المفكر العربي الأردني المحامي محمد احمد الروسان يكتب: الأمريكي والزومبيات الأرهابية … واشنطن وعينها على البلقان في صراعها مع الروس … البوسنة ساحة ستنفجر في وجه الأطلسي وأمريكا … وأوروبا أمام أزمة خطيرة ستبلعها حتّى القاع
المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 16/4/2022 م …
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …
تعد ساحات ومساحات دول البلقان كحيّز جغرافي استراتيجي بنكهة تماثل ديكتاتورية الجغرافيا السورية في قلب أوروبا، بمثابة بريد سياسي وعسكري واقتصادي تجاري يوصل جلّ الرسائل المتتالية للفدرالية الروسية عبر الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتادت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي على هذا الأستخدام والتوظيف الشامل لساحات ومساحات دول البلقان، عندّ كل مفصل قاطع ومرحلة مفصلية من مراحل خطوط العلاقات الروسيّة الأمريكية المتأرجحة، والتي تعاني الآن من حالة من المخاضات غير المكتملة بفعل مفاعيل وتفاعلات الحرب الروسية الأطلسية على المشهد الأممي والمشهد الثنائي الروسي الأمريكي، تبعاً لمحطات الصراع وقت الحرب الباردة وما بعدها وحتّى اللحظة الراهنة، وبعد العملية العسكرية الروسية الخاصة المشروعة لصيانة الأمن القومي الروسي، والتي تحقق أهدافها في عروق الجغرافيا الأوكرانية، بعد الفشل الأمريكي في الحدث السوري، والأنكفاء الأمريكي الأستراتيجي بنكهة التكتيك لأعادة ترتيب الأوراق، حيث الأمريكي تاريخياً لا ينسحب من منطقة الاّ بعد أن يجرب كافة الأستراتيجيات.
تقول المعلومات وتحليلها: أنّ هناك احتمالات انفجار الوضع الأمني في جمهورية البوسنة، باستفزاز من الصرب أو الكروات، وهو ما سيضع واشنطن وحلفائها في القارة الأوروبية العجوز المتصابية، أمام أزمة جدية وخطيرة، ستستغلّها وتوظفها الفدرالية الروسية للردّ على عداء عواصم الناتو لها في جلّ الحدث الأوكراني.
ومؤخراً جرت انتخابات تشريعية ورئاسية في البلدين الأوروبيين، صربيا وهنغاريا، وهما مهمان جداً من الناحية الأستراتيجية وضمن الرؤى التكتيكية للمعادلات، بالنسبة إلى أميركا وأوروبا، والأهم بالنسبة إلى روسيا وتركيا، هذا وقد حقّق حزب اتحاد المواطنة المجر (Fidesz) – بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، انتصاراً كبيراً مع حليفه حزب الشعب المسيحي الديمقراطي (KDNP) على تحالف المعارضة، الذي يضمّ 6 أحزاب سياسية، وسوف أشرح وأعلق على ذلك تباعاً:
زيارات قادة وكوادر وعناصر وأدوات مجتمع المخابرات الأمريكية المتعددة للبلقان، لم تتوقف يوماً ان لجهة السريّة منها، وان لجهة العلنيّة أيضاً، فصراع الأدمغة حاضر مع مجتمع المخابرات الروسي، ومجتمع المخابرات التركي، فالأخير – أي التركي – يعتبر البلقان مناطق امتداد جغرافي لتركيا، في أحشاء جغرافية القارة العجوز أوروبا.
