عودة اليهود إلى أوكرانيا.. وتصحيح مسار التاريخ / تمام سليمان
تمام سليمان – الجمعة 11/3/2022 م …
أوكرانيا هي الموطن الأصلي لمعظم يهود العالم. دعونا نسمّ الأمور بمسمياتها بوضوح. هذا ما يقوله التاريخ القديم والحديث، وهذا ما يعبر عنه واقع الحال في العصر الحديث بهجرة اليهود الشقر، الذين لاعلاقة لهم بالسامية السمراء، من شرق أوروبا إلى الكيان المصطنع الناشئ على أرض فلسطين مع بداية القرن العشرين.
طال الزمان على أبناء مملكة الخزر اليهودية، وهم من أصول تركية، والتي ازدهرت من القرن السابع إلى العاشر الميلادي واعتنق أبناؤها الديانة اليهودية هرباً من المسيحية والإسلام، ليعودوا إلى موطنهم في أوكرانيا حيث أسسوا أول دولة ليهود الخزر في منطقة القوقاز حتى مدينة كييف التي كانت تحت سلطان مملكة الخزر قبل أن تصبح بيد الروس. وكانت عاصمة الخزر مدينة (آتل) وهي كلمة تركية تعني النهر العظيم، للدلالة على نهر الفولغا.
وازدهرت دولة الخزر في نهاية القرن الثامن الميلادي، في زمن هارون الرشيد في بغداد، و(شارلمان) ملك أوروبا. ومن المعلومات الموثقة في التاريخ رسالة أرسلها اليهودي حسداي بن شبروط، طبيب ووزير الخليفة الأندلسي (عبد الرحمن الناصر) في منتصف القرن العاشر الميلادي، إلى ملك الخزر يوسف يستفسر فيها عن وجود مملكة تسمى مملكة الخزر وإن كان ذلك صحيحاً فسيترك كل امتيازاته مع العرب في الأندلس ليهاجر إلى مملكة الخزر التي يتمنى أن تكون موطناً لليهود، رغم أن حسداي أكد لملك الخزر يوسف أن العرب في الأندلس يعاملون اليهود أفضل معاملة. وهو بذلك، كما يقول كوستلر، يميز معاملة العرب لليهود عما عوملوا به عندما طُردوا من إنكلترا عام ١٠٩٢م، ومن فرنسا عام ١٣٠٦م في عهد الملك فيليب لوبل.
واعتنق الخزر اليهودية بعد تردد في اعتناق الإسلام تهرباً من الزكاة، وبعد تردد في اعتناق المسيحية خشية سيطرة الإمبراطورية الرومانية الشرقية في القسطنطينية التي كانت تحتل جزءاً من الأراضي المتاخمة للخزر. فقرر ملك، أو (خاقان) الخزر كما كان يُدعى، اعتناق اليهودية عام ٧٤٠م مع حاشيته والطبقة العسكرية الحاكمة معه.
وكانت لغة الخزر التركية، علماً أن لفظ “تركي” كان يشير إلى لغة وليس إلى أمة كما تذكر المصادر التاريخية. وكلمة (الخزر) في أصولها التركية من (خاز) أي تجول، أي البدوي أو الهائم على وجهه، كما يقول المؤرخ الهنغاري (آرثر كوستلر).
وعاش بين الخزر القوزاق وهم من السلاف المسيحيين الذين عملوا تحت إمرة النبلاء البولونيين ثم تفرقوا على ضفاف نهر الدنيبر في مدينة كييف وحولها، واعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي. ويَعتبر بحاثة اللغويات أن كلمة (قوزاك) تعود إلى (كازاك) المشتقة عن (خزر) وهي مترادفة في منطقة شرق أوروبا مع كلمات (تتار وتركي ومغولي).
وحتى لفظة (تركي) فيقول كوستلر إنها من أصل صيني واقتُبست من اسم لأحد التلال واستُخدمت فيما بعد للإشارة إلى كل القبائل الناطقة بالتركية، أي أن علماء الأجناس كانوا يستخدمون كلمة (تركي) حول من يتحدث التركية لا حول عرق بعينه.
