مرايا الفكر (18) / د. عدنان عويّد

د. عدنان عويّد* ( سورية ) – الخميس 26/5/2022 م …




* مفكر وباحث …

مرايا فكرية – الحلقة (18)

     مراد غريبي يحاور الباحث الأكاديمي النهضوي د. عدنان عويّد.

خاص موقع صحيفة المثقف: يستضيف موقع صحيفة المثقف, الباحث الأكاديمي الأستاذ الدكتور عدنان عويّد، ضمن مرايا فكريّة، وحوار شامل أجراه معه الأستاذ الباحث مراد غريبي، حول قضايا الفكر والهوية واللغة والنهضة في العالم العربي، فأهلا وسهلا بهما:

 المحور الثاني: الدين والإنسان والحياة:

س19: أ. مراد غريبي: الحياة العربيّة وفقاً لما يلعبه الدين الإسلاميّ من تأثير كبير على وعي وممارسة الشعوب العربيّة في هذه الحياة, ظهرت لدينا إشكاليّة تكمن في فهمنا وممارستنا للديمقراطية بمفهومها المعاصر, وللشورى وآلية تطبيقها كما وردت في النص المقدس, الأمر الذي أثار أيضاً إشكالاً كبيراً آخر أمام تطبيق المواطنة في ظل مقتضيات الديمقراطيّة والشورى معاً. أين موقع المواطنة تحت ظل هذه المقتضيات؟.

ج19: د. عدنان عويد: دعنا بداية نتعرف على الديمقراطيّة والشورى.

الديمقراطيّة:

     هي المشاركة الشعبيّة في قيادة الدولة والمجتمع، واحترام الرأي والرأي الاخر، وهي الاقرار بالمساوة بين الجنسين، وهي التعدديّة وتداول السلطة، وهي في المحصلة إلغاء كل حالات التمايز السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة من أجل سيادة وتطبيق المواطنة. والديمقراطيّة من جهة أخرى ليست شكلاً فحسب تتجسد في صناديق الاقتراع.. بل هي جوهر.. وجوهرها تنمية الإنسان والعودة به إلى مرجعيته الإنسانيّة التي استلبت منه تاريخيّاً بفعل ضياعه في منتجاته داخل علاقاته الاجتماعيّة الاستغلاليّة من التي ولدها غير التقسيم العادل للدخل الاجتماعي بين مكونات المجتمع أولاً، وبفعل القوى التي مارست عليه الاستبداد والاستغلال والتجهيل والضياع ثانياً.. فالديمقراطيّة إذن هي مشروع إنسانيّ هدفه الإنسان، ووسائل تطبيقه في المحصلة هو الإنسان نفسه، ونقصد بالإنسان هنا، من يبحث عن إنسانيته الضائعة والمستلبة والمشيئة والمغتربة في واقعه المعيش. هذا وللديمقراطيّة أساليب إدارتها ولها قيمها أيضاً.. فأساليب عملها هي المؤسسات التي تديرها, إدارات محليّة, ومجالس نيابيّة, ودساتير، ومؤسسات إداريّة، وتمثيل شعبيّ، وصناديق اقتراع …الخ. أما قيمها فهي السمات والخصائص الأخلاقيّة والقيميّة التي يتمتع بها مجتمع من المجتمعات أو أمّة من الأمم, وبالتالي على المشروع الديمقراطيّ أن يراعي هذه الخصوصيات القيميّة عند كل مجتمع من المجتمعات، ولا نقوم بنقل تجارب ديمقراطيّة لأمّة ما إلى أمّة أخرى نقلاً حرفياً لتلك التجربة، ولكن علينا أن نستفيد من تجارب تلك الشعوب أو الأمم إذا كانت تتوافق وواقعنا المعيش وقيمنا.

     من هنا نقول: إن الديمقراطّيّة صيغ وليست صيغة واحدة صالحة لكل زمان ومكان.

أما الشورى:

      فهي مشروع لتداول الرأي في قضايا تهم الفرد والمجتمع، أمر بها النص القرآنيّ بآيتين هما (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (- آل عمران159). (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38- آل عمران).