الرئيس الأمريكي جون بايدن والد(بو) المتوفي عندما كان نائباً للرئيس أوباما، وقبيل زيارته في ذلك الوقت لتركيا بعد الأنقلاب الفاشل فيها ما غيره، والذي تم هندسته عبر الحكومة السرية الأمريكية في الداخل التركي، قام بزيارة في غاية الأهمية الى البلقان، ان لجهة المكان وما يشكله من أهمية لنواة الدولة التركية العسكرية والمخابراتية وقبيل زيارته لتركيا في ذات الظرف والوقت والسياق، وان لجهة التوقيت والدلالة، كون الجبهات في الشرق الأوسط تستعر، حيث كان المشهد السوري والأقليمي في ذلك الوقت والتوقيت قبل سنوات هو التالي: تطورات عميقة في الميدان السوري رغم حالة السيولة الشديدة التي تعاني منها المنطقة، فمن محطة همدان واستخدام القاذفات الروسيّة الأستراتيجية لها ثم التوقف مع اعتراضات لليمين الأيراني على هذا الأستخدام(التيّارت القومية في ايران غاضبة)، الى محطة ضرب الطيران السوري الحربي لأول مرة لتجمعات الأسايش الفرع السوري لحزب العمّال الكردستاني في الحسكة، مع ظهور اشارات ومؤشرات بدايات الفدرلة الكرديّة في الشمال السوري والشمال الشرقي(تكتل الأسايش وما تسمى بقوّات سورية الديمقراطية، والتي هي ليست بقوّات ولا سورية ولا ديمقراطية بل ميليشيات مسلّحة)، بجانب ارسال البنتاغون لطائراته الأف 16 المتطورة لحماية قوّاته الأحتلالية(في قاعدة الرميلان، وقاعدة عين العرب، وقاعدة غرب الفرات، وقواعد عسكرية أخرى يجري تدشينها)ومستشاريه العسكريين، حيث كل هذا العديد والعتاد العسكري الأمريكي، دخل ودخلوا كلصوص ومجرمين وسفلة وقطّاع طرق تحت جنح ليل، والهدف هو حماية أدواتهم الكرد الأسايش وما تسمى بقوّات سورية الديمقراطية(قصد)، لغايات مزيد من التوظيف للعميل قبل التخلي عنه نهائيّاً عبر تصفيته.
أحسب وأعتقد أنّ زيارة جون بايدن نائب الرئيس في حينه -(هذا الجون بايدن والد بو، له دور مع رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي ممثل البلدربيرغ، في هندسة السياسة الخارجية لأمريكا)- هذه الى البلقان كمحطة أولى قادته الى زيارة صربيا، والبوسنه، وكوسفو، ليس لتدشين طريق باسم ابنه الراحل بو جون بايدن في كوسفو، بل أنّ الأستخدام والتوظيف هذه المرة من قبل اليانكي الأمريكي للبلقان كبريد رسائل لمن يهمه الأمر لكل من تركيا وروسيّا وايران وأخيراً الصين، وبشكل خاص الى تركيا بعد رصد من نواة مجتمع المخابرات الأمريكي، للهجة عدائية متصاعدة لأمريكا ومقلقة لجنين الحكومة الأممية البلدربيرغ الأمريكي، كون جغرافية وديمغرافية البلقان تعتبر كما أسلفنا سابقاً، بمثابة امتدادات جغرافية لتركيا كثقوب في أحشاء القارة الأوروبية، والتي يسعى اليانكي الأمريكي الى مزيد من التوظيفات لها في الصراع مع الروسي والصيني، لأضعاف الأقتصاد الألماني، أقوى اقتصاديات أوروبا، ثم تفجيرها لأوروبا من الداخل وعبر المسألة الأوكرانية الأن، ليصار الى تفجير تركيا لاحقاً، ليصار الى توظيفات لعقابيل تفجير تركيا ازاء روسيّا عبر الأستثمارات بورقة الأرهاب من خلال العبث بدم الأيديولوجيا، والأخيرة تقود الى تعاظم وتصاعد في الفاشيّة الدينيّة في ما تسمى بالحركات الجهاديّة السنيّة لضرب ايران، وأكثر ما تخشاه الأخيره هي تلك الحركات الجهاديّة السنيّة.
والمتابع الدقيق للشأن الدولي والأقليمي، كنتاج للعبث في المفاعل النووي لمسألة الأزمة السورية، بجانب العبث الأطلسي بأوكرانيا، ودور (فؤاد المهندس)تبع أوكرانيا الرئيس زيلنسكي كبيدق أمريكي أطلسي، عبر العبث بالجغرافيا والديمغرافيا الأوكرانية والسوريّة كمؤامرة، يلحظ أنّ هناك ثمة تلميحات أمريكيّة ومؤشرات الى امكانيات هائلة، في ضرورة استخدام البلقان كجغرافيا وكساحات وحدائق خلفية، يصار اعتمادها أمريكيّاً بديلاً لتركيا في اندفاعات الأستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وازاء ايران، من هنا ثمة أدوار تتعاظم لأيران في كوبا، والتي زارها وزير الخارجية الأيراني السابق جواد ظريف، حيث النفوذ والدور الأيراني موجود في الحدائق الخلفية لليانكي الأمريكي في دول أمريكا اللاتينية، ويتم هندسة ذلك بالتنسيق والتعاون مع الصين وروسيّا.
