الاتفاق التركي الإسرائيلي .. نهاية وهم / د وليد القططي
د وليد القططي ( الأربعاء ) 29/6/2016 م …
مع اقتراب موعد التوقيع على الاتفاق التركي الإسرائيلي المرتقب الذي يقضي بالعودة إلى تطبيع العلاقات بينهما بعد قطيعة استمرت ست سنوت على أثر حادثة سفينة مرمرة ، يقترب معه نهاية وهم عاشه البعض من الذين بنوا آمالاً كبيرة على الدولة التركية فيما يتعلق بعدائها للدولة العبرية ، بدون إدراك لعمق التحالف الاستراتيجي بين الدولتين المرتبط بتوّجه تركيا نحو الغرب ودورها الوظيفي في إطار عضويتها في حلف الناتو ورغبتها في دخول الاتحاد الأوروبي …ولكي نصل إلى نهاية الوهم لا بد أن نعود إلى بداية الحقيقة في العلاقات التركية الإسرائيلية.
مرت علاقات تركيا بدولة (إسرائيل) بأربع محطات رئيسية ، سيكون الاتفاق المرتقب هو خامسها. ففي عام 1949 كانت أولى هذه المحطات باعتراف تركيا ب(إسرائيل) فكانت بذلك ثاني دولة إسلامية بعد إيران الشاه تعترف بها . والمحطة الثانية في عام 1958 عندما وقّعت الدولتان معاهدة تعاون استراتيجي بينهما في مختلف المجالات لمقاومة النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط الموّجه أمريكياً . أما في عام 1996 فكانت المحطة الثالثة التي وقّعت الدولتان فيها اتفاقية أُخرى للتعاون الاستراتيجي أصبحت تركيا بعدها أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي ، وأكبر جاذب للسيّاح الإسرائيليين ومكاناً لتدريب الطيارين والبحّارة الإسرائيليين في الأجواء والمياه التركية. والمحطة الرابعة بعد حادثة سفينة مرمرة عام 2010 حيث تعرّضت تلك العلاقات لنكسة كبيرة ، وتضررت المصالح الاقتصادية والعسكرية والأمنية المتبادلة بين الدولتين. أما المحطة الخامسة والأخيرة فهي المتوقعة بعد توقيع الاتفاق المرتقب ، والتي ستعود فيها العلاقات إلى سابق عهدها قبل حادثة سفينة مرمرة لكسر الحصار على غزة.
وقبل المحطة الأخيرة المتوقعة استجابت (إسرائيل)لشرطين من شروط تركيا الثلاثة لعودة العلاقات وهما شرطي الاعتذار والتعويض ، ولم يبق إلا شرط رفع الحصار عن غزة ، غير أنّ التعنت الإسرائيلي كان أقوى من الإصرار التركي الذي أصابه الوهن تحت ضغط المتغيرات الدولية والإقليمية التي لم تكن لصالح تركيا مؤخراً خاصة خلافاتها مع محيطها الإقليمي ومع روسيا و إلى حدٍ ما مع أمريكا ، كما أنّ الرغبة في تحقيق المصالح الاستراتيجية لتركيا المرتبطة بعلاقاتها مع (إسرائيل) أهم من الرغبة في المحافظة على المبادئ الأخلاقية السياسية .فأصبحت حاجة تركيا إلى إنهاء الخلاف مع الكيان الصهيوني مُلحّة كما عبّر عن ذلك سابقاً السيد أردوغان بقوله ” إسرائيل في حاجة لبلد مثل تركيا في المنطقة ، وعلينا أيضاً القبول بحقيقة أننا نحن أيضاً في حاجة إلى إسرائيل ، إنّها حقيقة واقعة في المنطقة .” ونتيجة لهذه الحقيقة اكتفت تركيا بتخفيف الحصار عن غزة بدلاً من رفعه ، واكتفى الكيان الصهيوني بتعهد تركيا بمنع حماس من الأعمال العدائية ضدها من الأراضي التركية بدلاً من طردها .
وهذه الحقيقة حول العلاقات التركية الإسرائيلية لا تناقض حقائق أخرى لا تقل عنها أهمية ورسوخاً ، وهي أنّ الشعب التركي المسلم يحب الشعب الفلسطيني ويتعاطف مع قضيته ويدعم صموده ويرتبط عاطفياً – ككل المسلمين – بالقدس والمسجد الأقصى ، وأنّ حزب العدالة والتنمية الإسلامي التوّجه والإخواني الهوى برئاسة السيد رجب طيب أردوغان قد حاول بكل جهده منذ وصوله إلى السلطة عام 2003 مساعدة الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته ودعم صموده خاصة في غزة المحاصرة… ولكن كل ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نتجاهل حقائق السياسة التي يجب أن تُبدد أوهام الساسة ، وليكن نهاية هذا الوهم هو بداية لمنهج واضح وطريقٍ سوي في بناء علاقاتنا وتحالفاتنا مع الأخرين ترتكز على رؤية وطنية واضحة مركزها فلسطين وقلبها القدس .
التعليقات مغلقة.