تبا لك أيها الإرهاب .. دعنا نعيش ( قصة ).!! / إيمان العكور

 

إيمان العكور ( الأردن ) الخميس 30/6/2016 م …

لطالما ألححت على ابي ان يصطحبني معه ولو مرة واحدة الى صلاة العيد في الجامع القريب من بيتنا.. رغم ان ابي لا يذهب كل يوم للصلاة في الجامع..! ولكنه كان يرفض ويقول لي انت لا زلت صغيرا ابق في فراشك الدافئ كي لا تمرض ..!

وكنت اجلس قرب النافذة الصغيرة استمع الى صوت الأذان رغم أني لم اكن افهم كل ما يقال فعمري لم يكن قد تجاوز السادسة والنصف، ولكن موسيقاه والصدى الذي يردد من خلف المؤذن.. كانت كلماته تطربني وتشدني بطريقة كنت أستغربها.. وكنت متأكدا ان هناك علاقة خاصة بيني وبين ذلك الصوت..!

وتحت الحاحي المزعج وافق ابي بشرط ان تكون درجاتي في مادة الرياضيات مرتفعة.. شرط تعجيزي لان والدي يدرك ان حالة من الجفاء ولدت منذ ولدت بيني وبين كل الأرقام..! كنت اعشق اللغة العربية وموسيقى حروفها حتى قبل ان أتعلم قراءة الحروف ..!

ومع ذلك قبلت التحدي وحفظت ثلاثة من جداول الضرب (التي ضربت دماغي من كثر تكراراها).. طبعا والدي ورغم فرحه بانجازي، الذي حتى انا لم أصدقه، كان عليه ان ينفذ وعده ويصطحبني معه الى الجامع فجر اليوم الثاني لصلاة العيد.

لم تغمض عيناي تلك الليلة.. وكأني كنت أخاف ان اغمضتهما الا استطيع ان افتحها مرة اخرى ..!!

ارتديت ملابسي الجديدة التي احب وتوضأت كما علمونا في حصة الدين وجلست قرب النافذة انتظر الفجر الجديد الذي يحمل لي حلم العمر..!

وبدأت انسج خيوط القصة التي سأرويها لاصدقائي في المدرسة حول حلمي وأداء صلاة العيد في الجامع..!

وما ان سمعت صوت والدي في الحمام يستعد للوضوء حتى قفزت من السرير الدافئ ووقفت على باب البيت كي امنع اي تلاعب من ابي في اصطحابي معه..!

وما ان رآني حتى ابتسم وقال اعتقدت انك نائم وخفت ان اوقظك.. ! ولكن فات الأوان فقد تورط ابي وانا في أتم الاستعداد ليومي الذي سيغير تاريخ عمري ..؟

لا ادري لماذا حملت معي دفتر اللغة العربية الى الصلاة ..!

رغم ان الجامع لا يبعد عن منزلنا كثيرا، الا أني شعرت وأبي يمسك يدي بقوة ان العالم كله هو ملكي.. ان الحياة رغم كل ما اسمع من ابي وأصدقائه واشاهد احيانا في التلفزيون من رعب وخوف، شعرت باني احب الحياة وكاد قلبي يقفز من بين ضلوعي وانا اقترب من درجات الجامع وصوت الأذان يملأ روحي حتى تحول النبض في قلبي الى سيمفونية الوان وأحلام لغد اجمل..!

تركت حذائي الجديد في الزاوية عند المدخل.. وأسرعت كي يكون مكاني في الصلاة في الصفوف الأمامية خلف الامام الشيخ عبدالله الذي يزور ابي احيانا يشربان الشاي معا ..!

ابتسم الشيخ عبدالله عندما رآني وقال لي : اهلا بك يا بني ..!

كان كل فرح العالم لا يوازي فرحتي تلك اللحظة .. فالعيد اليوم اصبح مئة عيد ..!

امتلأ الجامع بالمصلين وفرحت انني كنت أقف قريبا من الشيخ عبدالله الذي كان يبتسم لي كل لحظة وأخرى.. كيف لا وديننا يعلمنا ان الابتسام في وجه أخيك صدقة.. ان الأخلاق والتسامح وحب الغير هي أصل الدين ..!