وتذكر الحوليات الروسية وفق المؤرخ الهنغاري آرثر كوستلر أن الأمير الاسكندينافي (روريك)، الذي استقر في (نوفوغورود) وأخضع لسلطانه الشعوب السلافية القديمة ومستوطنات الفايكينغ والفنلدنيين الطامعين بأوكرانيا آنذاك، أرسل اثنين من رجاله ليستطلعا في الجنوب أفضل الأماكن على ضفتي نهر الدنيبر هما (أوسكولد) و(دير)، فرأى الرجلان موقعاً هو مدينة (كييف) التي سيطر عليها الخزر فاستقرا في (كييف) واستقطبا الكثير من أهل الشمال ليقيموا في (كييف). وبعد عشرين سنة من وفاة (روريك) في ٨٧٩م، زحف (أوليغ) ابن (روريك) على (كييف) وضمها إلى سلطانه. وسرعان ما تفوقت (كييف) على (نوفوغورود) في الأهمية وأصبحت عاصمة الفرنجة Varangians ويقال إن السلاف الذين أصبحوا تحت حكم الاسكندينافيين (روريك) و(أوليغ) أطلقوا على حكامهم اسم Varangians أو Rus ويرى كوستلر أن معناهما في النرويجية “رفاق العهد” Pledged Companions و”المتجولون” Roamers لتصبح (كييف) أم المدن الروسية ومهد أول دولة روسية في عام٨٦٢م.
إذاً لم يكن الرئيس الروسي بوتين مخطئاً في التاريخ والجغرافيا عندما قال إن أوكرانيا هي “أم روسيا”.
قضى الروس على الخزر مرتين، الأولى في القرن السابع عشر فيما عرف بحر (روس كازان) وهي في المناطق الجنوبية لنهر الفولغا، والثانية في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي حين دمروا عاصمتهم (آتل). وبقي الخزر محتفظين بوجودهم إلى أن احتلهم المغول بقيادة جنكيزخان في منتصف القرن الثالث عشر. ولكنهم قبل ذلك التاريخ وبعده، كانوا قد أرسلوا فروعاً كثيرة من سلالتهم وأسهموا بذلك في تكوين جاليات يهودية كثيرة في أوروبا. ومن هنا انتشر يهود الخزر في أوروبا بشكل كبير، ثم كانوا الأداة الرئيسية للاستعمار البريطاني بزرع الكيان الإسرائيلي في فلسطين بدعوى انتمائهم للدين اليهودي وبمسرحية تاريخية معروفة بالوعد الإلهي لليهود.
وبقيت في (كييف) جماعات يهودية خزرية ذات نفوذ قوي وازداد حجمها بالمهاجرين الخزر الذين وفدوا إليها قبل أن تقضي عليها القوات الروسية. حتى أن الحوليات الروسية كانت تشير إلى كييف بأنها “بلد اليهود”Zimlya Zhidovskaya.
ويعني ذلك ببساطة أن الموطن الأصلي ليهود أوروبا هو أوكرانيا والقوقاز، لا فلسطين أو موطن الشعوب السامية التي زُوّر الادعاء التاريخي فيها ونجح إلى حد كبير. وهذه المعلومات موثقة في مصادر المؤرخين العرب وأهمهم ابن فضلان والمسعودي والاصطخري والبلخي واليعقوبي وابن النديم والدمشق وياقوت الحموي، والتي بنى عليها المؤرخ الهنغاري اليهودي (آرثر كوستلر) معلوماته في كتابه الشهير (امبراطورية الخزر وميراثها).
وما تهمنا هنا هي الخلاصة التاريخية بأن موطن يهود الخزر هو مدينة كييف مع مدن أخرى في حوض نهر الدنيبر لا فلسطين التي زورت بريطانيا قصة الوعد المشؤوم بأن تكون وطناً لليهود، دون أي دليل تاريخي أو مادي، سوى إضافة مستعمرة بريطانية جديدة لتكون موطئ قدم لها ولتتخلص أوروبا من اليهود الذين كانوا يشكلون عبئاً كبيراً عليهم اعترف به كل ساسة الغرب عبر الأطلسي من أمريكا وعلى لسان بنجامين فرانكلين أحد مؤسسي الاستقلال الأمريكي، إلى بريطانيا وسائر أوروبا غرباً وشرقاً. وجاءت الحرب العالمية الثانية حلاً لمشكلة اليهود الذين نجحوا بتلفيق قصة المحرقة، وكأن الحرب العالمية لم تقتل سوى اليهود، وبدأت قصة تعويض اليهود بأرض من شعب ثالث لا علاقة له بالحرب العالمية بل كان ضحيتها. وبذلك، تنكرت ألمانيا بعد الحرب لما فعله نظامها النازي السابق باليهود، واعتبر الأوروبيون أنهم قاموا بواجبهم في معاداة النازية التي انبثقت من ألمانيا نفسها، بتأييد حق مزعوم لليهود في فلسطين، وربحوا براءتهم من قتل اليهود بتعويضهم وطناً جديداً. وكانت فلسطين والعرب الضحية بزرع هذا الكيان المصطنع على أسس ساقطة في التاريخ بأن يهوديتهم، وهم أقوام خزرية تركية لا علاقة لهم بالعرب أو الساميين، تخولهم لاستيطان أرض عربية ليست لهم. والقصة معروفة.