اليانكي الأمريكي عبر ممثله جون بايدن يريد أن يحدد لأنقرة هوامش السياسة التركية في المسألة الكرديّة، وموضوعة فتح الله غولن، وعلاقات تركيا بالناتو، وخديعة انضمام تركيا الى أوروبا، وهوامش السياسة التركيّة أيضاً المنفتحة ازاء روسيّا وايران، والساعية الى انفتاحات مباشرة وغير مباشرة مع دمشق عبر الروسي – مدير المخابرات التركي ومساعده زارا العاصمة السورية منذ مدة زمنية ليست بالطويلة، وفي لغة الخطاب السياسي السوري نلحظ، أنّه يتم استحضار مفردات بيانات الجيش التركي ازاء حزب العمال الكردستاني والأسايش الكرد، وفي المعلومات زيارة لعلي المملوك ومعهه اللواء حسام لوقا مدير المخابرات السوري، قد تجري هذا الأوان لتركيا.
تاريخيّاً يتقولب الصراع الروسي مع اليانكي الأمريكي على البلقان تصاعديّاً وتنازليّاً، حيث محركه معارك النفوذ والسيطرة والمصالح، قاد الى تقسيم يوغسلافيا الى دول ودويلات وساحات ومساحات قويّة وضعيفة على حد سواء، حيث عملت أمريكا على ضم بعضها الى مجالات نفوذها الحيوية بما فيها جمهورية الجبل الأسود، لا بل وبكل صفاقة سياسية عميقة، دعتها لتلك الجمهورية المستولدة من رحم يوغسلافيا السابقة، الى الأنضمام الى الناتو في رسالة استفزازيّة لروسيّا الصاعدة في الدور والتمدد من جديد، وفق أسس ومعايير تقلق أمريكا وبلدربيرغها والمجمّعات الصناعية الحربية وحكومات الأتوقراطيين اليانكيين الأمريكيين، فمسألة توسيع الناتو على حساب روسيّا هدف آخر عميق ومنذ سنوات، وتم تفعيله منذ زيارة والد بو جون بايدن عندما كان نائباً للرئيس الى البلقان عبر زيارته الثلاثية لساحاته.
في معارك النفوذ والصراع على البلقان على طول وعرض خطوط العلاقات الروسيّة الأمريكية وأدواتهما، الأهداف متعددة وفي صلبها الهدف الأقتصادي التجاري، فصربيا كدولة مهمة جدّاً للروس كونها ترفض السير بشكل مطلق في مركب الأندفاعة الأمريكية ضدهم، وكما ترفض حتّى اللحظة أيضاً الأنضمام الى العقوبات الأوروبية والأمريكية ضد موسكو، بسبب الأزمة الأوكرانية وضم جزيرة القرم الى جغرافية الفدرالية الروسية، بجانب رفض صربيا الأعتراف بجمهورية كوسوفو فهي جزء من صربيا حتّى عام 2008 م وان اعترف بها غالبية أعضاء الأتحاد الأوروبي.
لجهاز المخابرات الروسيّ مجالاته الجيوبولتيكيّة بجانب جهاز المخابرات التركي، ومؤخراً وأثناء زيارة سريّة لمدير الفرع الخارجي لجهاز المخابرات الروسيّ الى تركيا، كرد على زيارة سريّة لهاكان فيدان الى موسكو في اطار بحث المشهد الدولي والمسألة الأوكرانية، طرحت المخابرات الروسيّة على هامش طاولة اللقاء في أنقرة، موضوع في غاية الأهمية ويشكل قلق مشترك لكلا البلدين وهو: نقل الأمريكان من سجن غوانتانامو العسكري الى جمهورية صربيا، كل من الأرهابيين: الطاجيكي مهمد دولنوف، والأرهابي اليمني منصور أحمد سعد، بجانب تقرير مفصّل بالمعلومات تشاركت فيه في السابق المخابرات التركية حول معلومات دقيقة تفيد أنّ كوسوفو كاقليم والذي صار دولة، يتحوّل بثبات الى مثابة مصنع لتجنيد المتشددين والأرهابيين نتيجة لنفوذ وأموال عربية ومسلمة بجانب تواطؤ غير مسبوق من قبل مجتمعات مخابرات اليانكي الأمريكي وتفاهماته مع الفرع الخارجي لجهاز المخابرات البريطاني الأم أي سكس.