ما ان انتهت التكبيرة الاخيرة من صلاة العيد حتى شعرت بأنني أطير في السماء ..وألوان تتناثر هنا وهناك..! وصوت بعيد يناديني ان أعود ..!؟

وبعدها حل الظلام ..؟

ها انا الان مسجى على الارض الباردة..

عيناي مفتوحتان، لا أستطيع أن أغلقهما، ولا أظنّني أريد ذلك.

لا أريد أن أنام. على الأقل، ليس الآن..

يداي متعانقتان فوق صدري.

تغير شكل ملابس العيد التي ارتديتها في الصباح.. اختفت ألوانها الزاهية ..!

وثمة ثقب في رأسي .. وثقبٌ آخر أكثر اتساعاً في بطني

حجارة وتراب وصرخات تناثرت في كل مكان.. ورائحة لحم محترق وبقايا إنسان ..!

تطايرت بعض أوراق دفتري الذي سقطت عنه النجمة الذهبية التي وضعتها المعلمة لي قبل يومين لأني نلت علامة كاملة في الإملاء .. الان تذكرت لقد أخذت دفتري الى الجامع كي اتباهى بالنجمة عليه..!

ولكنها احترقت كغيرها من النجمات التي كانت تزين جدران جامعي الصغير..

أشتم رائحة أمي.. انها الان تحضر لنا فطور العيد وأخوتي الصغار يتراكضون في البيت في انتظار ارتداء ثيابهم الجديدة والخروج الى الأرجوحة الخشبية التي يصنعها كل عيد ابو علي.

قد تزعل امي لو عرفت أن ملابسي التي اشترتها للعيد قد تمزقت ولن يعود بمقدور اخي الصغير ان يلبسها بعد سنة ..!

أراها تنظر كل دقيقة من النافذة تراقب السماء وتدعو ان نعود وأبي سالمين ..!

أبي .. أبي.. اين انت .. ! لم تترك يدي لحظة وكنت ملتصقا بي ونحن نصلي ، لماذا لا أراك الان ..!

شعرت لحظتها بالخوف.. هل تركتني ابي وحيدا..! ولكن من غير المستحيل انا اعرف ابي روحه معلقة بروحي، لطالما سمعته يخبر والدتي بذلك ..!

روحه معلقة بروحي.. نظرت وإذ بحضن لا يزال دافئا يلفني بعباءته .. انها رائحة حضن ابي، كل روائح العالم لا يمكن ان تغيرها.. رائحة مليئة بالحب والحنان والعطاء وحب الناس والأخلاق ..!

كان ابي يحتضنني.. كيف لا ، وروحي معلقة بروحه ..!

دماء غطت وجهه.. وسيخ حديدي حقود اخترق قلبه الدافئ وأحاله الى سكون..!

آآآآه على قلب امي ..! ترى كيف ستحتمل رحيلنا ..!

أتأمل وجهها، الذي ظل طوال الليل معلقاً في سماء الله، وقد أضاءته دموع صامتة وصلوات مخنوقة وقد انصهرت معالمه.. لابد وأنها قد سمعت دوي الانفجار ..لابد وان قلبها قد انفجر هي الأخرى..!!

أرجوك امي .. اعتني باخوتي فأنا وأبي الآن في السماء نرقبك من بعيد.. وعيوننا تحرسكم جميعا..!

ازرعي الحب في قلوب اخوتي كما كنت دائماً.. علميهم ان الدين لا يقتل احدا..!

ان الدين كما علمني ابي يعني ان تحب الخير لغيرك ..!

اما انت يا من سرقت مني فرحة العيد ..!

يا من تسللت الى حلمي ووقفت بجانبي في الصلاة وانت تخبئ كل ذلك الحقد داخل عباءتك..!

أتذكر عندما مددت لك يدي بالسلام بعد انتهاء الصلاة.. كما يفعل الجميع وقلت لك ( ينعاد عليك بالخير ) .. لم ترد السلام وقرأت في عيونك خوفاً لم افهم سببه وقتها.. لم اكن اعلم ان يدك كانت تستعد للضغط على الزناد لإنهاء حلمي .. لسرقة فرحة ابي والشيخ عبدالله وأصدقاء الحارة ..!

