مرايا الفكر (7) / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد* ( سورية ) – الخميس 3/3/2022 م …
* مفكر وباحث
مرايا فكرية – الحلقة (7)
مراد غريبي يحاور الباحث الأكاديمي النهضوي د. عدنان عويّد.
خاص موقع صحيفة المثقف: يستضيف موقع صحيفة المثقف, الباحث الأكاديمي الأستاذ الدكتور عدنان عويّد، ضمن مرايا فكريّة، وحوار شامل أجراه معه الأستاذ الباحث مراد غريبي، حول قضايا الفكر والهوية واللغة والنهضة في العالم العربي، فأهلا وسهلا بهما:
المحور الأول: قضايا الفكر والهويّة والتراث:
س8: ا. مراد غريبي: واقع الهويات في المجال العربيّ يعكس أزمة إشكال تاريخيّ حول الحريّة، هل الخصوصيات الاثنيّة والدينيّة والطائفيّة والثقافيّة أصبحت عبءً على بناء مرجعية ثقافيّة جامعة لوعي الحريّة المشتركة وترجمتها في عقد اجتماعيّ مناسب؟
ج8: د. عدنان عويد: إن من إشكاليات النهضة والتقدم والتنمية، وأخيراً الاستقرار الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ في عالمنا العربيّ هو تعدد مكونات هذه الأمّة الدينيّة والأثنيةّ.
وهذا التعدد الدينيّ والاثنيّ، لعبت فيه عوامل تاريخيّة قديمة أهمها، ما سميّ بالفتوحات الإسلاميّة، التي جمعت تحت مظلة الخلافة شعوباً كثيرة لها ثقافاتها ومكونات وجودها الخاصة بها لم يستطع خلفاء هذه الأمّة وقادتها صهر هذه المكونات في بوتقة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وثقافيّة واحدة، رغم أن الأيدولوجيّة الدينيّة في سياقها الفكريّ العام هي دعوة للتوحد من جهة، ودعوة لنشر العدالة والمحبة والتسامح من جهة ثانية، ولكن شهوة السلطة وتركيز الخلافة تاريخيّا في البيت القريشيّ ساهم في خلق نزعات قبليّة منذ السقيفة، ثم راحت تتوسع هذه النزعات لتتحول إلى صراعات مع وصول الأمويين والعباسيين للسلطة، حيث رحنا نجد تلك المعاملات غير الإنسانيّة تجاه الموالي, أي الأقليات الدينيّة والعرقيّة، هذه الأقليات التي لم ترض بدورها عن ذلها وإهانتها، وعبرت عن ذلك في ردود أفعال سياسيّة وثقافيّة كثيرة ظهرت بأعلى صورها مع ما سمي بالحركة الشعوبيّة في زمن ضعف الدولة العباسيّة، هذه الحركة التي راحت تنال من العرب ومكانتهم التاريخيّة وثقافتهم، فكان للكتاب والمؤرخين العرب ردود أفعالهم اتجاهها على عدّة مستويات، حيث ظهرت كتب تدافع عن اللغة العربية وأهميتها ودورها كلغة القرآن، كما وجدت كتب تدافع عن العرب ونسبهم وغير ذلك ككتاب تاريخ أنساب الأشراف للبلاذري، والبيان والتبيين للجاحظ. والأصمعيات والمعضلات للضبي، وكتاب المعارف لابن قتيبة، وكان هناك فتوح البلدان، وغير ذلك.
إن هذا التعدد في مكونات هذه الأمّة، ظل قائماً ونشطاً منذ ذلك التاريخ حتى اليوم. وقد لعب المستعمر الأوربيّ في تاريخنا الحديث والمعاصر على وتره من أجل إضعاف هذه الأمّة أكثر مما هي ضعيفة، وبالتالي السيطرة عليها والتحكم بمقدراتها، وقد ساعدها علي ذلك أنظمة سياسيّة متخلفة لم تراع خصوصيات واقعها، فراحت تشتغل بعقليّة العشيرة والقبيلة والطائفة في إدارة أمور بلادها، رغم أن بعض هذه الأنظمة ادعت العلمانيّة والديمقراطيّة والمواطنة ودولة المؤسسات، ولكن كل ما كانت تدعي به، ليس أكثر من شعارات براقة لتلهي به من تحكمهم وتذر الرماد في عيونهم، في الوقت الذي تمارس فيه سراً وعلناً كل ما يساعد على تثبيت مواقعها في السلطة من جهة, وتفتيت اللحمة الوطنيّة وزرع الحقد والكراهية بين مكونات شعوبها من جهة ثانية.
من هذا المنطلق الذي جئنا عليه، لم تزل النزعة الفرعونيّة قائمة، وكذلك الفينيقيّة والأمازيغيّة والبربريّة والكرديّة والتركمانيّة، يضاف إليها النزعات الدينيّة على مستوى الديانات الكبرى وتفرعاتها الطائفيّة والمذهبيّة، من سنة وشيعة.. فالسنة مثلتها المذاهب الأربعة المعروفة، والشيعة توزعت طوائف ومذاهب وفرق أيضاً، وكل من هذه المذاهب والطوائف يتربص ببعضه ويحاول النيل من فكره الدينيّ ومكانته الاجتماعيّة والسياسيّة. وهذا الصراع بينها وجدت فيه القوى الاستعماريّة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى اليوم، الأداة الفعالة في تقسيم واضعاف هذه الأمّة. فهذه حملات التبشير كما بينا سابقاً قامت باحتضان هذه الأقليات الدينيّة والعمل على تفتيتها إلى مذاهب وطوائق، بحيث رحنا نجد الطائفة الدينيّة الواحدة تتناهبها الدول الاستعماريّة المسيطرة وتحاول كل دولة ضم قسم منها لصالحها، فطائفة السريان العرب راحوا يتفتتون إلى سريان كاثوليك وسريان بروستانت وسريان لاتين.. الخ.
إن مشكلة الأقليات الدينيّة والعرقيّة في عالمنا العربيّ تحولت اليوم كحصان طروادة بيد الغرب وأمريكا والصهيونيّة في عالمنا العربيّ، فكل مكون التجأ لقوى أجنبيّة تحميه وتقدم له الدعم الماليّ والسياسيّ من أجل انفصاله عن جسد الأمّة العربيّة, أو عن جسد الدولة الواحدة من دول هذه الأمّة، أو من أجل إيجاد خلل في استقرار هذه الدولة أو تلك واستنزاف أموالها في حروب أهليّة لم تعد خافية على أحد.
لاشك أن كل الذي جئنا عليه هنا، ساهم في خلخلة المسألة الثقافيّة أيضا، فبدلاً من استخدام الفكر العقلانيّ التنويريّ من أجل وحدة هذه الأمّة ونهضتها، رحنا نجد توجهات محمومة نحو بلورة لغات تتعلق بهذه الأقليات، وتوجهات فكريّة ذات نزعات عرقيّة أو طائفيّة، كلها تعمل على إضعاف هذه الأمّة وزعزعت استقراها.
كاتب وباحث من سوريّة
التعليقات مغلقة.