لماذا المخاوف من الأطماع التركية في الموصل

 

محمود الهاشمي* ( الأربعاء ) 6/7/2016 م …

*كاتب ومحلل سياسي

 ** الأتراك يقولون إن مسعود بارزاني هو الذي أذِنَ لهم بالدخول

قبل أكثر من عام دخلت القوات التركية الأراضي العراقيه دون علم الحكومة الإتحاديه في بغداد ، وأثار دخولها موجةً من السخط  لدى الأوساط العراقيه والعالميه ، فقد أدانت الأمم المتحدة الدخول وإعتبرته تجاوزاً على سيادة العراق ، ومثل ذلك فعلت الجامعة العربيه ، إلاّ أن القوات التركيه مازالت مرابطه في بعشيقه (60 كم عن مركز الموصل ).

فيما يزداد عددها يوماً بعد يوم معززة بالدروع والآليات العسكرية المختلفة رغم كل الإعتراضات .

الأتراك يقولون إن مسعود بارزاني هو الذي اذن لهم بالدخول بدعوى تدريب قوات البيشمركه ، وآخرون يتهمون وزير الدفاع العراقي بعقد الصفقه ، والسؤال المهم : لماذا هذا الإصرار من قبل الأتراك على بقاء قواتهم على أرض العراق رغم كل الإعتراضات ؟

الجواب يقول إن تركيا عينها على الموصل وكركوك منذ معاهدة سيفر في أعقاب الحرب العالمية الأولى والمتضمنة فصل العراق عن الدولة العثمانية عام 1920 والتي رفض يومها الرئيس التركي كمال أتاتورك التوقيع عليها . وفي عام 1923 تم عقد إتفاقية بين بريطانيا وتركيا لرسم الحدود الجديد لتركيا مع جيرانها وتضمنت الإتفاقية بنداً يقول ( اذا إقتصت الضرورة يقرر مصير أجزاء الإمبراطورية العثمانية التي تسكنها أكثرية كردية وتركمانية و عربية أو التي كانت حين عقدت هدنة 30 تشرين الاول 1918 وفقاً لتصويت سكانها الحر ) !!

فالأتراك يعتقدون إن ولاية الموصل إمتداداً طبيعياً لهضبة الأناضول ، وإن الأكراد والأتراك الموجودون في الموصل وكركوك هم من أصول تركية !!

ووفق إتفاقية لوزان تم إجراء إستفتاء على ولاية الموصل عام 1924 تحت إشراف عصبة الأمم المتحدة ، فأوفدت الحكومة العراقية يومها كلاً من جعفر العسكري ( وزير دفاع ) وتوفيق السويدي ( وزير عدل ) بصفة مراقبين الى جانب الوفد البريطاني ، وفي ضوء نتائج الإستفتاء قرر مجلس عصبة الأمم في 16 كانون الأول عام 1925م إبقاء الموصل وكركوك والسليمانية ضمن الحدود العراقية بعد أن صوت أهالي هذه المدن لصالح الإنظمام الى العراق ، فيما كانت أُسرة النجيفيالمتمثلة بجدهم محمد النجيفي ( نائب في البرلمان ) هي الوحيدة التي ترغب بضم هذه المناطق الى تركيا بعد إغراءات قدمتها لهم تركيا آنذاك .

وحاولت بريطانيا إسترضاء تركيا بعد عودة هذه المناطق الى العراق عبر منحهم قرضاً بمبلغ 20 مليون جنيه إسترليني مع تخفيض لديون تركيا فيما شجعت بلغاريا واليونان للوقوف ضدهم.

وقد وافقت تركيا على الإستفتاء عام 1926 م والتنازل رسمياً عن المناطق أعلاه مقابل منحها 10% من عائدات النفط المستخرج من منطقة الموصل وكركوك لمدة 25 سنة وقد تم لها ذلك !!

بقيت تركيا عينها على ولاية الموصل وكركوك ، وتتربص الفرص لإسترجاعها فيما تحرض الصحف التركيه حكوماتها على ذلك وتدعوهم الى المزيد من الضغط  كلما تعرض العراق الى تهديد أو مشكلة داخلية ، فمثلاً عام 1986م وعندما روج الإعلام الى دخول القوات الإيرانية الأراضي العراقية من الشمال . فكرت تركيا بالدخول الى الأراضي العراقية وحشدت جيوشها على الحدود للسيطرة على الموصل وكركوك بدعوى تعرض المواطنين التركمان للإضطهاد وإصدر البرلمان التركي بياناً قال فيه ( تركيا لن تبقى صامتة دون الإهتمام بكركوك والموصل ) !!

في عام 1987 ، وعندما اُشيعت أخبار عن نية إيران دخول محافظة البصرة أثناء الحرب العراقية الإيرانية قامت الصحف التركيه بحملة إعلامية تطالب بضرورة تدخل تركيا وضم الموصل وتركيا إليها !! بدعوى إن منطقتي الموصل وكركوك بقيتا خارج الميثاق الوطني التركي لعام 1920 م .

لكن الرئيس التركي أوزال علق على ذلك ( تركيا ليست بحاجة الى مغامرات ) .

