الاتفاق التركي الإسرائيلي ( 2 ) / حمادة فراعنة

 

حمادة فراعنة ( الأردن ) الأربعاء 6/7/2016 م …

وصف نتنياهو الاتفاق التركي الإسرائيلي الذي تم التوقيع عليه يوم 26/ حزيران /2016 في روما على أن له “ أهمية إستراتيجية للأمن وللاستقرار الإقليمي وللاقتصاد الإسرائيلي ، فالاتفاق يتعهد بمنع أي نشاط عسكري ضد إسرائيل من الأراضي التركية بما في ذلك جمع الاموال ، وهو تعهد مهم ومركزي غير مسبوق حتى اليوم “ ، كما قال .

وفي مؤتمره الصحفي الذي كرسه للحديث عن الاتفاق التركي الإسرائيلي ، وعقده في روما في أعقاب التوقيع على الاتفاق تحدث نتنياهو عن فحوى الاتفاق فقال :

“ “الامر الاول في الاتفاق هو الدفاع عن قادة ومقاتلي الجيش الإسرائيلي في وجه الدعاوى الجنائية والمدنية ، سواء تلك المقدمة الآن أو التي ستقدم في المستقبل ، لقد تراكمت الآن دعاوى كثيرة ، قد تصل إلى ملايين الدولارات وتسبب منع حرية الحركة لجنودنا ، الاتفاق يضمن أن لا يكون الجنود والمقاتلين والقادة معرضون لدعاوى من قبل تركيا ، اضافة إلى ذلك فإن الاتفاق يضمن سن قانون في البرلمان التركي لإلغاء كل هذه الاجراءات في تركيا”.

والأمر الثاني ، حسب نتنياهو، هو “ الحفاظ على الحصار الامني البحري على قطاع غزة ، هذه مصلحة أمنية عليا لنا ، لم أكن على استعداد للتساهل بشأنها ، هذه مصلحة حيوية لمنع تسلح حماس ، وقد بقيت كما هي ، نحن نسمح بالطبع للسفن بالوصول إلى ميناء أسدود وإنزال حمولتها ، ولم نمنع ذلك في أي وقت .

أما الامر الثالث وفق نتنياهو فهو “ علاج الامور الانسانية في القطاع بناء على الترتيبات الامنية الإسرائيلية ، فإضافة إلى الاعتبارات الإنسانية ، هذه مصلحة واضحة لإسرائيل لا سيما في مجال المياه والكهرباء ، حيث لا توجد مياه كافية في غزة ، والمدينة تمر بعملية جفاف متدرجة وتتلوث المياه ، وهذا الامر لا يقتصر على غزة والآبار الجوفية فيها ، بل ينتقل إلى مياهنا ، عندما لا توجد كهرباء كافية تنشأ مشاكل مختلفة بما في ذلك النظافة ، وعند وجود الاوبئة فانها لا تتوقف عند الجدار ، هذه مصلحة انسانية ومصلحة إسرائيلية واضحة”.

وأشار رئيس حكومة المشروع الإستعماري التوسعية إلى أن “ الاتفاق سيدعم موضوع دخول إسرائيل إلى حلف الناتو “  وشدد على الاقتصاد بقوله : “هذا الاتفاق يفتح مجالا للتعاون في الامور الاقتصادية وأمور الطاقة ، بما في ذلك الغاز ، من الضروري خلق اسواق للغاز الذي نستخرجه من المياه ، أنا أقول لكم – 60 في المئة من كل شيكل مقابل الغاز الذي يخرج من المياه تصل إلى صندوق الدولة ، الحديث يدور عن مبالغ طائلة ، باستطاعة لفيتان أن  تعطي أيضا السوق المصرية الذي ننوي العمل معه ، وأيضا السوق التركية ، واعطاء الغاز لاوروبا عن طريق تركيا ، هذا هام لإسرائيل استراتيجيا ، ولم يكن بالإمكان عمل ذلك دون اتفاق”.  

فلسطينياً كرس الاتفاق التركي الإسرائيلي مسألتين في غاية الاهمية والخطورة وهما :

أولاً : كرس إنفصال قطاع غزة عن باقي الاراضي الفلسطينية ، فقد تم بدون مشاورة القيادة الفلسطينية أو التنسيق معها بإعتبار الاتفاق يمس بالمصالح الفلسطينية مباشرة ، فقد تم الاتصال مع الرئيس محمود عباس للإبلاغه “ فحوى الاتفاق بعد إقراره وليس للتشاور معه “ كما صرح بذلك عضو تنفيذية منظمة التحرير جميل شحادة ، أمين عام الجبهة العربية الفلسطينية لصحيفة الغد يوم 29/6/2016 .

وثانياً : كرس تبعية قطاع غزة أمنياً وإقتصادياً للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فبوابة المساعدات تمر عبر موافقة تل أبيب وقراراتها ، وتدفقها يتم عبر ميناء أسدود  الإسرائيلي على الساحل الفلسطيني .

فالانفصال والتبعية هما أبرز عناوين الاتفاق التركي الإسرائيلي فلسطينياً ، وهذا يفتح سياسياً على مشروع التسوية مستقبلاً كما قال وزير الخارجية التركي مبلوط كبوس اوغلو “ سنواصل عقد الاجتماعات مع حركة حماس  ، ولن نغلق مكاتبها عندنا ، ولن يتدخل أحد في علاقاتنا مع حماس ، التي تستهدف الوصول إلى سلام مستقر ، فبدون حماس لن يقوم سلام يمكن أن يصمد “ .

الاتفاق التركي الإسرائيلي يدلل بما لا يدعو مجالاً للشك أنه يخدم مصالح الطرفين ، التركي والإسرائيلي ، وهنا مكمن المشكلة أن الاطراف جميعاً تتصرف وتتحرك وتصل إلى إتفاقات بما يخدم مصالحها ، بينما مصالح الشعب الفلسطيني متروكة للهزات وإدعاءات الاخرين بالحرص عليها ، ولكنها حقيقة أخر الاولويات لدى الاخرين ، أشقاء أو أصدقاء ، والذين يفترض بهم الحرص على مصالح الشعب الفلسطيني من الفصائل الفلسطينية ، يعطون الاولوية لمصالحهم الحزبية والتنظيمية وتسقط مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه وتضعف ، بسبب الانقسامات المدمرة والخلافات العميقة .

الاتفاق التركي الإسرائيلي يجب أن يعطي العرب درساً بليغاً مفاده أن الدول تتصرف وفق مصالحها وليس وفق أهواء قياداتها ، فها هو الرئيس التركي يقدم الاعتذار لروسيا في محاولة لانهاء القطيعة مع موسكو ، وها هو يصل إلى قرار إعادة تطبيع العلاقات مع المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ويتفاهم معه ويعود ذلك كله إلى حالة الانحسار والتراجع التي تواجه السياسية التركية لخوضها معارك على جبهات مختلفة ، بدون أن تضيف مكاسب لامنها وإقتصادها ودورها ، بل على العكس من ذلك تعيش حالة إستنزاف في مواجهة داعش والقاعدة مثلما تعيش حالة تصادم مع الاكراد ، وبرنامجها نحو سوريا فشل فشل ذريعاً عبر دعم المعارضة المسلحة بهدف إسقاط النظام الامر الذي دفع أنقرة بقيادة أردوغان لعمل إستداره سياسية كبيرة للتعامل مع المستجدات ومحاولة التكيف معها .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.