واقع فلسطيني مأزوم.. ما العمل؟ / فيحاء عبد الهادي
فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الإثنين 27/6/2016 م …
إذا كان هناك إجماع على ضرورة الخروج من الواقع الراهن الذي تمرّ به القضية الفلسطينية، وإجماع على ضرورة إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، بين مكوِّنات الطيف السياسي الفلسطيني، ومكوِّنات المجتمع المدني الفلسطيني؛ فما الذي يجعل الواقع الفلسطيني يزداد قتامة يوماً بعد يوم؟ وكيف يمكن أن نفتح الطريق للخروج من هذا الواقع بجرأة ومسؤولية؟ وبأي وسائل؟ وما هي الأدوات المطلوبة؟ ما هي الحلقة الرئيسة التي تضمن الخروج من الطريق المسدود؟ هل نبدأ بإنهاء الانقسام بأي ثمن كما تردِّد بعض القيادات الفلسطينية من طرفي الانقسام أم نبدأ بمراجعة التجربة الفلسطينية، بنجاحاتها وإخفاقاتها، من أجل بلورة مشروع وطني تحرري فلسطيني، قادر على هزيمة المشروع الصهيوني العنصري؟
تمَّ نقاش العديد من الأسئلة التي يثيرها الواقع السياسي الراهن؛ المخنوق، والمتخبط، والمأزوم، من خلال سلسلة حلقات نقاش: “ما العمل”، التي ينظِّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، في فلسطين، والتي يستضيف ضمن حلقاتها قيادات فلسطينية لها مكانتها وفعلها على صعيد الفصائل الفلسطينية، أو المجتمع المدني، ومن مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، بمشاركة عشرات الشخصيات السياسية والأكاديمية والناشطة، في مديني البيرة وغزة، عبر نظام الفيديو كونفرنس.
*****
تسنَّى لي حضور ثلاثة لقاءات من ستة لقاءات نظمها مركز “مسارات”، في مقره في البيرة، منذ كانون الثاني حتى نهاية حزيران، ولمست من خلالها أهمية النقاش حول المأزق الراهن، وأهمية توسيعه ليشمل فئات اجتماعية متنوِّعة، عبر منابر متعددة؛ كي نساهم جميعاً، نساء ورجالاً، في طرح الأسئلة التي تؤرِّقنا، وفي محاولة الإجابة عن الأسئلة الملحة والمتشابكة، التي يطرحها الواقع السياسي الفلسطيني المعقَّد والمأزوم
لفت نظري غياب النساء، ضمن ضيوف اللقاءات الستة؛ رغم وجودهن الفاعل ضمن الحضور؟! وربما كانت خطة استضافة بعض القياديات الفلسطينيات مدرجة ضمن خطة المركز؛ إلاّ أن الملاحظة استدعت قضية يجدر نقاشها، تتعلق بما طرحه ضيف من ضيفي حلقة النقاش، خلال ندوة 30 نيسان 2016، التي ناقشت المدخل القادر على فتح الطريق للخروج من الواقع المأزوم، والوسائل والأدوات المطلوبة لإحداث التغيير، حين أكَّد أولوية إنهاء الانقسام، وتأجيل طرح القضايا الاجتماعية الفلسطينية: “إنهاء الانقسام أولًا عبر البدء بتنفيذ اتفاقات المصالحة (تشكيل حكومة وحدة وطنية)، وتأجيل البحث في البرامج السياسية والاجتماعية إلى ما بعد ذلك، بما في ذلك بلورة الأهداف الوطنية وإعادة صياغة منظمة التحرير والإستراتيجية الوطنية وأشكال النضال”.
*****
أعتقد أن تأجيل البحث في البرامج السياسية والاجتماعية، تحت حجة أولوية السياسي مرَّة، وتحت حجة أن “طرح الأسئلة ذات العلاقة بالبرامج السياسية والاجتماعية يعمِّق الخلاف بين حركتي فتح وحماس”؛ أحد أسباب الداء وليس الدواء؛ إذ هل يمكن بلورة الأهداف الوطنية، وإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، دون الاتفاق على البرنامج السياسي ودون أن تكون القضايا الاجتماعية، في صلب عملية التغيير؟! وهل يمكن أن يتمّ حشد الجمهور الواسع، للانخراط في معركة التحرر الوطني؛ دون الالتفات إلى البرامج الاجتماعية التي تمسّ احتياجات الإنسان الفلسطيني، وتؤمِّن له فرص العمل المناسبة، التي تساعده على الصمود – دون تمييز فصائلي أو عائلي- وتستنهض المجتمع كله لا نصفه؟!
