متى ستتعلمون ؟! / د. بسام أبو عبد الله
د.بسام ابو عبدالله ( الإثنين ) 27/6/2016 م …
سؤال طرحه أحد المحللين الأميركان على مُوقعي العريضة الدبلوماسية التي سميت بـ«الوثيقة المعارضة» حيث يخاطبهم بالقول «متى ستتعلمون؟»،
ويعتبر «طوماس كناب» أن التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج لم تأتٍ إلا بالأسوأ، ويرى أن ما يسميه مقدمو الوثيقة بـ«الاستخدام الحكيم»- لتبرير التدخل في سورية لن يأتي بنتائجه المرجوة، وقد أثبتت تلك الذريعة خلال 25 عاماً من التدخلات في الشرق الأوسط، وجنوب آسيا عدم صوابيتها، لينصح إدارته الأميركية باستكمال سحب قواتها من الشرق الأوسط تلافياً لمزيد من الغوص في الهوة التي أحدثتها من خلال سياساتها الخارجية.
الدبلوماسيون الذين وقعوا هذه العريضة عددهم 51، وهم من المستوى المتوسط جميعهم تقريباً، وكانوا منخرطين في إدارة السياسة الأميركية تجاه سورية- في مقر الخارجية الأميركية في واشنطن، وكذلك في الخارج، وأعلاهم مرتبة هو نائب السفير الأميركي السابق في دمشق روبيرت فورد.
العريضة المذكورة جاءت بعد إعلان جون كيري وزير الخارجية الأميركي عن «نفاد صبر أميركا» من روسيا، التي لم تقم بأي شيء من أجل تغيير الرئيس الأسد، وكأن هذا التهديد موجه للقيادة الروسية- حسب ما كتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية «أندريه مانويلو» في صحيفة الازفستيا الروسية في 21/6/2016 «حول أسباب عصبية جون كيري وموظفيه»… لكن عصبية جون كيري فسرها بعد ساعة تماماً الناطق بلسان الخارجية الأميركية «جون كيربي» بقوله: «لا يجب فهم كلمات جون كيري حرفياً- وإنه عبر عن انزعاجه فقط»، وأما عريضة الدبلوماسيين الأميركان التي أعجبت – كيري- فإن الناطق بلسان الخارجية الأميركية اعتبرها أيضاً أنها تعكس «رأياً خاصاً» لمجموعة من الموظفين، وأنها لا تستحق أن تؤخذ على محمل الجد!
غريب أمر الأميركان فنائب الرئيس «جو بايدن» يرتكب زلة لسان فرويدية، وهو يحلم بتحويل سورية إلى عراق آخر «أو يحلم بعرقنة الحالة السورية»، ووزير الخارجية جون كيري مُصاب بالعصبية الزائدة وفقدان الصبر من الرئيس الأسد، ومن روسيا معاً، وموظفوه يكتبون عريضة وحدهم، وترسل لوسائل الإعلام الأميركية التي نشرت وجهة نظرهم المطالبة بالتدخل العسكري الأميركي من أجل كسب ودٍ (السُنة) في سورية، ليسأل «أندريه مانويلو» في الأزفستيا مرة أخرى: «مضحك كلام، وتحليل هؤلاء الدبلوماسيين الذين على الرغم من عملهم في الملف السوري لا يعرفون حتى الآن من هم القادة العسكريين الكبار في الجيش السوري، وكيف يقاتل جيش لمدة خمس سنوات ضد كل هذا الإرهاب من دون دعم شعبي؟»، ليفسر الباحث الروسي سبب عصبية الأميركان بأنها ناجمة عن خسارة أميركا للمعركة التي حاولت من خلالها الإطاحة بالرئيس الأسد تارة باسم «الربيع العربي»، وتارة باسم «المعارضة المعتدلة»، وتارة أخرى باسم «داعش والنصرة»، وكلها فشلت…
موسكو ردت بقوة على التلميحات الأميركية بشأن التدخل العسكري على لسان رئيس أركان القوات المسلحة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف الذي قال: «نحن من نفد صبرنا، وليس الأميركان» كاشفاً الرغبة الأميركية التي تريد الاستفادة من «وقف الأعمال العدائية» لتغيير الواقع الميداني على الأرض لمصلحة المنظمات الإرهابية، ويرفض التعاون مع روسيا من أجل فصل مواقع ما يسمى «معارضة معتدلة» عن مواقع «جبهة النصرة» الإرهابية، الأمر الذي رأى فيه غيراسيموف «أنه ليس من الممكن أن يستمر هذا الوضع إلى ما لا نهاية»…
يميل الكثير من المحللين الروس إلى أن موسكو ستعزز ضرباتها للإرهابيين وتدعم الجيش السوري في معاركه، وخاصة بعد زيارة وزير الدفاع الروسي إلى دمشق، ولقائه الرئيس بشار الأسد، وكذلك تصريحات رئيس الأركان غيراسيموف، وفي الوقت نفسه تضغط باتجاه العمل السياسي، والحل السياسي ولكن بشرط ألا تضع «معارضة الرياض» شروطاً مسبقة، وتعجيزية تخالف قرار مجلس الأمن «2254»..
