ابن معالي الوزير / د. محمود عبابنة
قبل أيام، وبينما كنت في منطقة الرابية، توقفت أمام إحدى الصيدليات ومشيت أغذ الخطى للدخول إليها، وإذا بصوت ينادي دكتور… دكتور، فالتفتت لأرى شاباً وسيماً بهي الطلة في سيارة (طلبات) واقتربت منه لأتمكن من التعرف على هويته، فإذا به يقدم نفسه أنا فلأن الفلاني، وأضاف أنت يا دكتور درستني في جامعة عمان الأهلية عام 2001 وفعلاً بدأت أتذكر الوجه والملامح والمادة القانونية التي درستها كمحاضر غير متفرغ، بعد عودتي من بريطانيا واستئناف مهنتي في السلك القضائي.
سألته أنت ابن معالي الوزير فلان؟ فأجابني نعم أنا هو بعينه، وتذكرت والده الذي درسني مادة القانون المدني، وتذكرت جده صاحب الفكر والعقيدة، وقلت له كان والدك من أفضل الأساتذة وأحبهم الى قلوب الطلبة، لقد كان والدك صاحب فكر وفلسفة، ولم يكن مجرد مدرس جامعي، وبعد فصل المجاملات سألته عن احواله وماذا يعمل هنا؟ فأجاب أنهيت دراسة الماجستير في مصر، وأعمل بوظيفتين إحداهما توصيل الطلبات حتى أستطيع توفير الحياة الكريمة لأولادي، فسألته عن اخبار والده استاذي ووزيري السابق، فأكد لي أنه بخير صحياً ومادياً، وهو دائما إلى جانبي بالقدر الذي يستطيع وقد زوجني، ولمعرفتي بوالده وأحواله المادية الجيدة، فقد اكبرت بهذا الشاب المثالي عمله في توصيل الطلبات حتى لا يثقل على والده حسبما قال لي.
تأملته وقلت له ليهنأ والدك بهذه الذرية، وليفتخر أنه لم ينهب ويسرق من عطاء أو مناقصة ويطلب منك القعود ويقول: أنت ابن وزير خذ ما تريد، لن أذكر اسم هذا الشاب العظيم الذي تشرفت بأخذ صورة إلى جانبه، ولن أذكر اسم والده الشريف النزيه بناء على رغبة هذا الشاب عندما استأذنته بالكتابة ونشر الصورة على موقع الفيسبوك، فأجاب: أنه لا يريد أن تُفسر على أنها دعاية لوالده، ولكن هذا الموقف سيطر على فكري وفلسفتي لعدة ايام، وانا أرى أبناء الوزراء والمسؤولين كيف تنتظرهم الوظيفة وهم في الفصل الاخير من الدراسة، وكيف يغادرون إلى الخارج لاستكمال تعليمهم العالي ثم يعودون من الخارج مكللين بِغار المنصب الجديد وبرواتب مجزية، هذا الوزير كان مدرساً جامعياً قبل أربعين عاماً، ولكنني اشهد أنه كان مدرساً جامعياً وصاحب فكر، ثم اصبح وزيراً، ولم يسعَ إلى توظيف ولده بالواسطة، أو يعطه فيكفيه ويقعده لقيادة السيارة والجلوس على الأرجيلة في مقاهي المدينة الصاخبة وهو عاطل عن العمل.
قرر الاثنان أن خير وسيلة للرزق هي الاعتماد على النفس وضرب ثقافة العيب بعرض الحائط، الشاب ابن الوزير النزيه هو أكبر من كثيرٍ من حملة الدكتوراه، وهو أغنى من كثيرٍ من أبناء أكبر الأغنياء، أهنئك معالي أستاذنا ووزيرنا السابق على هذا الشبل.
ختاماً اتساءل: متى سنطّلع على تاريخ زعماء العالم كيف بدأوا وكيف عملوا في بيع القهوة والبطيخ والليمون ليساعدوا اباءهم، ولنا في مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا الحديثة، وأردوغان باني نهضة تركيا الجديدة مثلٌ وأسوةٌ حسنة.
التعليقات مغلقة.