من المعلوم للعامة قبل الخاصة في العالم انّ الفدرالية الروسية عانت كثيراً من الأرهاب الأمريكي والوهابيّ القادم من القوقاز، فتنامي الأرهاب في دول البلقان وتحوّلها الى قواعد امداد وتأهيل للزومبيات الأرهابية، عبر الأستثمار بورقة الأرهاب من خلال العبث بدم الأيديولوجيا من خلال المذهب الوهابي هو آخر ما تحتاجه وينقص الفدراليو الروسيّة؟!.
بجانب هذا القلق الروسيّ المشروع(وكل قلق أمني مشروع)، ثمة سلسلة قلاقل تقلق تركيا، أكثر من قلق أمين عام الأمم المتحدة، ازاء الأزمة الأنسانية اليمنية بفعل العدوان السعودي الأماراتي الأمريكي الصهيوني الأنجليزي والبعض العربي، حيث كل قلقله تكلّف خزينة الأمم المتحدة أكثر من مائة ألف دولار أمريكي قياساً لراتبه الشهري، وتقسيم الشهر الى أيام، واليوم الى ساعات، والساعات الى دقائق، والدقائق الى ثواني، فقسّم راتب هذا الأمين العام على الأيام والساعات والدقائق والثواني، وشوف كل قلقله كم تكلّف مالاً.
فهذه الأشارات والمؤشرات الأمنية، التي وضعتها المخابرات الروسيّة بالأشتراك المحدود مع نظيرتها التركية تقلق الأخيرة أكثر من موسكو، حيث أنقرة تعيش طور التحوّل الآن، وهي التي لعبت في الأزمة السورية دور القاعدة الخلفية للأرهابيين المسلّحين والمدربين وما زالت، وعلى مختلف توجهاتهم العقائدية، وصحيح أنّها لم تصبح كباكستان بالنسبة لأفغانستان كما وعدها ديفيد بترايوس عام 2012 م حين زارها مدير السي أي ايه هذا، والذي خرج من منصبه، بفضيحة جنسيّة نتيجة نضالاته وبطولاته بين فخذيه عبر بشره.
اذاً ثمة قلق روسي تركي مشترك على تحوّل مسارات الأرهاب الى أراضيهما، فيما لو تأزّمت المواجهة بين الكبار العظام، بفعل الأزمة الأوكرانية كحدث عسكري وسياسي وأمني عميق، بجانب التأثير على جهودهما المشتركة المعلنة لتسوية الأزمة السورية، خاصةً وأنّ لقاءات جنيف فشلت وتفشل، بسبب عدم موافقة اليانكي الأمريكي على فصل جبهة النصرة عن باقي الفصائل المسلّحة، التي وقّعت على وقف الأعمال العدائية عبر القرار 2268 في حينه، ونجحت اللقاءات الى حد ما، لجهة المؤشر للتوصل الى اتفاق مشترك لاحقاً، وفقاً لمقتضيات الحال والمنطق، وتطورات لغات الميدان السوري العسكرية، ليصار الى الصرف السياسي على مصرف طاولة المفاوضات، حيث حتّى اللحظة لم يتمكن المبعوث الأممي لسوريا، من دعوة الأطراف الى جنيفات أخرى.
ما تم ذكره سابقاً وشرحته وشرّحته يتسق ويتوافق وبشكل عميق، مع ما قاله مسؤول استخباراتي أمريكي كبير في استخبارات البنتاغون، أنّ لدى استخباراتنا في البنتاغون معلومات قاطعناها مع ما لدى باقي وكالات المخابرات الأمريكية المختلفة والمتعددة تفيد: أنّ داعش يخطط للأنتقال للعمل في ساحات ومساحات دول البلقان، واثارة عدم الأستقرار في المنطقة(هذه معطيات المشروع الأمريكي البريطاني في البلقان حيث الأندفاعة هنا مشتركة التوظيف والأستخدام).
