بعد فشل الخطة ب الأميركية: ما هي خيارات العدوان وما هي مواقف الدفاع؟ / امين محمد حطيط
امين محمد حطيط ( لبنان ) الأربعاء 13/7/2016 م …
بعد ان تيقن الغرب بالقيادة الأميركية ان خطته الأخيرة في سورية فشلت وانه بات أمام حلين أما إطلاق خطة جديدة تعتمد العمل العسكري أساسا لها كما هو حال الخطط الخمسة الفاشلة التي طبقها منذ ست سنوات في المنطقة، أو الذهاب إلى العمل السياسي الذي سيكون فيه ملزما بإرادة منه أو رغما عنه، يكون ملزما بالقبول بنتائج المواجهة وعجزه عن أسقاط المنطقة وسورية قلبها وعجزه أيضا عن تقسيم المنطقة وتكريس التقسيم واقعيا وقانونيا ويفرض بنتيجة ذلك سيطرة على جزء يستعمله في إنهاك واستنزاف الجزء الأخر.
أذن الغرب الأن و بعد التطورات الأخيرة في العراق و إنجاز تحرير الفلوجة و بدء التحضيرات لمعركة الموصل و بمشاركة فاعلة من الحشد الشعبي العراقي ، و بعد إنجاز المرحلة الثانية من المراحل الثلاث للمعركة الفصل في حلب بات يشعر ان الظروف الميدانية لم تعد في صالحه خاصة و ان جيشه السري المتعدد التسميات و المختصر بعبارة “الجماعات الإرهابية” ان هذا الجيش غير قادر بمفرده ، و غير قادر بمساعدة أطلسيه محدودة ان يحدث التغيير الاستراتيجي المبحوث عنه لأحداث توازن في الميدان أو كسر الأرجحية القائمة اليوم لصالح معسكر الدفاع عن سورية و المنطقة ، و بالتالي فان الخيار العسكري الوحيد و المنطقي بالنسبة للغرب اذا شاء ان يمسك بالميدان هو التدخل العسكري بالجيوش التقليدية الفاعلة سواء عبر عمليات تدمير واسعة تنفذ ضد معسكر الدفاع عن سورية مباشرة ، يعقبها انتشار الإرهابيين فيها ، أو عبر اجتياح يجريه الحلف الأطلسي بما يمكنه من وضع اليد على سورية باحتلالها .
لقد تعاطت بعض مراكز التأثير في الغرب مع هذه الفرضية بشكل جدي و انقسم الموقف منها بين مؤيد للتدخل الواسع مهما كان تكلفته و لهذا كانت وثيقة موظفي الخارجية الأميركية ، و بين معارض له رافض للانزلاق إلى مستنقع يفاقم ما حل بالعالم بعد الاستراتيجية الغربية الإجرامية التي استندت على منطق الحروب و الاجتياح و الاحتلال ، حروب ومآسي أدت ال تدمير 5دول حتى الأن ( أفغانستان العراق سورية ليبيا و اليمن ) و قتل 4 ملايين شخص و تهجير 27 مليون شخص و تدمير بكلفة لا يستطيع احد ان يقدر حجمها و هي بالأف البلايين من الدولارات التي لو انفق 5% منها على الرفاه الإنساني لما بقي محتاج على وجه الأرض ، و دعما لهذا التيار نشر تقرير تشيلكوت في بريطانيا و هو تقرير يدين القرار بالحرب على العراق و يوحي أو يكاد يوصي بعدم تكرار الجريمة في سورية .
لقد كان اهتمام من قبل معسكر العدوان على سورية و المنطقة بالحل العسكري و التدخل المباشر و العلني للناتو لان المسؤولين في هذا المعسكر يعرفون حقيقة ما آل اليه الميدان و حقيقة ثابتة أخرى هي ان العمل السياسي اذا شارك فيه أنداد متكافئون لا يمكن ان يقلب الهزيمة في الميدان إلى نصر في السياسة كما اعتاد الغرب في السابق ان يفعل و التي كان القرار 1701 نموذجا له ، القرار الذي كاد ان يحرم لبنان و مقاومته من الانتصار ، لكن حنكة المقاومة و مرونتها و شجاعتها و حكمة قيادتها تمكنت من تعطيل الغام القرار و حرمت العدو من ثمار احتياله في مجلس الأمن . ان معسكر العدوان يدرك وبالملموس انه لن يستطيع اليوم مع وجود هذا الفريق المميز على راس معسكر الدفاع عن سورية والمنطقة ان يسلب المعسكر انتصاراته أو ان يأخذ منه بالسياسة ما عجز عنه في الميدان. ولهذا هو كما قلنا أمام أحد خيارين أما التسليم بالهزيمة وتوسل العمل السياسي لتلطيف وقعها، أو المكابرة والهروب إلى الأمام بعمل عسكري جديد.
