حماس تشكر اردوجان … على ماذا الشكر ؟! / حاتم عطا ابو شعبان

 

حاتم عطا ابو شعبان* ( فلسطين ) الجمعة 1/7/2016 م …  

*عضو المجلس الوطني الفلسطيني

عبرت حركة المقاومة الاسلامية حماس عن شكرها وتقديرها لموقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، وللجهود التركية الرسمية والشعبية المبذولة لمساعدة سكان قطاع غزة والتخفيف من حصارها ،والتي تنسجم مع الموقف التركي الاصيل كما تقول حماس تجاه القضية الفلسطينية ودعم صمود الشعب الفلسطيني والوقوف الى جانبه .

مما لا شك فيه ان حماس اضطرت لاظهار مزايا مضخمة للصفقة التركية الاسرائيلية من قبيل حفظ ماء وجه الرهان ، بعد ان كانت تراهن على انجازات كبيرة جدا ستتحقق نتيجة الضغط التركي على اسرائيل ، وموقف اردوغان المتمسك برفع الحصار عن غزة وانشاء ميناء بحري تجاري واعادة ترميم وبناء المطار وتشغيله ، وللاسف لم يتحقق شيئ من هذه الانجازات في الاتفاق الذي تم بين تركيا واسرائيل مؤخرا .

المشكلة الاساسية التي ظهرت بعد كشف بنود الاتفاق والاعلان عنه ، هي ان البعض من اهل غزة اعتقدوا ان الاتفاق سيحقق الانجازات المطلوبة التي اعلن عنها اردوغان والتي تم الترويج لها من الجانب التركي والجانب الحمساوي ، وخصوصا من عناصر وقيادات حماس ، الذين روجوا بشكل مضخم قبل توقيع الاتفاق الذي سيتم بين ركيا واسرائيل والانجازات التي ستتحقق ، وقد بنى هؤلاء امالا كبيرة وعريضة على الموقف التركي الاردوغاني المتشدد تجاه اسرئيل قبل توقيع الاتفاق معها ، وظنوا ان اردوغان لن يتنازل عن شروطه المعلنة للمصالحة مع اسرائيل وخاصة الشروط المتعلقة بقطاع غزة والتي سنذكر بعض تفاصيلها الان ، واهمها ما يلي :

1- رفع الحصار الكامل عن غزة وفتح المعابر وتسهيل السفر وادخال كافة المواد والاحتياجات الى قطاع غزة وانعاش القطاع اقتصاديا وتجاريا وصناعيا والاستغناء عن معبر رفح كمنفذ رئيسي ووحيد لغزة مع العالم الخارجي .

2- كذلك ظنوا انالاتفاق سيشمل موافقة اسرائيل على انشاء ميناء بحري تجاري امام غزة مهما كان نوعه ومكانه وطريقة الوصول اليه ، وكيفية المراقبة المفروضة عليه والتي هي اساسا اسرائيلية واي جهة اخرى ، وسواء كان ميناء عائم او دائم او انشاء جزيرة في وسط البحر ويربطها بغزة جسر للوصول اليها ، ويقام عليها ميناء ومطار بغض النظر عن السيطرة الامنية على هذه الجزيرة التي ستكون مسئولية اسرائيل ، وسواء كان الميناء مرتبط بميناء وحيد وهو ميناء قبرص التركية ام مفتوح على العالم ، فان المهم بالنسبة لحماس هو انشاء ميناء بحري تجاري ، بغض النظر عن انه سيحقق السيادة الفلسطينية على ارضها ام لا ، وحسب اعتقاداتهم ورغباتهم فانهم كانوا يخططون له على ان هذا الميناء سيكون بديلا عن معبر رفح البري مع مصر المغلق في اغلب الاحيان ، وسيؤدي الى انتعاش الاقتصاد الفلسطيني في غزة وحرية حركة الافرادالى الخارج .

3-كذلك كانوا يظنون انه سيتم الاتفاق بين تركيا واسرائيل وتحت الضغط التركي والشروط التركية على اعادة ترميم وبناء مطار غزة وتشغيله كما كان عليه الوضع قبل عام 2006 او بناء مطار جديد في اي مكان اخر حتى لو على جزيرة وسط البحر .

ان ما جعل هؤلاء القيادات يظنون ويؤمنون بان هذه الشروط ستتحقق لان اردوغان وضعها بقوة امام اسرائيل ، لاتمام المصالحة بين اسرائيل وتركيا ، وكان مصرا على تنفيذها وبشدة ويتحدث بثقة مطلقة على اصراره على تحقيقها مهما كلف الثمن ، ولذلك صدقها البعض من اهل غزة ، وروج لها قيادات كبيرة في حماس ، مما زاد الثقة بامكانية انجازها رغم انف اسرائيل ، كما كانت حماس على استعداد لتقديم تنازلات جوهريه مثل الاعلان عن هدنة طويلة الامد بين حماس واسرائيل في غزة قد تصل الى 10 سنوات او اكثر مع الحفاظ على الهدوء والاستقرار في غزة .

الا ان الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن ، وتم الاتفاق ، ولم يتحقق شيئ من هذه الشروط ، ومن المؤكد ان اردوغان وتركيا فضلت مصالحها الخاصة ، وتنازلت عن اهم الشروط التي كانت تعلن عنها قبل الاتفاق المتعلقة بقطاع غزة ، ويبدو انها كانت شروط فقط من اجل تحسين شروط التفاوض لتحقيق اكبر قدر ممكن للمصالح التركية دون اي اعتبار لغزة ومشاكلها .

