الغاز يرسم لتركيا خريطة تحالفاتها / هيثم العايدي

 

هيثم العايدي ( الإثنين ) 4/7/2016 م …

إن تركيا وبعد أن تبين لها أن السياسات التي بنتها خلال السنوات السابقة قد باءت بالفشل، يبدو أنها تمضي في طريق جديد عنوانه البراجماتية، تعيد فيه صياغة علاقاتها بالمنطقة ربما استلهاما مما اختطه رئيس وزرائها السابق أحمد داود أوغلو في كتابه المعنون بـ»العمق الاستراتيجي» مع اختلاف بسيط أن هذا العمق ليس كما رآه أوغلو إسلاميا يمر بالمنطقة العربية، وإنما يبدأ بإسرائيل.

مع إعادة تركيا تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعد ما أعلن من قطيعة دامت نحو لسنوات في نفس اليوم الذي قدمت فيه أنقرة اعتذارها عن حادث إسقاط المقاتلة الروسية فوق الحدود الروسية، فإن كل ذلك يمكن قراءته كسطر جديد تعيد تركيا فيه صياغة بالمنطقة بشكل عام، وفي منطقة شرق المتوسط بشكل خاص، وما يزخر به من احتياطات هائلة من الغاز.

ففي الأسبوع الماضي تسارعت وتيرة إعادة التطبيع التركي الإسرائيلي، حيث تم التوصل لاتفاق بإعادة السفراء وفتح مجالات التعاون، وكأن لسان حال الجانب التركي يقول إن الهدف من إعادة العلاقات هو تخفيف الحصار عن الفلسطينيين في غزة رغم أن المساعدات التي من المنتظر إرسالها ينبغي أن تمر عبر ميناء أشدود الإسرائيلي، كما أن الشروط التركية السابقة والتي منها تشغيل ميناء في غزة أو جزيرة عائمة لم تتحقق.

لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان أكثر وضوحا في بيان أهداف الاتفاق، حيث قال خلال مؤتمر صحفي في روما أعلن فيه تفاصيل الاتفاق مع تركيا التقارب ستكون له «انعكاسات إيجابية كبرى على اقتصاد إسرائيل» التي تبحث عن أسواق لاحتياطيات الغاز التي بدأت استثمارها في البحر المتوسط.

والحديث عن الغاز لا بد وأن يمر عبر روسيا التي تعد أكبر متحكم في سوق الغاز .. ففي توقيت متزامن مع التطبيع مع إسرائيل اعتذر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن إسقاط طائرة عسكرية روسية على الحدود السورية التركية.

وحسبما قال متحدث باسم الكرملين فإن إردوغان أرسل رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرب فيها عن «التعاطف والعزاء» لـ»أسرة الطيار الذي قتل في الحادث»، مضيفا أن «الرسالة تنص، على وجه الخصوص، على أن روسيا صديقة لتركيا وشريك استراتيجي لا تريد السلطات التركية إفساد العلاقات معه».

ومثلما كان خلاف تركيا وروسيا يتمحور حول سوريا، حيث انتقدت الأولى بشدة الدعم الروسي لسوريا والعملية العسكرية التي تشنها هناك مثلما كالت موسكو الاتهامات وساقت عليها الأدلة التي تظهر الدعم التركي للإرهابيين في سوريا .. كانت سوريا حاضرة في بوادر كسر الجمود الذي شاب العلاقات، خاصة وأن سوريا أيضا في قلب منابع الغاز القابعة في شرق المتوسط، كما أن التقارير تشير إلى أن من ضمن أسباب انخراط تركيا في الأزمة السورية كان رغبتها في السيطرة على خطوط الغاز المحتمل إنشاؤها والتي تمر عبر حمص.

فقد برز الحضور السوري في بوادر التقارب عندما دعا وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إلى اتصالات عسكرية بين بلاده وتركيا، عقب اجتماع جمعه مع نظيرة التركي، مولود جاويش أوجلو الأسبوع الماضي خرج منه الطرفان بالتأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

ورغم أن موسكو بدأت بإنهاء منع السياح الروس من التوجه إلى تركيا، على أن تواصل رفع العقوبات الاقتصادية الأخرى، التي فرضتها على أنقرة إلا أن موسكو وفيما يبدو أنها تعلم دوافع تركيا من وراء هذه المبادرة بالتقارب والاعتذار؛ لذلك سارعت بالتصريح عبر المتحدث باسم الكرملين بأنه ما زال من السابق لأوانه الحديث عن استئناف مشروع ترك ستريم لأنابيب الغاز الطبيعي الذي تشارك فيه تركيا وأنه «من المبكر جدا الحديث الآن بشأن المسارات التي سيتم اختيارها في النهاية لتدخل مرحلة التنفيذ».

إن تركيا وبعد أن تبين لها أن السياسات التي بنتها خلال السنوات السابقة قد باءت بالفشل، يبدو أنها تمضي في طريق جديد عنوانه البراجماتية، تعيد فيه صياغة علاقاتها بالمنطقة ربما استلهاما مما اختطه رئيس وزرائها السابق أحمد داود أوغلو في كتابه المعنون بـ»العمق الاستراتيجي» مع اختلاف بسيط أن هذا العمق ليس كما رآه أوغلو إسلاميا يمر بالمنطقة العربية، وإنما يبدأ بإسرائيل ويعود ويمد خطوطه إلى أوروبا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.