لعبة الثعالب: لماذا لا تقوم أمريكا بإقتلاع داعش؟ / د.خيام الزعبي
مشاركة
د.خيام الزعبي* ( سورية ) السبت 7/2/2015 م …
*كاتب أكاديمي متخصص في الشأن الدولي
راهنت أمريكا على إسقاط النظام في سورية وإكتشفت أن الرهان خاسر، فلا سورية إستسلمت ولا أمريكا إنتصرت، بل جلست تتفاوض مع الأسد ربما عاد الإستقرار الى سورية،وأمام هذا الفشل الأمريكى عادت واشنطن إلى أساليب المؤامرات على الطريقة الإنجليزية “فرق تسد”، إذ حرضت الشيعة على السنة في المنطقة وقسمت العالم العربي إلى مسلمين وغير مسلمين وقدمت الدعم والسلاح والمال للمجموعات الإرهابية في أكثر من مكان، ومازالت تقف مع إسرائيل رغم أنها خسرت كثيراً بسبب هذا الدعم، وفي نهاية المطاف جاءت بالإرهاب لكي يكونفزاعة تخوف بها العالم بأسره والدول العربية خاصة.
الحقيقة المرة أن أمريكا هي من صنعت داعش، وليس هذا وحده إنما صنعت كل التنظيمات الإرهابية بالمنطقة العربية، من أجل أن تطلقها على الأمة العربية لتنفذ بها كل مخططاتها الإجرامية في التفتيت والتقسيم لمصلحة إسرائيل، في إطار هذا إن الحرب التي يعلنها الأمريكان والغربيون على تنظيم داعش هي في الواقع، حرب شكلية، ولو أن الغرب يريد فعلاً إبادة هذا التنظيم لفعلها منذ إتساعه وإزدياد نفوذه، كيف نصدق ان هناك حرباً على هذه المجموعات وهم يمولونها بالسلاح والأموال؟، إذاً فالذي يحدث هو بترتيب أمريكي-غربي، وهو الذي يريده للمنطقة العربية لتحقيق مصالحه وأهدافه.
التاريخ يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أمريكا دائماً وراء صناعة العدو، ومن ثم هي المتحرك الأول لمحاربة هذا العدو، فهى تتفنن فى خلق الصراعات ولعب دور الشرطي وحامي العالم، فكما صنعت طالبان فى أفغانستان لمواجهة المد الشيوعي ومحاربة الإحتلال الروسى، ثم انقلبت عليه وحاربته فى تحالف دولي، صنعت مؤخراً تنظيم داعش والكثير من الخلايا الإرهابية المُتطرفة بهدف تفتيت المنطقة العربية وتحقيق أمن إسرائيل، وقد فضح هذا الأمر الدبلوماسي الأمريكى السابق “مايكل سبرينجمان”، والذي أكد دور كل من وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الإستخبارات الأمريكية CIA فى إنشاء تنظيمات إرهابية ولدت من رحم تنظيم القاعدة، جازماً أن تنظيم داعش هو حلقة في سلسلة المؤامرات الأمريكية، في إطار هذا يمكن القول إن علاقة الأمريكان بتنظيم داعش لم تقتصر على الجوانب العسكرية بل تجاوزتها الى الجوانب الإعلامية والإقتصادية والإستخبارية، ففي الوقت الذي تواصل الطائرات الأمريكية إيصال شحنات الأسلحة المتنوعة والمتطورة الى تنظيم داعش في مختلف مناطق القتال يتم تزويدهم أيضاً بأهم المعلومات الإستخبارية لتحرك القوات السورية، أما الدعم الإقتصادي والمادي فهو المحور الأهم في ديمومة الدواعش والذي يتناغم مع إستراتيجية الأمريكان في تحقيق مطامعها القائمة على التواجد الدائم على الأراضي السورية.