     وهي في المصطلح، الوجه الآخر للديمقراطيّة، إلا أنها ظلت محكومة في فهم وتفسير القرون الوسطى لها، وبالتالي لم تحدد لها آليّة عمل أو وسائل تطبيق كما هو الحال في الديمقراطيّة، مع تأكيدنا بأن هناك رؤى إسلاميّة راحت تعمل على إعادة قراءة الشورى بفهم معاصر من حيث ألّيّة عملها ودور ومكانة الإنسان في تقرير مصيره عبرها كما هو الحال في الفهم الإخواني المعاصر لها، أو فهم الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة لها. ولكن ظلت آلية عمل الشورى محكومة بالنص المقدس وتشريعاته، وبالتالي هذا ما يحد من فتح آليّة عملها من قبل الإنسان كسيد نفسه ومن حقه أن يحقق مصيره وحياته وسبل عيشه وفقاً لرغباته لا وفقاً لما يريده النص المقدس.

     إن مشكلتنا الأساس في التطبيق العملي لكل من الديمقراطيّة والشورى معاً. فحكوماتنا لا هي قادرة أن تطبيق الديموقراطية تطبيقاً عقلانياً بأن الديمقراطية تعني إزاحتها عن السلطة بفعل التعدديّة والتشاركية في قيادة الدولة والمجتمع من جهة, ثم إلغاء الوصاية على الشعب, وعودة الدولة إلى حضن الشعب الذي هو وحده من يقرر مصيره ونظام حكمه وانتخاب قياداته وومثيله وإيصالهم إلى السلطات الثلاثة التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة.

     أما بالنسبة للشورى, فالحكومات غير قادرة على السير في هذا الاتجاه خوفاً من القوى الإسلاميّة المسيطرة على الشارع بهذا الشكل او ذاك من جهة, ثم لعموميّة خطاب الشورى وغياب آلية عملها وضبطها لقيادة الدولة والمجتمع من جهة ثانية. لذك, ضاعت الديمقراطيّة والشورى معاً في مجتمعاتنا العربيّة تحت سلطة الوصايا على الشعوب من قبل حكوماتها تحت ذريعة أن هذه الشعوب لم تصل بعد لفهم وتحمل مسؤوليّة الممارسة السليمة للديمقراطيّة, ثم ادعاءها بالعلمانيّة ورفض لربط السياسية بالإسلام.

     أما بالنسبة لقضية المواطنة وموقعها في الديموقراطيّة واللشورى، فالديمقراطيّة تركز على مسألة الوطن والمواطنة، واعتبارهما هما المنطلق لتحقيق العدالة والمساوة والأمن والاستقرار ودولة القانون والمؤسسات الخاصة بشعب محدد أو أمّة محددة.

     أما بالنسبة لموقع المواطنة في الخطاب الإسلاميّ بشكل عام والشورى من ضمن آليّة عمل هذا الخطاب، فهي تتجاوز بنية الوطن وبالتالي المواطنة، ففي الشورى هناك مسلم من يحق له الدخول في عالمها, وما تبقى رعايا, هذا من جهة, ومن جهة ثانيّة, فالشورى كونها من ضمن بنية الخطاب الإسلامي, هي لا تعترف بالمواطنة, هي تنطلق في تطبيقاتها من موقع أممي, فهناك مسلم,  وليس سوريّاً أو مصريّاً أو عراقياً أو عربيّاً… الخ. لذلك هي تعتبر غير المسلم في الدولة الواحدة ذميّاً له حقوقه وعليه واجباته التي تختلف إلى حد كبير عن حقوق وواجبات المسلم, في الوقت الذي تعتبر فيه أرض الإسلام أرضاً لكل مسلم ولا يمكن لهذه الأرض أن تمتلك حق التخصيص لهذا الشعب أو ذاك أو لهذه الأمّة أو تلك غير الأمة الإسلاميّة، وعلى هذا الأساس فهناك داران في الخطاب الإسلامي، دار كفر ودار إيمان. ومن هذا المنطلق يفقد الوطن جذوره الجغرافيّة والسياسيّة، مثلما تفقد المواطنة سماتها وخصائص الوطنيّة أو القوميّة. وهذا ما اشتغل عليه الإخوان والقوى السلفيّة الجهاديّة ومشروع الثورة الخمينيّة في إيران ومن يواليها في العالمين العربيّ والإسلاميّ.

 [email protected]

https://www.almothaqaf.com/c/d5/960517

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.