في القرن الافريقي … قواعد متقدمة للصهيونية / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الأحد 10/7/2016 م …
تقلبات كثيرة عانى منها القرن الإفريقي فمن دكتاتورية الحكام إلى ماركسيتهم إلى حروب مفتعلة إلى فقر وجوع وتشريد ولجوء من اريتريا إلى اثيوبيا ، شأن داخلي في دول مجاورة وقف العرب بشأنه وقفة المتفرج ، وربما كان معهم الحق في ذلك ولو ان الاستراتيجية العربية ” الغائبة ” تقتضي التقرب من تلك الدول ومحاولة تحسين العلاقات معها وربطها بمشاريع مشتركة من منطلق حسن الجوار وعدم الاعتداء واحترام كل طرف للآخر ، وهنا لا بد ان نستذكر العدوان الاريتري على اليمن واحتلال جزيرة حنيش في البحر الأحمر مع نهاية سنة 1995 إلى ان تم حله من خلال لجنة تجكيم دولية التي اثبتت ملكية تلك الجزيرة لليمن سنة 1998 .
وفيما يلي نبذة عن علاقة اريتريا واثيوبيا مع الكيان الصهيوني
• كان النظام الحاكم في اريتريا قد اتخذ مواقف كثيرة تقربه من الكيان الصهيوني على الرغم من كون غالبية السكان ينحدرون من اصول عربية ويتحدثون اللغة العربية فلقد كانت هذه الدولة بعد استقلالها عن اثيوبيا الأقرب لتكون عضواً في المجموعة العربية ، إلا أن النظام الحاكم هناك بدأ بالتضييق على كل ما له امتداد عربي كما قام بإغلاق المدارس العربية واستبدالها باللغة الانجليزية وذلك رغم بقاء العربية اسمياً لغة رسمية في البلاد ، كل ذلك من أجل الغاء اي ارتباط بالعالم العربي واحلال المصالح الصهيونية بدلا منها ، وذلك على الرغم من الدعم العربي لحركة التحرير الاريترية مقابل دعم إسرائيلي لإثيوبيا ولقد أصبحت اريتريا منذ استقلالها سنة 1993 أقوى حلفاء إسرائيل في إفريقيا منذ استقلالها وباتت ترتبط مع الكيان الصهيوني باتفاقية تعاون أمني وعسكري منذ عام 1996 تتحكم ” إسرائيل” بموجبها بقاعدتين عسكريتين في إريتريا إحداهما للتنصت والثانية للتزويد العسكري ، كما تعد إريتريا أكبر قاعدة للوجود العسكري الإسرائيلي في إفريقيا من خلال حقائق ومعطيات حجم الوجود العسكري ، ولقد كشفت وثيقة صادرة عن إدارة التعاون الدولي بوزارة الحرب الإسرائيلية في شهر أغسطس عام 1997 حول الوجود العسكريوجود ما بين (500-700) مستشار عسكري من مختلف صنوف الأسلحة لا يتولون تدريب القوات الإريترية وحسب، وإنما قيادة بعض الوحدات المهمة مثل بعض القطع البحرية وتشمل المنظومات الإلكترونية، ووسائل الدفاع الجوي والبحري، ومحطات الرادار وتمد إسرائيل إريتريا بمنظومات قتالية متطورة مثل الطائرات، وقطع البحرية كالزوارق الحاملة للصواريخ (سفر) و(دابورا) وصواريخ مضادة للأهداف البحرية من طراز (جريانيل) وصواريخ مضادة للدروع ، كل ذلك علاوة على التعاون في المجالات الاقتصادية.
