فصل الدين عن السياسة: لماذا؟ / د. اسعد عبد الرحمن
د. اسعد عبد الرحمن ( فلسطين ) الإثنين 4/7/2016 م …
«فصل الدين عن الدولة» يعني كف يد المتدينين من السيطرة باسم الدين على أجهزة الدولة. فإذا سيطر «الكهنوت»، من أي دين كان، على الدولة السياسية أصبحت مطية لهم يستعملونها كيفما يشاؤون دون حسيب، خدمة لأنفسهم المادية «الأمارة بالسوء»، لا من أجل خدمة الله الذي لا يحتاج لخدمة أحد.
الدين هو علاقة خاصة بين العبد والمعبود تعالى ولا طرف ثالثاً بينهما. في الإسلام، الدين كله لله لا للدولة ولا لأحد آخر، أبداً بتاتاً. تسييس الدين يؤدي بطريقة حتمية إلى «دولة الكهنوت»/ الثيوقراط أي الدولة الدينية التي تغفر وتكفر الناس قبل «يوم الساعة» حيث الحكم بيد الله وحده. «دولة الكهنوت» هي أشنع أشكال الدكتاتورية بلا منازع. فمن عارض فسادها عومل كأنه يعارض الله تعالى، ويصبح الحكم عليه بالإعدام أمرا روتينيا. لهذا حرم القرآن إقامة «دولة الكهنوت» بالمطلق عندما حرم أي شكل من الكهنوت في الدين الإسلامي وترك الحساب بموضوع الكفر والإيمان إلى «يوم الحساب» حيث الخالق وحده هو القاضي والمحاسب الوحيد. «عليك البلاغ وعلينا الحساب» هو البرهان القرآني لهذه الحقيقة.
عندما كانت أوروبا محكومة من خلال «دولة الكهنوت»، وجدناها في بؤرة الجهل والتعاسة. المدارس العلمية العربية في الأندلس والقاهرة ودمشق وبغداد استقبلت العديد من الأوروبيين ما أدى إلى عصر النهضة عندهم فتبدلت عقولهم بالعلم. أعطينا، نحن العرب المسلمون، أوروبا حضارتها ونهضتها وذهبنا إلى النوم في غفوة تركية لمدة 500 عام وما زلنا نعاني من غفوتنا إلى الآن. تخلى الغربيون عن كهنتهم وفسادهم الديني الذي لا علاقة له بالدين المسيحي القويم واتخذوا من الدولة العربية المدنية الديمقراطية السياسية مثالاً لهم
لقد اتخذ الغرب مثال «البيعة الحرة» أي الانتخاب المدني أداةً للحكم كما فعل النبي العربي تماماً والذي لم يدع لأية سلطة دينية ربانية بتاتاً، كما يدعي البعض في حكمهم الدكتاتوري في بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وكما تدعي أيضاً «القاعدة» و»داعش». لماذا، نحن العرب المسلمون، لا نقلد دولة «الرسول» المدنية الديمقراطية السياسية كما قلدها الغرب وبلغ أوج النهضة المدنية التي كان يحتكرها المسلمون منذ ألف سنة؟ لقد أخذ الغرب ديمقراطيته من نظام البيعة المدني في الإسلام الذي حرم الكهنوت تحريماً مطلقاً. وبالرغم من هذا التحريم المطلق، ما زال البعض منا يبغي إقامة دولة دينية إسلامية يسيطر عليها دكتاتور يدعي العصمة من الخطأ. ومعلوم أن تسييس الدين الإسلامي بدأه «الخوارج» الذين خرجوا من الرسالة الروحية الإسلامية فوضعوا، من شغل أيديهم، تديناً من الهرطقة لا تمت للإسلام بأية صلة. هذا التدين التكفيري جذب ضعاف النفوس، وبالتالي تجند كل من كان «في قلبه مرض» للقتل بدون رحمة باسم أرحم الراحمين!!!
لقد أنشأ الاستعمار الغربي دولاً في عالمنا العربي مبنية عمداً في داخل شقوق التفرقة العنصرية والمذهبية كي لا تصل يوماً ما إلى إقامة مجتمع مدني أساسه المواطنة بغض النظر عن المذهب او اللون أو التعددية الإثنية. وعليه، قامت دول عربية ينخرها التناحر العرقي أو المذهبي كي تبقى القوى الغربية على سيادتها في تلك البلاد رغم خروجها الظاهري منها وأصبحت المصالح الغربية تحكم بواسطة «فرق تسد». وعندما أطلت «القومية العربية» برأسها، سلط عليها الغرب الاستعماري نوعا من التدين الإسلامي الذي اتخذ هوية الدين له بدلاً من الهوية العربية المدنية التي تجمع الكل. والآن، يواجه العالمان العربي والإسلامي نكبة مزدوجة من «القاعدة» ومن «داعش» وفكرهما التكفيري الذي يبغي إقامة «دولة إسلامية» أو «خلافة إسلامية» على مثال «الدولة اليهودية» التي تبغي تهويد فلسطين التاريخية كلها!!! وتتخذ «القاعدة» و»داعش» الجمهورية الإسلامية الإيرانية و»ولاية الفقيه المعصوم من الخطأ» برهاناً عملياً مقابلا يؤيد مبدأ تدينهم الذي لا يمت للإسلام بصلة.
إن تسييس الدين الإسلامي يقود حتماً إلى دولة الكهنوت، علما بأن الكهنوت ودولتهم محرمان بالإسلام تحريماً مطلقاً. ومهما كان شكلها، دولة أو خلافة أو جمهورية إسلامية، ستكون دولة متطرفة فاشية. فليس هناك تسييس إسلامي معتدل وآخر متطرف وكلاهما تدينان من صنع أيدٍ بشرية خاطئة فانية لم يقل بها الدين الإسلامي وبالذات القرآن الذي أوصى الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لست بكاهن»، «ولست بمسيطر»، «ولست بوكيل».
إن ما يدعى بالحروب الدينية ما هي إلا تدينات لا تمت بعلاقة بالرسالات الروحية الأصيلة، إلا بالإسم فقط، فبركها المتدينون الماديون لأجل الربح بأي طريقة ممكنة. النظام الصهيوني الاستعماري يخوض حربه التدينية مثل جحافل السوء التابعة لداعش وللقاعدة. وفي السياق، أصبح الشرق الأوسط ميدانا لحروب التدينات، التي في آخر الأمر، تدمر نفسها ومن حولها. وإذا تركت إسرائيل تسلب الأرض الفلسطينية وتوسع المستعمرات بدون توقف وردع، سيدفع العالم–آجلا أم عاجلا–ثمنا باهظا بالأرواح والممتلكات لا يمكن تحمله بتاتا. فيا أولي الألباب، ويا أصحاب القرار، هل من حل جذري ينهي كوارث الجنون الداعشي/ الصهيوني المحتل؟
التعليقات مغلقة.