يبدو لي أن هذا الجدل الروسي- الأميركي يعكس تباينات واضحة بين القوتين العظميين، ويُظهر أن واشنطن تعمل على رسم خطوط تقسيم في سورية لتفرضها في النهاية، بهدف قطع إمكانات التواصل بين إيران وسورية وحزب الله، وهو ما يعمل على منعه الجيش العربي السوري مع الحلفاء من خلال معركة الرقة التي تواجه حرباً شرسة من «داعش»، ومعركة دير الزور التي يُقال إنها على الأبواب.
يبدو أن موسكو استنفدت الوسائل الدبلوماسية لإيجاد تفاهمات مع واشنطن، وأدواتها في المنطقة منذ إعلان «وقف الأعمال العدائية» في شهر شباط 2016، ولكنها أي واشنطن استثمرت هذا الإعلان لإعادة تجميع الجماعات الإرهابية، وتسليحهم، وزيادة عدد عناصرهم، وقيادة العمليات ضد الجيش العربي السوري، والحلفاء بشكل مباشر، الأمر الذي تم رصده في معارك ريف حلب الشرسة، والعنيفة، وهو ما جعل موضوع (الهدنة) أمراً عبثياً، وبلا فائدة، وخاصة أن واشنطن تدافع عن (جبهة النصرة)- فرع تنظيم القاعدة بلاد الشام- لأنها الذراع الأساسية، والعمود الفقري لمخططاتها في سورية.
إن اجتماع وزراء الدفاع السوري، والروسي، والإيراني جاء ليضع الخطط اللازمة، والخطوات اللاحقة لمواجهة ما يبدو أنه يحضر على صعيد (معركة حلب)، وجاءت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق، وتصريحات رئيس أركانه (حول نفاد الصبر) لتؤشر إلى أن موسكو لن تتراجع في دعمها حتى سحق الإرهابيين كما تقول كل المصادر الروسية.
وإذا كان الأميركيون واثقين من نتائج أعمالهم، ومجموعاتهم الإرهابية بمختلف تسمياتها فلماذا هذا القلق، وهذه العصبية لدى جون كيري، وموظفيه؟ وخاصة أن اتصال لافروف به جاء بعد زوال الشحنة العصبية ليؤكد له مرة أخيرة (عدم جواز السكوت عن جبهة النصرة التي تختبئ وراء الفصائل المقربة من الولايات المتحدة الأميركية، وتعمل معهم بشكل وثيق)، وهو ما يعني أن موسكو سوف تضرب كل الفصائل، وعليهم تحمل مسؤولية ذلك كما قال لافروف.
من الواضع تماماً أن أشهراً قادمة ستكون قاسية، وصعبة وأن معارك الشمال السوري ستكون حاسمة بالنسبة للمحورين إذ لا يبدو في الأفق أي حل سياسي مع قناعة واشنطن بإمكانية استمرار استنزاف معسكر المقاومة، وإطالة أمد الحرب، وهو ما تدركه أطراف هذا المحور التي تقرأ رسائل الطرف الآخر التصعيدية في كل أنحاء المنطقة.
من يعتقد أن الأميركي سيذهب إلى طاولة التفاوض دون استخدام القوة فهو واهم، ومن يعتقد أنه بالإمكان لأحد أن يكتب التاريخ من دون قوة فهو واهم؟ فالتاريخ سيكتبه، ويسطره أبطال الجيش العربي السوري، والحلفاء من خلال معارك قاسية وشرسة، لكنها معارك الدفاع عن أرض الشام، وحلب ودير الزور، والرقة، والساحل، وحمص، ودرعا، والسويداء، وكل شبر من أرض سورية، التي بعد خمس سنوات ونصف السنة من أشرس حرب تشن على شعب ودولة، تقول لهم بوضوح شديد، وبصوت عال من قلب دمشق: متى ستتعلمون!!
التعليقات مغلقة.