في أعقاب إحتلال العراق للكويت عام 1990م أكد رئيس الوزراء التركي أوزال على ضرورة تدخل تركيا في الموصل وكركوك وفاتح الرئيس التركي بذلك والمطالبة بنفط الموصل وكركوك ( المغتصب ) على حد قوله !!

منذ عام 1991 وحتى عام 2003م كانت القوات التركية تقوم بعمليات عسكرية متكررة حتى قبل انسحابها قامت بعملية عسكرية واسعة أسمتها ( فولاذ ) .. وعام 1995م طالب الرئيس التركي سليمان ديميرل بإعادة ترسيم الحدود مع العراق ، وضم الموصل وكركوك الى تركيا !!

منذ خمسين عاماً وتركيا ترفض عقد إتفاقيه مع العراق بشأن المياه ، وقد بدأت الأزمة عندما بنت تركيا سد (GAD) جنوب شرق الأناضول على منابع دجلة والفرات والذي يتكون من 21 سداً بدعوى مبدأ السيادة على النهرين ويؤكد خبراء إن تركيا تطلق مياه النهرين بين الوديان حتى لا تصل الى العراق وسوريا . وقد شجعت إسرائيل هذه المشاريع ودعمتها مالياً وفنياً ، وكان هناك مشروعين لمد أنابيب أحدهما شرقي والآخر غربي ينقلان الماء الى الجزيرة العربية والآخر الى إسرائيل ليأتي بعائدات الى تركيا تقدر بملياري دولار سنوياً .

بعد عام 2003 م تعاملت تركيا مع العراق بأنه دولة بلا سيادة ، وعقدت العديد من الإتفاقيات مع إقليم كردستان دون الرجوع للحكومة الاتحادية وأهمها عقود النفط فيصدر نفط الاقليم عبر أراضيها مقابل دولار عن كل برميل على ان تودع مبالغ العائدات في المصارف التركية !! وتعمل في الإقليم 1023شركة تركية !.

شجعت تركيا الإقليم على الانفصال ، واستقبلت مسعود على انه الزعيم القومي للاكراد نكاية بزعيم حزب العمال التركي اوجلان ، حيث اصدر حزب العمال بيانا دان فيه عملية تسويق مسعود بديلا عن اوجلان .

في الثاني من اب عام 2012م زار وزير خارجية تركيا احمد داوود اوغلو كركوك دون التنسيق مع الحكومة الاتحادية وعدها العراق يومها انتهاكا للسيادة .

عادت تركيا العملية السياسية في العراق ، وعمدت الى استقبال ورعاية الفارين والمطلوبين للعدالة في العراق ورعت مؤتمراتهم وتوجهاتهم .

رعت تركيا الإرهاب وتعاملت مع المنظمات الإرهابيه على انها دول يتم التفاوض معها ، وكانت تخطط بالتنسيق مع هذه المنظمات لإستعادت الموصل ، حيث إن قصة القنصل التركي في الموصل أثناء دخول داعش ، ومعه طاقم القنصلية قد أُعيدوا الى تركيا بشفافية عالية ودون أذى رغم أن داعش مارس مهنة القتل والذبح والتدمير مع اول دخوله الموصل فكيف اعيد هؤلاء الى بلدهم ؟ كما ان تركيا باشرت ببيع النفط المنهوب من العراق لصالح التنظيمات الإرهابية وبأسعار زهيدة ؛ وقد كشفت المخابرات الروسية تفاصيل عملية البيع والشراء ، ناهيك عن التسهيلات الكبيرة التي منحتها تركيا الى المنظمات الارهابية عبر عمليات المرور عبر اراضيها وتوفير معسكرات التدريب وغيرها من التسهيلات المالية كل هذا على حساب دماء الابرياء من الشعب العراقي ومصير العراق !!

حتى يومنا هذا مازالت تركيا كلما يتم الإعداد للموازنة في بلدهم ترصد مبالغ ( وهمية ) الى ولاية الموصل وكركوك !!

الآن القوات التركية على أرض العراق رغم كل الإعتراضات والتهديدات وتدعي إنها جزء من القوات المشاركة في تحرير الموصل ، وفي آخر تصريح لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمس قال ( مخاوفنا من الأطماع التركية في الموصل حقيقية ) . نذكر إن الميزان التجاري بين العراق وتركيا 12 مليار دولار وهو أعلى ميزان تجاري للعراق مع أي دولة أُخرى .

ما يجري بين تركيا والعراق اليوم محاولة تركية لإعادة إنتاج مشكلة الموصل التاريخية (1918- 1926) بثوب جديد موشح بتسميات مختلفة لكن الوقائع تشير اليه بوضوح . فهل تركيا جادة في أمرها ، ولمصلحة مَنْ إعادة عجلة التأريخ والتحرك أو العمل على إدارة المشكلة من جديد ؟ ! وتعلم تركيا إن لديها مشاكل مشابهة ويتطلب منها الحذر فيها قبل أن تستمر بهذه المشكلة أولاً ، وثانياً لا تفيدها صناعة صراعات وأزمات خارجية وأبواب الجحيم داخلها مفتوحة ، وما التفجيرات الإرهابية التي حدثت وتحدث على أراضيها الا دليل على ذلك ، فهل ترعوي وتنسق مع جارها العراق وسوريا وتقيم علاقات طيبة مبنية على حسن الجوار أم إنها سادرة في غيها ؟ .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.