في سياق متصل يخطئ من يظن أن أمريكا جادة وعازمة على القضاء على تنظيم داعش، فأمريكا ليست لديها إستراتيجية محددة للقضاء على داعش في فترة زمنية قريبة، بل أنها تعوق المجتمع الدولي للقضاء على الإرهاب رغم حديثها الذي لا ينقطع عن ضرورة محاربته والقضاء عليه، لأن وراء هذا التنظيم أهداف وبرامج إستراتيجية بعيدة المدى أهمها: -ترسيخ الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط -إنهاك والقضاء على النظام السياسي في سورية- إنهاك العراق بشراً وجيشاً ومادياً ونفطاً ـ توريط وإنهاك حزب الله في جنوب لبنان وفي أماكن تواجده في منطقة الشرق الأوسط – توريط إيران وإنهاكها مالياً وعسكرياً ونفطياً حتى يسهل العدوان عليها من قبل إسرائيل – إستدراج وإنهاك روسيا من خلال زجها في المستنقع السوري- نشوب حروب فى المنطقة تحارب فيها قوى إقليمية بدلاً من الولايات المتحدة ذاتها، يضاف إلى هذا إزدهار صناعة السلاح فى أمريكا بعد أن وجدت المنتجات العسكرية طريقها إلى هذه القوى المتحاربة، وبناءً على ذلك ستبقى أمريكا وحلفاءها تمدُّ فرق الدواعش بوسائل البقاء والتفوق مالاً وعسكرة وتدريباً وتوجيهاً حتى بلوغ هذه الأهداف التي وضعتها لها أمريكا وحلفاؤها.
والذي لا تعرفه دول المخططات هو أن هذه الجماعات الإرهابية ستنقلب عليها وتطول دوله، فعندما قامت أمريكا بصناعة تنظيم القاعدة انقلب عليها فيما بعد، وما حدث في تفجير عام ٢٠٠١ في نيويورك خير دليل على ذلك، واليوم تم صناعة داعش وإنكوي العالم بناره، مثلما حدث في الهجوم على الصحيفة الفرنسية “شارل إبدو”، بالاضافة الى عمليات قتل الرهائن الغربية والعربية، بالمقابل إن القصف الأمريكي لداعش في العراق وسورية جاء بعد أن تجاوزت داعش الخطوط الحمراء فيما يتعلق بمصالح امريكا، وتسعى أمريكا في هذه المرحلة لعدم حسم الصراع لصالح داعش ومنع محاولات داعش تحقيق مكاسب كثيرة على الارض،وتدخل الولايات المتحدة هو لتحجيم داعش وليس القضاء عليه، لذلك جاء التدخل لضبط قواعد اللعبة وفقاً لقواعد إستمرار اللا سلام واللإستقرار في سورية والمنطقة.
آخر ما أطلقته أمريكا من بالونات التشويش والخداع هو إعلان الأرقام الوهمية لمساحة الأراضي التي يسيطر عليها الدواعش في العراق وسورية وأرقام مساحات الأراضي التي حررها الجيش السوري والأكراد الذين نجحوا في تطهير الكثير من المناطق المهمة والواسعة والتي كانت تحت سيطرة التنظيمفي محافظة حلب وغيرها، ومن هنا يمكنني القول إنهعلى الأمريكان ان لا يذهبوا بعيداً في تفائلهم في إطالة أمد الحرب في سورية وعليهم ان لا يفكروا في العودة من جديد الى المنطقة وتحت عباءة الدواعش لان الشعب والجيش السوري قد أقسموا عهد الولاء بالدم لسورية وأن يكون الحسم سوري خالص، لأنهم متأكدون أن الأبطال الذين أقسموا يمين الولاء للدفاع عن الوطن بدمائهم وأرواحهم، لن يفرطوا أو يخونوا أو يبيعوا.
وأخيراً اختم بالقول إن رسائل الودّ التي تبعثها أمريكا اليوم لحلفاؤها يجب أن لا يطمئنوا لها، فمحاربة القاعدةومحاولة إستنساخ تجربة العراق لا يعني أن شهر العسل سيدوم بينهما، فقد وضعت المعارضة بيضها كاملاً في سلة أمريكا، وظنت أن المجتمع الدولي لن يتخلى عنها، لكنهم تركوها عندما شعروا أنها غير جديرة بالثقة، ولن يترددوا أن يعيدوا نفس السلوك مع كل من يتعامل معهم، ومن هنا لا مناص للسوريين من حل مشكلاتهم بأنفسهم، وما تزال الفرصة سانحة لتنفيذ مصالحة تاريخية تعيد الإعتبار للوطن وتمنع تمزقه،مع ضرورة التحرر من أغلال الأحقاد السياسية، ومعالجة جروح الأزمات بإعادة الإعتبار لقيم الإنتماء والإخاء والتسامح والتلاحم الوطني وتجاوز خطاب الأزمة والفرقة في كل مسارات العمل السياسي، وبإختصار شديد إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له ووقوف الدول الصديقة إلى جانبه إضافة إلى قناعة أطراف دولية أخرى بخطورة الإرهاب على إستقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي وصادق في وجه هذه الآفة الخطيرة.
التعليقات مغلقة.