• أما عن اثيوبيا فالحديث يطول ولقد أولت الصهيونية لاثيوبيا اهمية كبيرة من منطلق تحكم أثوبيا فيما يزيد على 80% من منابع مياه النيل ، علاوة على ما تتميز به إثيوبيا من وضع استراتيجي خاص ومن غنى بالموارد الطبيعية ، وتعود بداية العلاقات بين إسرئيل وأثيوبيا إلى عام 1952، حيث كان استيراد اسرائيل للأبقار من إثيوبيا هو أبرز الأنشطة العلنية، فيما كان ذلك غطاء لاستخدام إثيوبيا كقاعدة استخباراتية للموساد الإسرائيلي ، كما بدأت إسرائيل منح مساعدات لإثيوبيا مع نهاية الخمسينات من القرن المنصرم من خلال مشاريع في مجالات الزراعة والصحة والتدريب ولقد تدرج الأمر إلى إرسال وفد عسكري إسرائيلي دائم في إثيوبيا يتكون من 100 ضابط وقائد عسكري إسرائيلي سنة 1966 حيث يعتبر هذا الوفد الأكبر عدداً لإسرائيل في دولة إفريقية ، كما قامت إسرائيل بتدريب وتأهيل القوات الخاصة للجيش الإثيوبي، خاصة في صراعها مع قوات الحركة الوطنية الإريترية، وكان لإسرائيل منفذ خاص بميناء مصوع الإريتري على البحر الأحمر، وكانت السفن الإسرائيلية تتوجه للصيد في البحر الأحمر أمام سواحل إثيوبيا.
ولقد بلغت العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية أوجها في عهد الامبراطور الذي ساعته إسرائيل في إحباط كل محاولات الانقلاب عليه قبل أن يضطر سنة 1973 -بعد حرب أكتوبر- مرغماً وبضغوط من منظمة الوحدة الأفريقية إلى أن تم قطع العلاقات العلنية مع إسرائيل.
ومع عودة القتال بين إثيوبيا وإريتريا، عادت إثيوبيا للاستعانة بإسرائيل، فتم إبرام صفقة سرية بينهما سنة 1977 يتم بمقتضاها أن تسمح إثيوبيا بتهجير اليهود لديها إلى إسرائيل مقابل صفقة سلاح إسرائيلية ضخمة كما زودت إسرائيل إثيوبيا بصفقة سلاح سنة 1983، تبين أنها كانت عبارة عن الأسلحة التي صادرتها إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية ، كما تم تنفيذ عملية “شلومو” لتهجير يهود إثيوبيا إلى إسرائيل سنة 1991 ، وحصلت أديس أبابا في المقابل على مساعدات مالية .
ومنذ ذلك الحين يتناوب المسئولون الإثيوبيون على زيارة تل أبيب بشكل متواصل ، كما قام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتعيين مستشاراً خاصاً للشؤون الإثيوبية منذ سنة 2010 ، حيث يعيش أكثر من 150 ألف إثيوبي في إسرئيل الآن ، ومن الجدير بالذكر أن إثيوبيا كانت قد امتنعت عن التصويت على مشروع قرار في الأمم المتحدة الذي يعتبر الصهيونية نوعا من العنصرية
كما وتشهد إثيوبيا إقبالاً كبيراً من المستثمرين الإسرائيليين، وتعد الزراعة والري والأمن والسياحة، من أبرز المجالات التي تتركز عليها العلاقات «الإسرائيلية ـ الإثيوبية»، حيث تنشط الشركات الإسرائيلية في تلك المجالات بشكل واسع، وتحظى بثقة وحماية النظام الحاكم في إثيوبيا.
• أما عن المستجدات في علاقة أثيوبيا مع الصهاينة فإن التعاون بين الكيان الصهيوني واثيوبيا مازال مستمراً ونشطا، ً وتشير المعطيات إلى وقوف الصهاينة مع اثيوبيا في انشاء سد النهضة الذي يشل خطراً استراتيجياً على الأمن القومي في مصر والسودان ، الأمر الذي تخشى معه مصر من انخفاض في توافر المياه خلال فترة ملء الخزان وإلى انخفاض دائم بسبب التبخر من خزان المياه ، ويبلغ حجم خزان السد ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية ( 65,5 مليار متر مكعب ) ومن المرجح أن تنتشر هذه الخسارة إلى دول المصب على مدى عدة سنوات ، حيث سيتم فقدان 11 – 19مليار متر مكعب من المياه سنوياً أثناء فترة ملء السد ، مما سيتسبب في خسارة المزارعين لدخولهم خلال الفترة من ملء الخزان وسيتجاوز الأمر ذلك إلى التأثير على امدادات الكهرباء في مصر بنسبة 25 % – 40 % كما سيؤدي سد النهضة إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر وسيقلل من قدرة السد العالي على إنتاج .
