربي. الأمر الذي ساهم في تدمير كل ما بنته حكومات هذه الدول خلال عقود من الزمن في بنية الدولة والمجتمع معاً.
إن ما يعيشه عالمنا العربيّ اليوم من فوضى على كافة المستويات تظهر نتائجه واضحة في حالات الجوع والفقر والهجرة التي يعانيها المواطن العربيّ، هذا إضافة إلى ارتماء أكثر هذه الأنظمة في أحضان دول أجنبيّة بهدف حماية الطبقة الحاكمة من شعوبها بسبب ما مارسته من سياسات أنانيّة ضيقة تصب في مصلحتها وليس مصلحة شعوبها خلال عشرات السنين, وليس غريباً على “ترامب” أن يفرض على حكام السعوديّة إتاوات لحمايتهم من شعوبهم على سبيل المثال لا الحصر.
التعليقات مغلقة.