وذات المسؤول الأمريكي الأستخباري قال: أنّه نتيجةً للتنسيق المخابراتي مع جهاز المخابرات الكرواتي، كشف الأخير ورصد بعمق قيام اثنين من قادة وكوادر تنظيم داعش، أحدهما سعودي والآخر قطري والمتواجدين في البوسنه، بتنظيم صفوف أعداد من العناصر المقاتلة العائدة الى البلقان بعد قتالها في سورية.
وعودة على بدء: فيكتور أوربان الذي يحكم البلاد منذ 12 عاماً، هو الوحيد الذي تحدّى قرارات الاتحاد الأوروبي، وأعلن أن بلاده ستدفع مستحقات الغاز الروسي بالروبل، وانتصاره، كما هو مصدر فرح كبير في موسكو وأنقرة، كان بمثابة الصدمة لأميركا ودول الحلف الأطلسي، التي كانت تتمنى، بل تتوقع أن تهزم المعارضة أوربان الاستبدادي وعدو الديمقراطية.
وقال أوربان بعد إعلان فوزه: لقد انتصرنا على اليسار في الداخل، واليسار الدولي في كل مكان، وبيروقراطية بروكسل(الحلف الأطلسي)، وإمبراطورية جورج سوروس، في كل أموالها ووسائل الإعلام الدولية الرئيسة، بل حتى على الرئيس زيلينسكي – يقصد فؤاد المهندس تبع كييف، وهذا الكلام للمنتصر فيكتور أوربان الذي يحمل في طياته كثيراً من الواقع، فلقد أعلن تحالف المعارضة، خلال حملته الانتخابية، أنه سيُبعد هنغاريا عن تحالفاتها التقليدية مع روسيا وتركيا والصين.
وخلافاً لسكان هنغاريا، ومعظمهم من الكاثوليك والبروتستانت، فإن الأغلبية الساحقة لسكان صربيا هي من الأرثوذكس، كالروس الذين يبدو أنهم هم أيضاً سعيدون بانتصار الرئيس ألكسندر فوتشيتش، وقال الأخير بعد إعلان النتائج: إن صربيا ستسعى للمحافظة على علاقات الشراكة والصداقة مع روسيا، وستلتزم وضع الحياد فيما يتعلق بالتحالفات العسكرية، ولن تغيّر قرارها بشأن رفض العقوبات الغربية ضد روسيا، على الرغم من الضغوط الخارجية التي تتعرض لها.
الصرب: الذين يكنّون عداءً شديداً لأميركا وللحلف الأطلسي، اللذين قصفا بلغراد خلال حرب كوسوفو في حزيران عام 1999 م، لم يُخفوا عتبهم آنذاك على حلفائهم الروس الذين لم يتصدوا للعدوان الأطلسي، ونحسب ونعتقد أنّ انتصار حلفاء الفدرالية الروسية، في بلغراد وبودابست سيساعد موسكو في حربها، سياسياً واقتصادياً ونفسياً، ولاحقاً عسكرياً، ضد واشنطن وحلفائها في أوروبا، بسبب ما لصربيا وهنغاريا من أهمية وثقل كبيرَين وسط القارة الأوروبية، بشأن أزمتها المعقدة، ألا وهي البوسنة.
حسناً لماذا؟ والجواب: الجميع يعرف أن صربيا كدولة، والصرب في البوسنة وكرواتيا ودول الجوار الأخرى، لم يتخلَّوا عن أحلامهم بشأن إقامة دولة صربيا الكبرى، وفي بدايات العام الحالي 2022 م، أُقيم في مدينة بانيا لوكا، وهي عاصمة الشطر الصربي من جمهورية البوسنة، حفل وعرض عسكري كبير، حضره الزعيم الصربي ميلوراد دوديك، وهو عضو المجلس الرئاسي في جمهورية البوسنة، إلى جانب ممثلين اثنَين عن الكروات والمسلمين، ودوديك هذا الذي يحظى بدعم كبير من صربيا بسبب انتمائه القومي والمذهبي الأرثوذكسي، كان إلى جانبه في العرض العسكري رئيسُ وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، وكما لم يتردد رئيس وزراء سلوفينيا(المدعومة من ألمانيا)، يانيز يانسا، في التعبير عن دعمه لمخططات دوديك، التي تهدف إلى تقسيم البوسنة على أساس عرقي وأساس ديني، وسبق ليانسا وأوربان أن اتخذا مواقف معادية للإسلام، وخصوصاً خلال موجة اللاجئين السوريين وغيرهم إلى أوروبا.