والآن، وبعد العملية العسكرية في أوكرانيا، علينا نحن العرب أن نؤيد “حق” هؤلاء اليهود الذين استوطنوا في فلسطين بأن يعودوا إلى “موطنهم الأصلي” في أوكرانيا. وهنا نسميه “حقاً” لأنهم فعلاً أبناء تلك المنطقة، فعندما نتحدث عن حقوقنا يجب أن نعترف بحقوق الغير. وما المظاهرات التي قامت في الكيان الإسرائيلي حول الوضع في أوكرانيا إلا تعبير عن حنين يهود أوروبا الذين استوطنوا فلسطين زوراً ليعودوا إلى أرضهم الأصلية التي يرونها الآن تحت الحرب.
و(آرثر كوستلر) ليس الوحيد الذي كتب عن ذلك، فهناك المؤرخ الهنغاري (أفنال بارنا) صاحب كتاب “المجتمع المجري في القرنين السابع والثامن”، وهناك اليهودي الأوكراني (أبراهام بولاك) أستاذ التاريخ اليهودي في جامعة تل أبيب في فلسطين المحتلة، مؤلف كتاب “خازاريا” في عام ١٩٤٤. وقد اعتبر هذا اليهودي الأوكراني أن الشعب الخزري هو نواة مستوطنة اليهود الكبرى في شرق أوروبا. ولا أدل على صحة كلامه من المظاهرة التي خرجت في الكيان الإسرائيلي بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي طالبت بنصرة أهلهم يهود أوكرانيا.
فإذا صح كلام بولياك، وهو الكلام المنطقي بأن الشعب الخزري هو نواة مستوطنة اليهود في شرق أوروبا، فالموضوع هو استيطاني لا ديني، أي أن قيام مستوطنة يهودية في أوكرانيا يَعتبر أن نواة اليهود في شرق أوروبا لا يبرر بطبيعة الحال الأساس الديني لنشوء إسرائيل وفق وعد ديني مزعوم. فلندعم بولياك في نظريته بأن يتجمع اليهود في مملكتهم حيث كانوا، وليكتب الكتّاب عن ذلك.
وبناء على ذلك وغيره مما جرى في التاريخ، فإن معظم يهود العالم يعودون بأصولهم إلى حيث قامت دولة الخزر في حوض نهر الدينيبر في أوكرانيا وما حولها، لا إلى حوض نهر الأردن وفلسطين؛ وهم قوقازيون لا علاقة لهم بإبراهيم وإسحق ويعقوب. وسحنتهم أكبر دليل على ذلك. فأين القرابة من الساميين وما هي “اللغة السامية” التي يتكلمونها؟
إذاً الأرض الموعودة هي كييف وما حولها من المناطق التي ازدهرت في عصر مملكة الخزر، وهذا كلام منطقي يؤكده التاريخ والجغرافيا، وهو أقرب إلى العقل البسيط للأوروبي والأمريكي الذي صدق بكل سذاجة أن الله خص مجموعة من خلقه دون غيرهم بقطعة أرض.
ولنقل بصراحة إن العرب لن يحاربوا اليهود ولن يطردوهم من فلسطين، ولكن ألا يستحق الأمر، أمام عجز العرب عن محاربة إسرائيل أو انتقادها على الأقل من قبل البعض، أن يكتبوا عن أصل اليهود في مملكة الخزر؟
ألا تأخذنا العصبية الإنسانية على الأقل، إن لم يحركنا الشعور القومي أو العربي، لنقول شيئاً في هذه الأزمة التي اختلقها الغرب المتظاهر بدعم أوكرانيا بينما هو يريد القضاء على دور روسيا كقوة عظمى نظيرة لأمريكا؟
دولة الخزر أصلها في أوكرانيا التي انتخبت رئيساً يهودياً والذي عين رئيس وزراء يهودياً، واختارت منذ استقلالها علماً يماثل علم دولة الخزر اليهودية.