أما إنهاء الانقسام، فقد تبيَّن بالملموس أنه من الصعب أن يتحقق بشكل يضمن له الاستمرار؛ دون الاتفاق على البرنامج السياسي والبرنامج الاجتماعي – الذي يشكّل قاسماً مشتركاً، ليس بين حركتي فتح وحماس فحسب؛ بل بين مكوِّنات الطيف السياسي كافَّة.
*****
هل يؤدي الوضع الاقتصادي المتردي للإنسان الفلسطيني إلى الانغماس في الحياة السياسية، أم يؤدي إلى الانعزال عنها، للانشغال بتأمين لقمة العيش؟ وهل تستطيع المرأة التي تعاني القهر والظلم العائلي والمجتمعي، وتحرم من حرية اختيار الدراسة، وشريك الحياة، والخروج الحرِّ من منزلها؛ أن تشارك في تحرير الوطن؟ وباختصار: هل يؤثر الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والثقافية سلباً على المشاركة السياسية؟ أم يؤثر إيجاباً؟
أعتقد أن معظمنا لمس أثر طرح القضايا الاجتماعية، التي تمسّ حياة الإنسان اليومية، من محاربة الفقر، والغلاء، وارتفاع أسعار المحروقات، والبطالة، والتمييز، والمحسوبية، والفساد، وغياب سيادة القانون، في الالتفاف الجماهيري الواسع، والضاغط لتحقيق المطالب العادلة المنصفة، وفي ربط المطالب الاجتماعية بحرية الوطن. شهدنا التفاف عشرات ألوف المتظاهرين/ات، في مسيرات حاشدة، هدفت إلى تحقيق مطالب المعلمين، والانتصار لقانون ضمان اجتماعي منصف وعادل.
في مسيرة جماهيرية حاشدة، دعا إليها حراك المعلمين الفلسطينيين، يوم 22 آذار، بعد مسيرات مطلبية عديدة، دعت إلى إنصاف المعلمين/ات؛ رفع المشاركون/ات شعارات ربطت بشكل وثيق بين السياسة والقضايا الاجتماعية، في فهم عميق للعلاقة الجدلية التي تربط بينها.
تصدَّر شعار الكرامة الشعارات المطلبية، التي رفعها المعلمون/ات في حراكهم، في وعي عميق بأن تحرير الوطن يحتاج إنساناً يعيش عيشة كريمة، ويعبِّر عن آرائه بحرِّية، ويعتمد الحوار والمشاركة أسلوباً، ليكون شريكاً في الوطن: “كرامة المعلم من كرامة الوطن”، “لا صلاح للأمة إلاّ بصلاح حال المعلم”.
أما مسيرات الضمان الاجتماعي؛ فتصدَّرها شعار رئيس: “العدالة الاجتماعية طريقنا للحرية”.
ولا شكَّ أن شعاري الكرامة والعدالة الاجتماعية؛ شعاران اجتماعيان وسياسيان بامتياز، يربطان بين النضال الوطني، والنضال الاجتماعي؛ بطريقة خلاقة ومبدعة.
*****
يتبيَّن من خلال دراسة تجارب الشعب الفلسطيني، الذي عانى طويلاً من الاستعمار، والاحتلال، والشرذمة؛ أن لا بديل عن ربط السياسي [إنجاز مهمة التحرر الوطني]، والاجتماعي [النضال الطبقي والنوع الاجتماعي]، من أجل تحقيق الوحدة الوطنية القادرة على الثبات والاستمرار؛ للخروج من الواقع الفلسطيني الراهن المأزوم، ولبلورة مشروع وطني تحرري، قادر على مواجهة المشروع الصهيوني العنصري، وقادر على الانتصار.
التعليقات مغلقة.