ويتحدث الإعلام الأوروبي باستمرار عن دعم سري وعلني من الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي لا يخفى عنه تدخله السافر في الجمهوريات التي استقلّت بعد تمزّق يوغوسلافيا، وفي مقدمتها كوسوفو والجبل الأسود، ويدفع ذلك بعض الأوساط القومية، ليس فقط في صربيا، بل في كرواتيا وسلوفينيا، إلى الحديث عن خطة لتفكيك سلمي لجمهورية البوسنة والهرسك، التي قامت في إطار اتفاق دايتون الذي تبنّته واشنطن بعد انتهاء الحرب الأهلية هناك عام 1995 م، وتهدف الخطة إلى إعادة ترسيم الحدود الخارجية في غربي البلقان، حيث تصبح هناك صربيا الكبرى وكرواتيا الكبرى وألبانيا الكبرى، بعد تقسيم البوسنة والهرسك بين كرواتيا وصربيا، على أن يبقى جزء صغير من البلاد للمسلمين البوشناق.
العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، التي أعلنت رفضها مثلَ هذه المشاريع والخطط واستمرار التزامها اتفاق دايتون، حظي موقفها هذا بتأييد واضح وعلني من الاتحاد الأوروبي، الذي هدَّد بـفرض عقوبات ضد الصرب والكروات في حال استمرار سياساتهم الاستفزازية والخطيرة، وأمّا رئيس وزراء هنغاريا، فيكتور أوربان، فهدّد بدوره باستخدام حق الفيتو ضد أي قرار أوروبي يستهدف صربيا أو الصرب في البوسنة.
ومع استمرار الاهتمام الأميركي والاهتمام الأوروبي بالوضع الصعب والمعقّد والقابل للانفجار في أيّ لحظة، لا تُخفي واشنطن والعواصم الأوروبية قلقها وتخوفها من احتمالات أن تستغلّ موسكو هذا الوضع، ردّاً على مواقف العواصم الغربية ضدها، ليس فقط في أوكرانيا، بل حتى في شرقي البلقان، كبلغاريا ورومانيا، اللَّتين تطلّان على البحر الأسود، ودول البلطيق التي تتخذ مواقف عدائية ضد موسكو.
ويبقى الرهان على احتمالات انفجار الوضع الأمني في البوسنة، عبر استفزاز من الصرب أو الكروات، وهو ما سيضع واشنطن وعواصم حلفائها في أوروبا أمام أزمة جدية وخطيرة، ستستغلّها موسكو للرد على عداء هذه العواصم لها في أوكرانيا، وهي الأزمة التي إن انفجرت، فستجرّ جميع دول البلقان، في قومياتها وأعراقها ومذاهبها، إلى مستنقع الصراعات التاريخية، التي ستنعكس على نحو خطير على القارة الأوروبية، بصورة عام، وسوف تبلع الجميع دون استثناء.
انّ التوجه الأمريكي والأندفاعة البريطانية المخابراتية المسانده له من جديد نحو البلقان في هذا التوقيت الآن وبعد العملية العسكرية الخاصة الروسية المشروعة في أوكرانيا، يضع أكثر من علامة استفهام حول الأهداف الأمريكية والبريطانية المبتغاه، خاصةً وأنّ كلّ المؤشرات توحي أنّ ورقة الأرهاب ما زالت صالحة للتوظيف والتوليف والأستخدام، بجانب جغرافية الشرق الأوسط الان، في أكثر من مساحة وساحة جغرافية أخرى على هذا الكوكب الأرضي.
*عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:
https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A
منزل – عمّان : 5674111
خلوي: 0795615721
سما الروسان في 16 – 4 – 2022 م.
الخامس عشر من رمضان لعام 2022 م.
التعليقات مغلقة.