أين دور العرب ومفكريهم وإعلامييهم؟ لماذا لا تقوم حملة إعلامية عربية تؤيد ما قاله الغرب قبل العرب، بأن حوض الدنيبر ومعظم أوكرانيا هو الموطن الأصلي لليهود.
ماذا ننتظر؟
طال الزمان على أبناء مملكة الخزر اليهودية، وهم من أصول تركية، والتي ازدهرت من القرن السابع إلى العاشر الميلادي واعتنق أبناؤها الديانة اليهودية هرباً من المسيحية والإسلام، ليعودوا إلى موطنهم في أوكرانيا حيث أسسوا أول دولة ليهود الخزر في منطقة القوقاز حتى مدينة كييف التي كانت تحت سلطان مملكة الخزر قبل أن تصبح بيد الروس. وكانت عاصمة الخزر مدينة (آتل) وهي كلمة تركية تعني النهر العظيم، للدلالة على نهر الفولغا.
وازدهرت دولة الخزر في نهاية القرن الثامن الميلادي، في زمن هارون الرشيد في بغداد، و(شارلمان) ملك أوروبا. ومن المعلومات الموثقة في التاريخ رسالة أرسلها اليهودي حسداي بن شبروط، طبيب ووزير الخليفة الأندلسي (عبد الرحمن الناصر) في منتصف القرن العاشر الميلادي، إلى ملك الخزر يوسف يستفسر فيها عن وجود مملكة تسمى مملكة الخزر وإن كان ذلك صحيحاً فسيترك كل امتيازاته مع العرب في الأندلس ليهاجر إلى مملكة الخزر التي يتمنى أن تكون موطناً لليهود، رغم أن حسداي أكد لملك الخزر يوسف أن العرب في الأندلس يعاملون اليهود أفضل معاملة. وهو بذلك، كما يقول كوستلر، يميز معاملة العرب لليهود عما عوملوا به عندما طُردوا من إنكلترا عام ١٠٩٢م، ومن فرنسا عام ١٣٠٦م في عهد الملك فيليب لوبل.
واعتنق الخزر اليهودية بعد تردد في اعتناق الإسلام تهرباً من الزكاة، وبعد تردد في اعتناق المسيحية خشية سيطرة الإمبراطورية الرومانية الشرقية في القسطنطينية التي كانت تحتل جزءاً من الأراضي المتاخمة للخزر. فقرر ملك، أو (خاقان) الخزر كما كان يُدعى، اعتناق اليهودية عام ٧٤٠م مع حاشيته والطبقة العسكرية الحاكمة معه.
وكانت لغة الخزر التركية، علماً أن لفظ “تركي” كان يشير إلى لغة وليس إلى أمة كما تذكر المصادر التاريخية. وكلمة (الخزر) في أصولها التركية من (خاز) أي تجول، أي البدوي أو الهائم على وجهه، كما يقول المؤرخ الهنغاري (آرثر كوستلر).
وعاش بين الخزر القوزاق وهم من السلاف المسيحيين الذين عملوا تحت إمرة النبلاء البولونيين ثم تفرقوا على ضفاف نهر الدنيبر في مدينة كييف وحولها، واعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي. ويَعتبر بحاثة اللغويات أن كلمة (قوزاك) تعود إلى (كازاك) المشتقة عن (خزر) وهي مترادفة في منطقة شرق أوروبا مع كلمات (تتار وتركي ومغولي).
وحتى لفظة (تركي) فيقول كوستلر إنها من أصل صيني واقتُبست من اسم لأحد التلال واستُخدمت فيما بعد للإشارة إلى كل القبائل الناطقة بالتركية، أي أن علماء الأجناس كانوا يستخدمون كلمة (تركي) حول من يتحدث التركية لا حول عرق بعينه.
