لوبي السلاح / د. بثينة شعبان

دام برس : دام برس | لوبي السلاح.. بقلم: الدكتورة بثينة شعبان

د. بثينة شعبان ( سورية ) – السبت 4/6/2022 م …
وأنت تستمع إلى حديث الرئيس بايدن ينعى 21 قتيلاً، بينهم 19 طفلاً، قضوا في حادث إطلاق النار داخل مدرسة ابتدائية في ولاية تكساس، تظن أنه من أهل الضحايا، لاحول له ولا قوة، وليس صاحب القرار الأهم في الولايات المتحدة، إذ إنّ “شرّ البلية ما يُضحك”، ينطبق على سؤاله: “علينا أن نسأل متى سننهض ونقف في وجه جماعات الضغط المدافعة عن حق حمل السلاح؟ متى سنقف باسم الله في وجه لوبي السلاح؟ متى سنفعل باسم الله ما نعلم جميعاً بأنه يجب القيام به من داخلنا؟”.

وأضاف بايدن: “لقد حان الوقت لتحويل هذا العمل إلى عمل من أجل كل والد، ومن أجل كل مواطن في هذا البلد. ينبغي لنا أن نوضح لكل مسؤول منتخب في هذا البلد أن الوقت حان للتحرك”.

وقالت نائبته كاميلا هاريس: “قلوبنا ما زالت تتحطم بسبب عمليات إطلاق النار التي تشهدها المدارس الأميركية باستمرار”، مضيفة أن “علينا أن نتحلى بالشجاعة للتحرك، في مناشدة للكونغرس لإصدار تشريع يفرض قيوداً على بيع الأسلحة النارية وحيازتها”.

إذا كان الرئيس الأميركي ونائبته يستجمعان شجاعتهما وعناصر قوتهما لفعل شيء يمكن أن يوقف الحوادث المتكررة في الولايات المتحدة من قتل الأطفال، فالسؤال هو مَن هم الذين يتحكمون في القرار الأميركي، ومن هم الذين يمنعون استصدار قانون يحرّم على مثل هؤلاء القَتَلة حيازة السلاح؟ وفي كل مرة يُقتل أطفال في مدرسة أميركية، يتبارى المسؤولون في إدانة العمل الإجرامي والضغط على أعضاء الكونغرس لتغيير القانون في الولايات المتحدة، بحيث لا يتمكن الأميركي من حيازة السلاح بهذه السهولة.

لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن النظام في الولايات المتحدة بُني على بيع الأسلحة للداخل الأميركي، والخارج أيضاً. وبايدن نفسه، والكونغرس، وافقا على إرسال 60 مليار دولار من الأسلحة الفتاكة لقتل الأوكرانيين في حربهم العبثية مع روسيا.

إن تغيير هذه القوانين يستدعي في العمق تغييراً بنيوياً في نظام الولايات المتحدة القائم أصلاً على شن الحروب وتطوير السلاح وتصديره، واختلاق الأزمات مع دول العالم وبين دول العالم من أجل بيع الأسلحة. يقوم الاقتصاد الأميركي والنظام السياسي الأميركي على اللوبيات، ويتربع لوبي السلاح على قمة السلطة، فهو القادر على إيصال الرؤساء وأعضاء الكونغرس إلى حيث يستخدمونهم لشن الحروب.

والأمران متلازمان في داخل الولايات المتحدة وخارجها. فكما أن لوبي السلاح داخل الولايات المتحدة يريد أن يُبقي على حرية حيازة الأسلحة، بغضّ النظر عن الضحايا الذين هم في الغالبية من الأطفال وطلاب المدارس والجامعات، فإن لوبي السلاح الأهم أيضاً في مواقع اتخاذ القرار هو الذي يؤيد شن الحروب في بقع متعددة من العالم، لأن الرأسمال الأميركي يعتمد أساساً على تصدير الأسلحة، ولا يمكن أن يبقى منتعشاً إذا ما عمّ السلام العالم وتوقفت الحاجة إلى استيراد الأسلحة.

ولهذا، فإن دور الولايات المتحدة الحقيقي هو زعزعة الاستقرار في مناطق متعددة من العالم، واختراع الأسباب لنشوب الحروب التي تضمن أن تشتري المنتوجات من الأسلحة الأميركية، الأمر الذي يضمن استمرار تطوير الأسلحة واستمرار ثروة الطبقة السياسية الصناعية العسكرية في الثراء من جهة، والسيطرة على مفاتيح القرار من جهة أخرى. وأكبر مستهلك للأسلحة الأميركية هو وزارة الدفاع (البنتاغون) التي تتجاوز ميزانية مشترياتها من الأسلحة الميزانيات الدفاعية للعالم كله.

في اليوم ذاته الذي قتل مطلق النار الأميركي أكثر من 19 طفلاً أميركياً، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية الطفل الفلسطيني غيث رفيق يامين (16 عاماً) بعد أن أطلقت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي في رأسه في المنطقة الشرقية لمدينة نابلس، وقبلها قتلت الصحافية شيرين أبو عاقلة، وتقتل يومياً عند حواجز الموت الإسرائيلية المدنيين الأبرياء.