• اثيوبيا تدعم اسرائيل لدى الاتحاد الافريقي : على الرغم من رفض الاتحاد الأفريقي طلبين سابقين لإسرائيل في الحصول على عضوية “مراقب” فى الاتحاد الأفريقي إلا أن رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين قد صرح قبل يومين إن بلاده ستدعم موقف إسرائيل الساعي لاستعادة مكانتها في الاتحاد الأفريقي، حيث جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك، عقده ديسالين مع بنيامين نتنياهو، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وأضاف رئيس الوزراء الإثيوبي، عقب محادثات ثنائية أجراها مع نظيره الإسرائيلي، إنه لا يوجد سبب يمنع “إسرائيل “من الحصول على صفة “عضو مراقب” في الاتحاد الأفريقي، على حد تعبيره ، وكان ديسالين قد أجرى مباحثات مع بنيامين نتنياهو؛ تناولت العلاقات الثنائية بين الجانبين، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، وخاصةً السياحة والاستثمار والثقافة والعلوم التكنولوجية.
وعلى الرغم من خطورة ما صرح به رئيس لوزراء الاثيوبي إلا أن ردود الفعل العربية ما زالت مثبطة وأقل كثيرا مما يستوجبه الأمر فلقد :
1. أكد وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور، “أن مطالبة بعض الدول الإفريقية بانضمام إسرائيل إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، غير واردة قانونيا، وهي مجرد استهلاك إعلامي ليس إلا مضيفاً بأن “إسرائيل ” ليست دولة أفريقية، والاتحاد الإفريقي واتفاقية تأسيسه الأولى في المنظمة الافريقية عام 1963، قبل أن يتحول إلى اتحاد في قمة سرت، لا تشير إلى امكانية دخول أعضاء من خارج القارة الإفريقية”حيث يحدد ميثاق الاتحاد الافريقي شروط العضوية، وبالتالي مطالبات البعض بدخول هذه الدولة أو تلك إلى الاتحاد، تتناقض مع الميثاق، والحديث عن انضمام إسرائيل مجرد استهلاك إعلامي ليس إلا”، ولم يشر الرد على إمكانية القبول بصفة مراقب فالمراقب لا يستوجب استكمال كل شروط العضوية .
2. أما تصريحات الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية وعلى الرغم من خطورة ما اورده رئيس الوراء الاثيوبي والاختراق الكبير الذي قام به الصهاينة فقد جاءت ضعيفة ولا تليق بأن تخرج عن وزير خارجية مخضرم وأمين عام للجامعة العربية حيث رأى أن رحلة نيتنياهو لافريقيا وما صاحبها من تصريحات لا يجب أن “تثير القلق” من تحول سياسة دول أفريقية، وتخصم من “رصيد مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية”، مضيفاً”، بأن تلك الرحلة محاولة لـ”كسر عزلة إسرائيل والترويج بأنها دولة مع الأمن والإستقرار..” متناسياً ما تمثله من تهديد حقيقي لـ”الأمن القومي العربي”، الى جانب مخاطرها المحددة ضد أمن مصر السياسي والإقتصادي، مع ما تمثله من خطر سحب مكانة فلسطين داخل القارة، والإنقلاب المتوقع ، في حركة ودور الصوت الأفريقي في الساحدة الدولية…
هي إذن حالة الوهن العربي الذي فرضت مثل تلك التصريحات من رئيس الوزراء الاثيوبي وما قابلها من تصريحات ضعيفة … وما كان ذلك ليتم لولا الحرب والدمار في كل من سوريا واليمن وليبيا والعراق … فهل نستفيق ….. أمل أكاد أراه صعب لتحقيق !!!!!!
التعليقات مغلقة.