وتذكر الحوليات الروسية وفق المؤرخ الهنغاري آرثر كوستلر أن الأمير الاسكندينافي (روريك)، الذي استقر في (نوفوغورود) وأخضع لسلطانه الشعوب السلافية القديمة ومستوطنات الفايكينغ والفنلدنيين الطامعين بأوكرانيا آنذاك، أرسل اثنين من رجاله ليستطلعا في الجنوب أفضل الأماكن على ضفتي نهر الدنيبر هما (أوسكولد) و(دير)، فرأى الرجلان موقعاً هو مدينة (كييف) التي سيطر عليها الخزر فاستقرا في (كييف) واستقطبا الكثير من أهل الشمال ليقيموا في (كييف). وبعد عشرين سنة من وفاة (روريك) في ٨٧٩م، زحف (أوليغ) ابن (روريك) على (كييف) وضمها إلى سلطانه. وسرعان ما تفوقت (كييف) على (نوفوغورود) في الأهمية وأصبحت عاصمة الفرنجة Varangians ويقال إن السلاف الذين أصبحوا تحت حكم الاسكندينافيين (روريك) و(أوليغ) أطلقوا على حكامهم اسم Varangians أو Rus ويرى كوستلر أن معناهما في النرويجية “رفاق العهد” Pledged Companions و”المتجولون” Roamers لتصبح (كييف) أم المدن الروسية ومهد أول دولة روسية في عام٨٦٢م.
إذاً لم يكن الرئيس الروسي بوتين مخطئاً في التاريخ والجغرافيا عندما قال إن أوكرانيا هي “أم روسيا”.
قضى الروس على الخزر مرتين، الأولى في القرن السابع عشر فيما عرف بحر (روس كازان) وهي في المناطق الجنوبية لنهر الفولغا، والثانية في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي حين دمروا عاصمتهم (آتل). وبقي الخزر محتفظين بوجودهم إلى أن احتلهم المغول بقيادة جنكيزخان في منتصف القرن الثالث عشر. ولكنهم قبل ذلك التاريخ وبعده، كانوا قد أرسلوا فروعاً كثيرة من سلالتهم وأسهموا بذلك في تكوين جاليات يهودية كثيرة في أوروبا. ومن هنا انتشر يهود الخزر في أوروبا بشكل كبير، ثم كانوا الأداة الرئيسية للاستعمار البريطاني بزرع الكيان الإسرائيلي في فلسطين بدعوى انتمائهم للدين اليهودي وبمسرحية تاريخية معروفة بالوعد الإلهي لليهود.
وبقيت في (كييف) جماعات يهودية خزرية ذات نفوذ قوي وازداد حجمها بالمهاجرين الخزر الذين وفدوا إليها قبل أن تقضي عليها القوات الروسية. حتى أن الحوليات الروسية كانت تشير إلى كييف بأنها “بلد اليهود”Zimlya Zhidovskaya.
ويعني ذلك ببساطة أن الموطن الأصلي ليهود أوروبا هو أوكرانيا والقوقاز، لا فلسطين أو موطن الشعوب السامية التي زُوّر الادعاء التاريخي فيها ونجح إلى حد كبير. وهذه المعلومات موثقة في مصادر المؤرخين العرب وأهمهم ابن فضلان والمسعودي والاصطخري والبلخي واليعقوبي وابن النديم والدمشق وياقوت الحموي، والتي بنى عليها المؤرخ الهنغاري اليهودي (آرثر كوستلر) معلوماته في كتابه الشهير (امبراطورية الخزر وميراثها).
وما تهمنا هنا هي الخلاصة التاريخية بأن موطن يهود الخزر هو مدينة كييف مع مدن أخرى في حوض نهر الدنيبر لا فلسطين التي زورت بريطانيا قصة الوعد المشؤوم بأن تكون وطناً لليهود، دون أي دليل تاريخي أو مادي، سوى إضافة مستعمرة بريطانية جديدة لتكون موطئ قدم لها ولتتخلص أوروبا من اليهود الذين كانوا يشكلون عبئاً كبيراً عليهم اعترف به كل ساسة الغرب عبر الأطلسي من أمريكا وعلى لسان بنجامين فرانكلين أحد مؤسسي الاستقلال الأمريكي، إلى بريطانيا وسائر أوروبا غرباً وشرقاً. وجاءت الحرب العالمية الثانية حلاً لمشكلة اليهود الذين نجحوا بتلفيق قصة المحرقة، وكأن الحرب العالمية لم تقتل سوى اليهود، وبدأت قصة تعويض اليهود بأرض من شعب ثالث لا علاقة له بالحرب العالمية بل كان ضحيتها. وبذلك، تنكرت ألمانيا بعد الحرب لما فعله نظامها النازي السابق باليهود، واعتبر الأوروبيون أنهم قاموا بواجبهم في معاداة النازية التي انبثقت من ألمانيا نفسها، بتأييد حق مزعوم لليهود في فلسطين، وربحوا براءتهم من قتل اليهود بتعويضهم وطناً جديداً. وكانت فلسطين والعرب الضحية بزرع هذا الكيان المصطنع على أسس ساقطة في التاريخ بأن يهوديتهم، وهم أقوام خزرية تركية لا علاقة لهم بالعرب أو الساميين، تخولهم لاستيطان أرض عربية ليست لهم. والقصة معروفة.