وكما أن غياب القرار الأميركي، في أعلى المستويات، وافتقاد الجرأة والحرص الفعلي على حياة الإنسان، هما من العوامل التي تؤدي إلى استمرار ارتكاب المجازر في المدارس الأميركية، فإن القرار الأميركي بالاستهانة بحياة الفلسطينيين وبتعطيل كل قرارات مجلس الأمن المنصفة لهم، هو أيضاً من العوامل الأساسية التي تمكّن الإسرائيليين من الاستمرار في استباحة بيوت الفلسطينيين وساحاتهم ومساجدهم وكنائسهم، وقتل أطفالهم ونسائهم ورجالهم، عبر إطلاق الرصاص الحيّ عليهم في الرأس من دون خجل أو وجل.

ولا شكّ في أن لوبي السلاح في الولايات المتحدة هو المسؤول الفعلي عن الحرب على العراق وتدميره لمئة عام مقبلة، وهو المسؤول الحقيقي عن الحرب الإرهابية في سوريا، وعن احتلال المناطق الشرقية منها، وعن قصف ليبيا، وعن استمرار الحرب في اليمن، وعن الحرب في أوكرانيا، وطبعاً عن حروب أخرى كثيرة كحروب فيتنام وكوريا ويوغوسلافيا وأكثر من مئتي حرب أخرى، لأن هذا اللوبي لا يستطيع أن يستمرّ إلّا إذا كانت الحروب مستمرة في العالم. وهنا يكمن الخطر الأساسي للنظام الأميركي. والأخطر هو الانجرار وراء قراراته، وعدم امتلاك الشجاعة على الوقوف في وجه قرارات الحروب، والانسحاب من هذا المشهد الذي يعبث بحياة البشر تحت مسوّغات ما أنزل الله بها من سلطان. فماذا فعل الشعب العراقي حتى يتم اختراع كذبة لقصفه واحتلاله وتدمير حياة الملايين منه وقتلهم؟ وماذا فعلوا بعد أن اكتشفوا أنها مجرد ذريعة مفضوحة لشن الحرب؟

وماذا فعل الشعب اليمني حتى تصبح أرض اليمن حقل تجارب للأسلحة الأميركية، والشعب اليمني ضحية مباشرة لهذا الاستهداف المجرم؟ وماذا فعل شعب أوكرانيا حتى تتحوّل أرضه إلى مرتع لما قيمته أكثر من 60 مليار دولار من الأسلحة، ومرتع أيضاً للنازيين الجدد والإرهابيين؟

إذا كانت نائبة الرئيس تدعو نواب الكونغرس إلى أن يتحلوا بالشجاعة للتحرك، فالأحرى بقادة الدول الأوروبية اليوم أن يتحلوا بالشجاعة لحماية مواطنيهم واقتصادات بلدانهم من عواقب إجراءات مدمِّرة، ليسوا مضطرين إلى اتخاذها، ولا مصلحة لهم فيها، سوى أنهم لا يتجرأون على قول “لا” للولايات المتحدة.

لكن عليهم، كما قالت هاريس، أن يتحلوا بالشجاعة للتحرك ضد لوبيات السلاح التي تعيث حروباً وخراباً في هذا الكوكب وتمنع إحقاق الحقوق لأصحابها، وتقف في وجه العدالة والقانون الدولي، ليس لأي سبب سامٍ أبداً، بل كي تزيد الصناعةُ العسكرية الأميركية في ثرواتها، وتطوّر مزيداً من الأسلحة الفتاكة، وكي يضيف أصحاب البلايين بلايين أخرى إلى ثرواتهم ليزدادوا استهتاراً بحياة الأطفال والبشر، سواء أكانوا داخل الولايات المتحدة أم خارجها.

ولأن الموقف الإنساني من الحياة لا يتجزأ، فإن الذي يستهين بقتل أطفال تكساس وأطفال نابلس وجنين، لن تحرك مشاعرَه الجرائمُ التي ترتكبها قواته في سوريا أو العراق أو اليمن أو أوكرانيا أو ليبيا. لذلك، فإن الوقوف في وجه لوبي السلاح الأميركي، والحروب التي يخترع لها الأسبابَ الساسةُ الأميركان، هو موقف ضروري وواجب على كلّ القادة في العالم، وأولهم القادة الأوروبيون الذين يساهمون في تدمير بلدانهم، وتدمير العلاقات الدولية، ووضع العالم على فوّهة بركان، فقط لأنهم لا يمتلكون الجرأة على الوقوف في وجه الطغيان، ولا يتحلون بما يجب أن يتحلى به القادة الشجعان، الذين لا يهادنون مع الباطل والظلم، ولا يذعنون لإرادة الغير.

إن الوقوف في وجه لوبي السلاح الأميركي أصبح ضرورة إنسانية من أجل إعادة إرساء أسس السلام والتعاون الدوليين، وهذا واجب أخلاقي وواجب إنساني على كل دول العالم، صغيرة كانت أو كبيرة. وإن الحرب الدائرة في أوكرانيا تشكّل فرصة لدول العالم من أجل التعبير عن رفضها هذا النموذج من الحكم والهيمنة والعبث بمقدِّرات الشعوب وحياة أبنائهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.