وهذا ما حدث فعلا بعد كشف بنود الاتفاق حيث اتضح ان المصالحة التركية الاسرائيلية تحقق 26 عنصرا كمكاسب وربح للطرفين الاسرائيلي والتركي بالتساوي ، ليس مجال ذكر تفاصيلها في هذا المقال .

وهنا حريٌ بنا ان نعود للتاريخ والجغرافيا ونتساءل :-

هل نسي هؤلاء البعض من الفلسطينيين وقيادات حماس وعناصرها ان تركيا واسرائيل على علاقة ممتازة وقوية بين بعضهما وتربطهما مصالح مشتركة ، وخصوصا في الامور الامنية والعسكرية منذ قيام اسرائيل عام 1948 ، وان تركيا اعترفت باسرائيل وتبادلت السفراء والمستشارين العسكريين معها في مارس 1949 ، وكانت ثاني دولة اسلامية في العالم تعترف باسرائيل بعد ايران ( الشاه ) ، ومنذ ذلك التاريخ اصبح هناك تطبيع كامل بين اسرائيل وتركيا ، وعلاقات اقتصادية وسياحية وعسكرية من الدرجة الاولى ، بالاضافة الى التعاون الامني والاستخباراتي بينهما ، والمناورات العسكرية المشتركة بينهما سنويا وامور اخرى كثيرة ، في حين كانت الجيوش العربية تحارب اسرائيل لحماية الشعب الفلسطيني ، الذي كان يقاوم الاحتلال ويدافع عن ارضه ووطنه ضد العدوان الاسرائيلي المغتصب لفلسطين واعلن قيام اسرائيل بقرار من الامم المتحدة عام 1948، التي اعترفت تركيا بها كدولة مقامة على ارض فلسطين التاريخية ، كما ان هناك دول اسلامية كبرى لا تعترف حتى الان باسرائيل مثل اندونيسيا اكبر دولة اسلامية في العالم وباكستان وتشترط هذه الدول الاسلامية للاعتراف باسرائيل بحل عادل لقضية الشعب الفلسطيني واقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

واخيرا تم توقيع اتفاق المصالحة بين تركيا واسرائيل ولم يشمل الاتفاق اي شرط من شروطاردوغان وتوقعات حماس والتي كان يعلن عنها اردوغان والمسئولين الاتراك من حزب اردوغان على مدار الساعة .

 

ان كل ما ذكر في هذا الاتفاق عن غزة بعد الاعلان عنه رسميا هو قشور لا تشبع ولا تغني من جوع ، فعلى سبيل المثال كان هناك بند عن موافقة اسرائيلية على ادخال البضائع التركية الى غزة عبر ميناء اسدود الاسرائيلي ، وهذا البند ليس جديدا ولا انجازا لغزة ، لانه في الاساس يتم ادخال معظم البضائع المستوردة من الخارج سواء من تركيا او اي دولة في العالم الى غزة عبر ميناء اسدود الاسرائيلي، وبعد تفتيشها وفحصها ، يتم نقلها وادخالها الى غزة عبر معبر ابو سالم التجاري قرب رفح ، بدون الحاجة الى توقيع اتفاق بين تركيا واسرائيل بهذا الشان .

كذلك يشمل الاتفاق اقامة تركيا محطة كهرباء لتوصيل الكهرباء الى غزة بواسطة سفينه تركية في وسط البحر تزود غزة بما تحتاجه من كهرباء وتكون المحطة تحت الحماية الامنية الاسرائيلية ،

كما يشمل الاتفاق عن غزة موافقة اسرائيل انشاء محطة تحلية للمياة في غزة .

اما الامور الجوهرية التي كان اردوغان يوعدنا بها ويتوعد اسرائيل بها فقد ذهبت هباءا منثورا .

وبعد كل هذا تخرج علينا حماس بعد توقيع الاتفاق التركي مع اسرائيل بشكر اردوغان على ما انجزه في الاتفاق ، وهنا حري بنا ايضا ان نتساءل باستغراب شديد على ماذا هذا الشكر وماذا فعل اردوغان للشعب الفلسطيني في هذا الاتفاق ليشكر عليه :كان يجب ان نعرب عن خيبة امل كبرى من تركيا ومن اردوغان الذي عشمنا وانتهى كل شيئ بدون الحصول على شيئ .

كما نتساءل ايضا هل لو تكرر نفس ما حدث من اي دولة اخرى غير تركيا وغير اردوغان او من السلطة الوطنية الفلسطينية وبعدها تم توقيع اتفاق لا يشمل الوعود والامال التي وعدنا بها ، فهل كانت حماس ستشكر هذه الدولة او تشكر السلطة الوطنية الفلسطينية على جهودها وتقول كما قالت عن اردوغان انه حقق ما استطاع تحقيقه ، ام كانت ستتهمها بالخيانة والتخلي عن القضية الفلسطينية وعن الشعب الفلسطيني !!!!

واخيرا فان الذي سيقرر الحكم النهائي في هذا الامر هم اهل غزة الذين يشعرون حاليا بخيبة امل كبيرة بعد توقيع الاتفاق الذي لم يحقق هذه المطالب

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.