وماذا بعد.. !

لماذا أنهيت الحياة.. من سلمك مفتاح العمر لتقرر قتل نبضي ..!

ماذا قالوا لك ..؟ كيف اقنعوك ان قتلنا هو مفتاح حياتك القادمة..!

ها انت تتطاير قطعا سوداء مليئة بالحقد والكراهية .. لن ترى إخوتك ولن تسمع دعاء والدتك ، تماماً مثلي..!

ولكن الفرق ما بيننا ان السماء فتحت ذراعيها لي ولأبي وكل أصدقائه، في حين انها أغلقت ابوابها في وجهك فهي لا تستقبل الا من يملأ قلبه بالحب والإيمان .

اما انت ايها الزعيم الذي تعطي أوامر القتل ..!

الآن، وقد انتهى كل شيء، أو هكذا تحسب، سوف تعود إلى منزلك، تجلس أطفالك على حجرك.. تمطرهم بكلمات الحب التي تخفي داخلها رائحة الدم والقتل.. سوف يسألونك عن الهدايا التي أحضرتها لهم..! أتراك أخذت لهم تذكاراً من قصصنا ومن لحمنا ومن حلمنا..؟

قد يسألونك عن الرائحة الغريبة على ملابسك فتقول لهم: “ لا شيء .. لا شيء…

تسرع الى الحمام لاعتقادك ان منظفات العالم ستزيل رائحة الغدر ..!

ولكن هيهات ..!

تلك هي رائحة خبزنا ودمنا المسفوح ..! هي رائحة الغد الذي سرقته منا، هي رائحة شوقنا المجهض قبل بزوغ الشمس..!

هي رائحة ليلنا وبردنا.. !

هي رائحة خوفنا ورُعبنا وأجسادنا المحروقة ..!

هي رائحة ياسميننا المجروح … هي رائحة موتنا.

ستتعود مع مرور الأيام على الرائحة.. فمثلك اعتاد على قتل الصغار ..

ولكن أعدك أني لن أفارق حلمك او صحوك..!

انظرْ في عيوني جيدا.. تأمّل وجهي، احفظه جيداً، لأنك سوف تراني كثيراً.

سوف اجلس على مائدتك كل صباح عندما تتناول الإفطار مع أطفالك.. ساجلس معكم بملابس العيد المضرجة بالدماء وبرأسي المثقوب.. ستعيش في غرفكم الاحلام التي سرقتموها مني ومن اصدقائي.. ساتسلل الى غرف نومكم الفارهة، أندس مع أطفالك تحت البطانيات الدافئة،، لكني لن أنام ..!

لتظل عيناي مفتوحتين…

انظرْ في عيني..!

اعتباراً من هذه الليلة وكل الليالي القادمة.. سوف يكون ليلي هادئاً..

أمهاتي وأمهات أصدقائي لن يبكين .. وستروي لي امي الحكايات ذات النهايات السعيدة.

سوف أحيا رغما عنك.. سأملأ التجويف في رأسي وبطني وأوقف نزف الدم..!

سوف أحيا رغما عنك ..

سأفوز بعشرات النجمات الذهبية، سألصقها على جبيني وعلى أرضي وفي سمائي.

سوف تنبت لي عشرات الأذرع من تحت الأرض ومن السماء …

أذرعي ستعانق أغصان الشجر، وترفرف مع أجنحة الطيور المحلقة فوق سياجنا وفوق أرواحنا…

انتظرني يا من أمرت بقتلي..!

ستطولك ذراعاي التي اعتقدت انك قطعتها ..سوف تصل إلى سمائك ووجودك غير الحصين..!

ذراعاي .. سوف تقبض على روحك…!

………………..

الاسم : احمد وعلي ويوسف وكل الأسماء

البلد. : العراق والاردن وسوريا وكل الوطن العربي

العمر. : انتهى قبل ان يبدأ

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.