كما تريد واشنطن ..! / د. هاني العقاد
د. هاني العقاد ( فلسطين ) الثلاثاء 5/7/2016 م …
صدر تقرير الرباعية الدولية بعد مرحلة مخاض كبيرة وانتظار طويل وبعد العديد من الصياغات والتنقيحات والتقييمات واستشارة جميع اعضاء الرباعية فقد اعيد تنقيح التقرير و صياغته عشرات المرات ليأتي على مزاج اسرائيل و واشنطن وبالتالي يخفف من حدة الانتقاد لدولة الاحتلال ولا يعرفها كدولة احتلال بالمطلق ولا يعترف بأن هناك شعب محتل يعاني ويلات وموبقات هذا الاحتلال على مدار سبعة عقود ومازال. وبالتالي ينكر الحق في تقرير المصير , بالفعل استطاعت واشنطن التي شاركت بصياغة التقرير عبر مبعوثها لعملية السلام الى جانب المبعوث الروسي والمبعوث الخاص لعملية السلام في الامم المتحدة (نيكولاي ميلادنوف) بوضع بعض المفاهيم الخطرة والتي من شأنها ان تغير طبيعة الصراع الاساسية والاسس التي تحكم هذا الصراع من خلال المساواة بين الضحية والجلاد وكأن النزاع بدأ بين كيانين ولا توجد في الواقع اراض محتلة ولا أي ممارسات احتلالية عنصرية قاتلة ولا يوجد نظام ابارتيد واضح المعالم , ولا توجد مقدسات مهددة بالهدم ولا يوجد انتهاك صارح لأبسط وادني حقوق الانسان الفلسطيني التي منحتها اياه القوانين الدولية والشرائع السماوية .
جاء تقرير الرباعية الدولية في ظل ظروف حساسة ودقيقة جدا تمر بها القضية الفلسطينية فالمشهد على الارض بدا في الربع ساعة الاخيرة لاستكمال المشروع الصهيوني وانتهاء أي امل في امكانية تطبيق حل الدولتين ,وجاء التقرير للأسف بعيدا كل البعد عن العدالة الدولية و احترام القرارات و الشرائع الدولية ذات العلاقة بالصراع ,بالتالي قد يكون حقق شيئا من الذي تريده اسرائيل و واشنطن بأن تضع العالم في صورة الصراع التي تريدها واشنطن وكيلة اسرائيل في الرباعية وهذا خطير لان الرباعية صمتت كثيرا و لم تتدخل حتى في ادق الظروف والمواقف واليوم اخرجت ما لديها من مفاهيم مزورة وخطيرة ارادت بها ان توضع امام المبادرة الفرنسية مسبقا كمفاهيم تحدد طبيعة التعامل مع الصراع والاسس التي يمكن للعالم ان يجد حلول على اساسها لهذا الصراع , ولعل التقرير يعكس تماما مدي التدخل الامريكي السافر وغير العادل في الصراع لصالح دولة الاحتلال ومدي قوة هذا التدخل في التأثير على لاعبين دوليين اخرين كروسيا والامم والمتحدة وفرنسا وهذا الخطير وما يضعنا امام احتمال نجاح التقرير في تغير الموقف الاوروبي بالمجمل من الصراع و بالتالي التأثير سلبا على مجمل التحرك الفرنسي والتأثير على مخرجات المؤتمر الدولي للسلام.
تقرير الرباعية للأسف ساوي بين الاحتلال والشعب المحتل ,الضحية والجلاد واعتبر ان الصراع قائم فقط بسبب التوسع الاستيطاني فقط وعدم منح السلطة صلاحيات ادارة المنطقة (ج) ولا اثر للاحتلال غير ذلك ,وكأن القضية الفلسطينيين كلها اختزلت في نقل صلاحيات منطقة (ج) للفلسطينيين وعدم ضمها للسيادة الاسرائيلية , كما ان التقرير تعرض لقضية مقاومة الاحتلال بكل شكل يختاره الفلسطيني و وصفه بانه ارهاب وتحريض على العنف ولم يستثني الرئيس ابو مازن من التحريض بسبب عدم شجبه لأي من العمليات التي ينفذها الشبان الفلسطينيين داخل المستوطنات وفي المدن الاسرائيلية , نعم لم يتضمن التقرير أي دعم للحقوق الفلسطينية بما فيها حق مقاومة الاحتلال ولم يتطرق لادني مفاهيم القانون الدولي التي شرعت هذه المقاومة, وللأسف دعا التقرير “. السلطة الفلسطينية التي تمارس حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية لاتخاذ خطوات لإنهاء التحريض على العنف ضد الإسرائيليين وإدانة “كل صور الإرهاب” وبذل مزيد من الجهد لمواجهته , وهذا يعني ان المجتمع الدولي وعلى راسه الرباعية الدولية بات على قناعة ان الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية يكمن في هذا الاتجاه , والخطير ان التقرير يقدم ايحاءات هامة تفيد بأن الموقف يتطلب تجميل الاحتلال وليس أنهائه ولم يطالب التقرير مباشرة دولة الاحتلال بالكف عن الاحتلال وسحب كافة قواتها من اراضي العام 1967 بما فيها القدس, ولعلي اخشي ان مجلس الامن الذي تسلم التقرير بات يحدد مسبقا ما ينبغي على الفلسطينيين فعله قبل الإسرائيلية دون التعامل مع دولة الاحتلال على انها كيان يمارس الاحتلال و دون ان يتعامل مع الفلسطينيين كدولة واقعة تحت الاحتلال و اخشي ان يؤثر هذا ايضا على موقف كثير من الدول في المؤتمر الدولي القادم للسلام وتخرج مخرجات هذا المؤتمر كما تريد واشنطن ايضا.
رفضت اللجنة التنفيذية بلغة ناعمة ما جاء في التقرير من الاتهام بالتحريض والعنصرية كما و رفضت أي تعايش مع الاحتلال والقبول به دون الاشارة للحق في مقاومة هذا الاحتلال بكل الاشكال والطرق التي تضمن انهاءه والتخلص منه للابد واكدت التنفيذية ان الانتصار على الارهاب يبدأ بالكف عن التعامل مع اسرائيل ككيان فوق القانون الدولي وطالبت الزام اسرائيل بتنفيذ كافة القرارات والشرائع الدولية والقانون الدولي , واكدت التنفيذية على استمرار تعاونها مع الرباعية الدولية على اساس مواقفها السابقة من مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق . نعم ما صدر عن التنفيذية جيد لكن لم يرتقي لمستوي المخاطر التي تهدد قضايا الصراع على اثر هذا التقرير ولم ترفض كل ما جاء في التقرير جملة وتفصيلا بل رفضت بعض البنود والمفاهيم في الصراع ,ولم يحدد بيان التنفيذية الاجراءات التي يتوجب على الفلسطينيين اتخاذها في ضوء ذلك بالتوافق مع القوي العربية الفاعلة بالعالم , فلم يعد الموقف يحتمل بقاء التدخل العربي والفلسطيني بهذه السلبية وهذا الضعف فلابد من التعامل مع هذا التقدير كناقوس خطر يهدد قضايا الحل النهائي , فقد يكون مقدمة لفرض حلولا دولية ببصمات امريكية إسرائيلية على الفلسطينيين لا تحقق لهم أي طموح سياسي مشرف.
التعليقات مغلقة.