أول الغبث في اليمن.. متى يأتي دور سوريا؟ / احمد الدرزي
احمد الدرزي – الثلاثاء 26/4/2022 م …
أصبح من الواضح أن منطقة غرب آسيا بأكملها وُضعت على نار اختبار التسوية السياسية.
تسرّبت من بغداد أجواء إيجابيّة بعد اللقاء التفاوضي الأمني الخامس بين مسؤولين كبار من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ورئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان، وخصوصاً ما يتعلّق بالملف اليمني، وبوادر إيجاد تفاهمات حول مستقبل اليمن، بما أنعش فكرة اقتراب التفاهمات الإقليمية والدولية حول الملف السوري، فهل هذا ممكن؟
لا شك في أنَّ الملف اليمني شديد التعقيد على المستوى الدولي والإقليمي، وخصوصاً أنَّ اليمن يستطيع التحكّم في مضيق باب المندب، الذي يعتبر أحد أهم الممرات البحرية لطرق التجارة العالمية، إضافة إلى مخزونه النفطي والغازي غير المحدد بأرقام بعد، وتموضع حكومة صنعاء ضمن المحور الممتد من حدود أفغانستان إلى شرق المتوسط إلى بحر العرب، في مواجهة المشروع الأميركي، الذي تتمحور حوله الدول الخليجية ومصر وتركيا، وفي المقدمة “إسرائيل”.
من هنا، يختلف الملفّ السوريّ عن الملف اليمني، فهو أشدّ تعقيداً من الملفّ اليمني الَّذي تؤدي فيه المملكة العربية السعودية دوراً مع الإمارات العربية المتحدة مباشرة، وبدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا و”إسرائيل”، مقابل إيران الَّتي تدعم حكومة صنعاء.
إنّ الواقع السوري أشد تعقيداً بأشواط، إذ انخرطت روسيا وإيران بشكل مباشر في دعم دمشق عسكرياً، في مواجهة التدخل العسكري المباشر لكلٍّ من الولايات المتحدة وتركيا و”إسرائيل”، ولكلٍّ من هذه الأطراف الثلاثة أهداف مختلفة عن الطرف الآخر، ما يزيد تعقيد المشهد السوري، فتركيا تعمل على تثبيت الأمر الواقع، باحتلالها 10% من الأراضي السورية وضمّها إلى الدولة التركية، ضمن مشروع طويل الأجل، والولايات المتحدة تتّخذ من حضورها في شمال الفرات شرقها مِنصة للضغط على روسيا من جهة، ومنع التواصل البري بين شرق البحر المتوسط حتى شانغهاي في الصين من جهة ثانية.
من جهتها، تعمل “إسرائيل” على إبقاء سوريا دولة مُدمرة، لحماية نفسها من دول الطوق، ومنع تمركز قوى محور طهران بغداد دمشق بيروت عسكرياً على حدود الجولان المحتل، بعد تجاربها المُرَّة في كل حروبها ومعاركها التي خاضتها منذ العام 2000.
وما عقَّد المشهد السوري أكثر هو انتقال الصراع على النظام الدولي عسكرياً من سوريا إلى أوكرانيا، ما دفع الملفّ السوري نحو حالة الانتظار، ريثما تتبلور نتائج الحرب وما يتمخّض عنها من متغيرات ستحفر عميقاً في البنى السياسية والاقتصادية على مستوى العالم أجمع.
وعلى الرغم من وضع الانتظار، فإنَّ ما عبّرت عنه مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس بأنَّ بلادها “لا يمكن أن تظلّ مستهلَكة على مدى 24 ساعة و7 أيام في الأسبوع”، ما زال حاكماً في السياسات الأميركية التي أُرهقت في ملفّ الشرق الأوسط. وقد استنزف انشغال الولايات المتحدة عن مواجهة الصين وروسيا، إلى أن وقعت الواقعة في أوكرانيا، التي تحوَّلت إلى برزخ للمرور نحو عالم دولي جديد، مهما كلَّف الأمر بالنسبة إلى روسيا والصين.
وقد تلمَّست المملكة العربية السعودية مجمل التحولات التي ما زالت مستمرة بفعاليتها، وأدركت بعد تقرير بيكر-هاميلتون في العام 2008، إثر العجز عن التحكّم في العراق، أنَّ الزواج الحاصل بين الولايات المتحدة والمملكة على الطراد “يو إس غس كوينسي”، والذي تعاهد عليه كلّ من الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بعنوان “النفط مقابل الأمن”، لم يكن كاثوليكياً، وأنَّ المصالح الأميركية أكبر من أيِّ عنوان، حتى لو كان “إسرائيلياً”، وهو ما أدركته بعد حربها على اليمن، الّذي تعاطت معه على مدى قرن من الزمان باعتباره حديقة خلفية لها.
وقد جاءت الضربة المؤلمة الأخيرة لمنشآتها النفطية، بتاريخ 20/3/2022 على يد حكومة صنعاء، بمنزلة الضربة القاصمة، لتؤكد لها من جديد أن التعاطي الإقليمي يتطلب رؤية جديدة تتعامل مع المعطيات بواقعية، فالواقع الإقليمي يفرض نفسه على الجميع، بما في ذلك الحليف التاريخي الولايات المتحدة، المتجه إلى العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران من جديد، بعد فشل كل أشكال العقوبات في إخضاعها لأهداف الاستراتيجية الأميركية.
في الوقت نفسه، تتابع المملكة التحولات الاقتصادية الدولية ومخاطر استمرار الدولار كعملة عالمية في التداول الدولي، إضافةً إلى مخاطر الاستيلاء على أموال الدول والأفراد، ما عزّز الشكوك في الثقة بالسياسات الأميركية، والخشية من تعرّضها للمخاطر نفسها في أية لحظة، فسيف العقوبات مسلّط على الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يعتبرون أنفسهم حلفاء لأميركا.
ليس من المستبعد بعد اللقاء الأمني التفاوضي الخامس بين إيران والسعودية في بغداد، أن تبرز أجواء جديدة في منطقة غرب آسيا، وخصوصاً أنَّ هناك تسارعاً لعقد اللقاء السادس في مسقط قريباً.
وقد ينعكس ذلك على العلاقات العربية مع دمشق، والانفتاح عليها بشكل تدريجي، كما حصل بين الإمارات العربية المتحدة وسوريا، على الرغم من تداخل العاملين التركي والإسرائيلي، المتضرَرين الأساسيَين من العودة إلى الاتفاق النووي، وحصول المصالحة السعودية الإيرانية، والانفتاح على دمشق، بعد إيجاد حل يحفظ ماء وجه المملكة العربية السعودية في اليمن.
أصبح من الواضح أنَّ منطقة غرب آسيا بأكملها وُضعت على نار اختبار التسوية السياسية، القائمة على الإقرار بحجم القوى الإقليمية وأدوارها، وضرورة تهدئة المنطقة، والذهاب نحو نظام إقليمي جديد، تستطيع سوريا أن تتنفّس فيه بعض الشيء، شرط امتلاكها إرادة جديدة وإدارة جديدة قادرة على استثمار الظروف الجيدة لمصلحتها، بانتظار التحول الأكبر بعد انتهاء الأزمة في أوكرانيا، التي تُظهر معطياتها الأولية أننا أمام سنوات من الحرب.
التعليقات مغلقة.