الخروج عن القطيع / حنان بديع

حنان بديع ( لبنان ) – الثلاثاء 26/4/2022 م …




أهم دروس الحياة التي تعلمها بعد فوات الأوان هو حقنا في الاختلاف والتفرد دون خوف أو شعور بالذنب، حقنا بكل بساطة أن نكون أنفسنا دون أن نقدم ما يبرر اختلافنا هذا؟
عندما تكون طبيباً وابنك يرغب في أن يصبح فناناً أو رجل أعمال فهو حقه في أن يكون شخصاً آخر سواك.. وعندما تكوني ربة منزل وابنتك ترفض هذا الدور لا لشىء سوى لأنها لا ترى نفسها فيه فهو حقها في أن تكون ذاتها دون شعور بالذنب..
يفقد الإنسان من إنسانيته بقدر ذوبانه في المجتمع وتقيده بالمعايير الاجتماعية التي تجعل منه عبداً لها مقابل أن ينال رضى الآخرين، لكن ماذا يحدث لو خرجنا عن القطيع؟
الحقيقة لا شىء سوى أننا نربح أنفسنا ونتصالح معها حينما نعيش الحياة التي اخترناها لا تلك التي اختارتنا، في الواقع من حق الإنسان أن يكون مختلفاً وشاذاً عن المتوقع أو النمط المتعارف عليه بين أفراد مجتمعه طالما هو مستعداً لدفع الثمن، خياراتنا في الحياة هي حقنا المكتسب على أن ندفع ثمنها بكل رضى وبمنتهى المسؤولية، علينا أن نتحمل تبعات هذه الرغبة في الانسلاخ وهذا الاحتياج للإنطلاق إلى حيث نقرر ونشاء بشجاعة..
في معظم الأحيان، المختلف أو الخارج عن القطيع هو واحد ممن قضوا معظم حياتهم وهم يظنون ويعتقدون بأنهم يدافعون عن أفكارهم ومعتقداتهم وقناعاتهم الخاصة ثم اكتشفوا فيما بعد أنهم كانوا يدافعون عن أفكار وتصورات زرعها في عقولهم أناس آخرون هم آباء وأجداد غادروا الحياة وتركوا لنا ما يجعل تجاربنا نسخة عنهم باعتبار المتعارف عليه هو الصواب بلا شك أو ريب!
نعم معتقدات، عادات، تقاليد، أعراف، من حقنا أن نغربلها كلها ونخرج منها بما يناسب قناعاتنا، ثم من حقنا أن ننشق ونتمرد بحثاً عن وجه وهوية تشبهنا نحن ولا أحد سوانا..
هناك لوحة شهيرة بعنوان «الخروج عن القطيع»، وهي لرسّام بولنديّ اسمه توماس كوبيرا، يصوّر فيها، بطريقة إبداعية وعميقة ماهيّة ثقافة القطيع وتأثيرها، تصور اللوحة ببلاغة فنية مبهرة الإنسان المدافع عن أفكاره وقناعاته الخاصّة، تعبيرات وجه الرجل المندفع بقوة خارج قطيع متشابه الوجوه مملوءة بالمعاناة والألم، عيناه تصرخان لكن روحه تقاوم، عينه مثبّتة على شيء يراه من بعيد، قد يكون حلمه الذي يريد بلوغه، لذا ثبت عينك على حلمك، تعلم متى تترك القطيع وتصبح مستقلاً، لا تتبعهم فأنت لا تعلم إلى أين يذهبون.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.