بناء المواطنة في المجتمع الاردني / علي السنيد
الأردني هو كل من يحمل وثائق الدولة الرسمية ويكون مكتمل الحقوق والواجبات بحكم القانون والدستور، واليد المؤتمنة على المواطنة هي مؤسسات الدولة، وكافة أجهزتها الامنية، وهي التي من أولى واجباتها ان تحمي وترعى انتماء الأردنيين لوطنهم من خلال إشاعة العدالة على قدر متساو فيما بينهم، وابعاد عوامل الشرذمة والفرقة التي تضرب في نسيجهم الاجتماعي، والمواطنة وحدها تكفي للحصول على كافة الحقوق، والخدمات العامة المقدمة للمواطنين في الدولة.
وقد كانت أولى معاول هدم الشعور بالمواطنة في الدولة الأردنية للأسف متمثلة في منح الاستثناءات، وإعطاء حقوق خاصة لفئات محددة، واوجدت هذه الالية في التفريق بين الأردنيين بأيد رسمية شعورا عاما بالظلم، وتفضيل فئات على حساب فئات أخرى، وانسحب ذلك على عديد من مؤسسات الدولة التي أضحت تدار من خلال المحاصصة.
وحالت قوانين الانتخاب التي تم اختراعها اردنيا، دون اندماج الاردنيين، ومنعتهم من الوصول الى حقيقة مواطنتهم، وذلك باعتمادها المعيار المناطقي وعدم تغليب البعد الوطني في الفرز، وكان ذلك يحدث خللا فادحا في وحدة النسيج الاجتماعي، وفي وعي الأجيال الأردنية وكانت هذه القوانين ضالعة في زرع الفرقة بين الأردنيين، واعادتهم الى الاعتماد الاكبر على روابطهم الضيقة، وكانت كل انتخابات تجرى في المملكة هي مناسبة سانحة كي تستعيد الناس فرقتها، وتمزقت انسجة المحافظات، والقرى، وكأن الانتخابات مواعيد رسمية لشق الصف الوطني.
وتبدت الهويات الفرعية من خلف المشهد، وظلت الروابط العائلية هي التي تحدد الفرز الانتخابي على الاغلب، وخرج رجالات دولة محملون بهذه النظرة، واخذوا يرسخونها في المفهوم العام، وحدث ان وزراء ورسميون تعرضوا لإشكالات قانونية بعد مغادرتهم المناصب فلوحوا باللجوء الى قبائلهم، وظل الأردنيون يعتمدون على عصبياتهم، ولم يتركوها لصالح الدولة، وسيادة القانون، والدستور.
وساهمت هذه الأحوال في اخراج العشيرة التي هي منظومة مولدة للقيم ووحدة اجتماعية تنطوي على التراحم والتكافل والتسامح ليصار الى استغلالها لأغراض سياسية، وكي يصل البعض من خلالها الى مواقع صنع القرار.
والنواب الذين فرزتهم المناطقية مارسوا للأسف مرغمين العمل المناطقي، والفئوي، وابتعدوا عن دورهم الدستوري في التشريع والرقابة، واخذوا يدورون في اطار الواسطة والمحسوبية، وتلاشت الأهداف الوطنية في عملهم الدستوري غالبا.
وكان ابتعاد الدولة لعقود عن اعتماد الروابط السياسية التي تدمج الأردنيين في اطار فكري وبرنامج سياسي كالعمل الحزبي مؤذنا بتنامي المناطقية والجهوية في الحياة العامة، وذلك لملئ الفراغ، ذلك ان الحياة المدنية في الدولة عندما اقصيت، وغابت منظمات المجتمع المدني برزت عوامل الفرقة، وتضررت المواطنة ايما ضرر.
في كل الدول المدنية يندمج النسيج الاجتماعي من خلال اليات العمل السياسي المتاحة فتأخذ الأحزاب على عاتقها جمع المؤيدين على برنامج سياسي واقتصادي في كافة ارجاء الوطن، وتأخذ حصتها في مؤسسات الحكم من خلال نسبة الأصوات التي تمثلها، فيتشكل طيف وطني عابر لكافة التقسيمات الطبيعية التي تكتنف الناس، وبالتالي يتبلور مفهوم المواطنة المرتبط بصوت المواطن، ونسبة مساهمته في المؤسسات الوطنية، ويتساوى الناس امام القانون، ويتحصلون على حقوق متساوية امام مؤسسات الدولة التي تنبذ الفرقة، وتحمي وحدة النسيج الاجتماعي.
واليوم لدينا فرصة محتملة في ان ننتقل سياسيا، وننبذ هذا الخراب الذي احدثته قوانين الانتخاب وراء ظهورنا، وذلك من خلال اتاحة المجال لوصول الاحزاب الى مركز العمل السياسي، واعطائها دورها في المجتمع لإعادة تأهيله وادماجه، وتمثيله.
وعندما يجري الفرز النيابي على أساس وطني فيكون مؤذنا بانطلاق عملية سياسية حقيقية قوامها الاحزاب التي تتنافس على أصوات المواطنين من خلال برامجها، وهذا منوط بقانون الانتخاب الذي سيصار الى اقراره في الأشهر القريبة القادمة في مجلس النواب بحيث تصبح المقاعد النيابية مقتصرة على القوائم الحزبية بنسبة الثلث في المرحلة الأولى، وفي الانتخابات التي تلي تكون النصف، وفي الانتخابات الثالثة تصبح بنسبة 65% وذلك بنص القانون.
نحن على مفترق طرق فإما ان نعتمد الالية المعروفة في مسيرة الدول الديموقراطية، ونوكل القوى المدنية لتكون في صميم عملنا السياسي لتوحدنا، واما ان نواصل العمل على هدم وتقويض قيم ومفاهيم ومبادئ الدولة الحديثة في مجتمعنا.
التعليقات مغلقة.