والآن، وبعد العملية العسكرية في أوكرانيا، علينا نحن العرب أن نؤيد “حق” هؤلاء اليهود الذين استوطنوا في فلسطين بأن يعودوا إلى “موطنهم الأصلي” في أوكرانيا. وهنا نسميه “حقاً” لأنهم فعلاً أبناء تلك المنطقة، فعندما نتحدث عن حقوقنا يجب أن نعترف بحقوق الغير. وما المظاهرات التي قامت في الكيان الإسرائيلي حول الوضع في أوكرانيا إلا تعبير عن حنين يهود أوروبا الذين استوطنوا فلسطين زوراً ليعودوا إلى أرضهم الأصلية التي يرونها الآن تحت الحرب.
و(آرثر كوستلر) ليس الوحيد الذي كتب عن ذلك، فهناك المؤرخ الهنغاري (أفنال بارنا) صاحب كتاب “المجتمع المجري في القرنين السابع والثامن”، وهناك اليهودي الأوكراني (أبراهام بولاك) أستاذ التاريخ اليهودي في جامعة تل أبيب في فلسطين المحتلة، مؤلف كتاب “خازاريا” في عام ١٩٤٤. وقد اعتبر هذا اليهودي الأوكراني أن الشعب الخزري هو نواة مستوطنة اليهود الكبرى في شرق أوروبا. ولا أدل على صحة كلامه من المظاهرة التي خرجت في الكيان الإسرائيلي بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي طالبت بنصرة أهلهم يهود أوكرانيا.
فإذا صح كلام بولياك، وهو الكلام المنطقي بأن الشعب الخزري هو نواة مستوطنة اليهود في شرق أوروبا، فالموضوع هو استيطاني لا ديني، أي أن قيام مستوطنة يهودية في أوكرانيا يَعتبر أن نواة اليهود في شرق أوروبا لا يبرر بطبيعة الحال الأساس الديني لنشوء إسرائيل وفق وعد ديني مزعوم. فلندعم بولياك في نظريته بأن يتجمع اليهود في مملكتهم حيث كانوا، وليكتب الكتّاب عن ذلك.
وبناء على ذلك وغيره مما جرى في التاريخ، فإن معظم يهود العالم يعودون بأصولهم إلى حيث قامت دولة الخزر في حوض نهر الدينيبر في أوكرانيا وما حولها، لا إلى حوض نهر الأردن وفلسطين؛ وهم قوقازيون لا علاقة لهم بإبراهيم وإسحق ويعقوب. وسحنتهم أكبر دليل على ذلك. فأين القرابة من الساميين وما هي “اللغة السامية” التي يتكلمونها؟
إذاً الأرض الموعودة هي كييف وما حولها من المناطق التي ازدهرت في عصر مملكة الخزر، وهذا كلام منطقي يؤكده التاريخ والجغرافيا، وهو أقرب إلى العقل البسيط للأوروبي والأمريكي الذي صدق بكل سذاجة أن الله خص مجموعة من خلقه دون غيرهم بقطعة أرض.
ولنقل بصراحة إن العرب لن يحاربوا اليهود ولن يطردوهم من فلسطين، ولكن ألا يستحق الأمر، أمام عجز العرب عن محاربة إسرائيل أو انتقادها على الأقل من قبل البعض، أن يكتبوا عن أصل اليهود في مملكة الخزر؟
ألا تأخذنا العصبية الإنسانية على الأقل، إن لم يحركنا الشعور القومي أو العربي، لنقول شيئاً في هذه الأزمة التي اختلقها الغرب المتظاهر بدعم أوكرانيا بينما هو يريد القضاء على دور روسيا كقوة عظمى نظيرة لأمريكا؟
دولة الخزر أصلها في أوكرانيا التي انتخبت رئيساً يهودياً والذي عين رئيس وزراء يهودياً، واختارت منذ استقلالها علماً يماثل علم دولة الخزر اليهودية.
أين دور العرب ومفكريهم وإعلامييهم؟ لماذا لا تقوم حملة إعلامية عربية تؤيد ما قاله الغرب قبل العرب، بأن حوض الدنيبر ومعظم أوكرانيا هو الموطن الأصلي لليهود.
ماذا ننتظر؟
التعليقات مغلقة.