ومع معاكسة الظروف أو عدم نضوجها للخوض في عمل سياسي مجدي، وعندم تهيؤ الحالة النفسية للتسلم بالهزيمة علقت أميركا مباحثات أو مقاربات جنيف للحل السياسي، وسارت بالخطة الأخيرة التي أسميت الخطة ب أو خطة التقسيم، لكن سورية ومعسكر الدفاع عنها التقطوا الإشارة وبادروا ومن غير تردد إلى عمل ميداني يجهض الخطة في مرحلة أولى ثم يتابع في مرحلة ثانية لإنتاج بيئة حسم في الميدان من شانها أفهام العدو بان أي خطة عدوان جديدة لن يكون مصيرها أفضل مما سبق ، بما في بذلك خطة ترتكز على قوات الناتو مع العالم ان زج الناتو في اجتياح سورية بات وفقا للمعطيات المتوفرة و بالعلم السكري و المنطق مستبعدا كليا أو يكاد يكون خارج البحث .
وبهذه الاستراتيجية الدفاعية تمكنت سورية وحلفاؤها أسقاط خط التقسيم المستندة إلى العامل الكردي والتي هدفت إلى وضع اليد على منطقة تقع شمال الخط من البو كمال ال عفرين منطقة تكاد تلامس ال 40% من ساحة سورية ويقطنها ما يقارب من ثلث الشعب السوري. لكن هذه الخطة سقطت وباتت أميركا اليوم في وضع لا تتمكن فيه من السير قدما بالحل السياسي دون الإقرار بالهزيمة ولا تتمكن فيه من الأقدام على عمل عسكري دون مشاركة الناتو بثقله كله، وبات جل ما تستطيع فعله الآن هو منع سورية وحلفاؤها من خوض معارك فاصلة وفرض واقع الانتصار الذي لا يجهض.
لقد حددت سورية مع حلفاؤها الخيارات و وضعت جدول الأوليات الذي لا تحيد عنه و سجلت حلب و الرقة و تاليا دير الزور في طليعة الجدول و لكن لتبقى لحلب أهمية تتقدم على ما عاداها لذلك وضعت خطة تحريرها لتنفذ على مراحل ثلاثة تبدأ الأولى بالتحضير و التهيئة و تنظيم الوحدات العسكرية اللازمة للمعركة وقد أنجزت هذه المرحلة تماما ، و تكون المرحلة الثانية لمثابة مرحلة تهيئة البيئة العملانية في الميدان الحلبي للعمل الهجومي الناجح عبر تثبيت نقاط الارتكاز و ضرب تجمعات الإرهابيين لحرمانهم من القدرات الهجومية كما و معالجة النتوءات في الميدان عبر قضم ارض و قطع محاور أمداد المسلحين كما جرى في مزرع الملاح و قطع شريان الكاستيلو ، و تبقى المرحلة الثالثة التي يقترب أجلها و هي مرحلة الانقضاض و تطهير حلب من الإرهاب و يكون الإنجاز المفصلي الذي يدخل المنطقة كلها في عهد جديد لصالح معسكر الدفاع عن سورية و عن محور المقاومة .
ان أميركا تخشى هذه اللحظة بالذات وباتت تطالب بوقف عملية حلب والحؤول دون استكمال مرحلتها الثالثة والأخيرة ولذلك تضغط بكل ثقلها لوقفها. أما سورية فأنها و بعد ان باتت متمكنة من السيطرة على الميدان و تشعر بانها سيدته فأنها سمحت لنفسها ان تعلن هدنة من جانب واحد ، هدنة تستفيد منها القوى الدفاع عن سورية في عملية تهيئة البيئة العملانية في الميدان للتحضير لمرحلة الانقضاض دون ان تتمكن القوى الإرهابية من تعويض خسائرها و تصحيح أوضاعها لأنها باتت محاصرة و بالتالي فان هدنة يعلنها الفريق الأقوى الذي احكم الحصار تعتبر في مفاعيلها المعنوية و المادية لصالح من اعلنها ، بخلاف الهدنة الخديعة التي يعلنها طرف ثالث و يلزم بها الفريقين فيلتزم من كان ذا مصداقية و يخرق من كان غير ذلك دون ان يخشى مساءلة.
وبالمحصلة نقول ان ليس أمام معسكر العدوان على سورية الأن ان يسير في الحل السياسي، أو يلجأ إلى حل عسكري يلجأ فيه إلى قوة الناتو بل ان جل ما لديه ان يفعل عودة إلى تكثيف عمليات الأجرام الإرهابي من قتل وتدمير ثم الضغط لمنع سورية من متابعة عملها الميداني ومنعها من تحقيق إنجازات جديدة مراهنا على أمور لا يعرف هو ما هي بالضبط من اجل تغيير المشهد.
وبالمقابل نجد معسكر الدفاع عن سورية ماضيا قدما في تطبيق استراتيجيته الهادفة إلى انتتاج مشهد يعجز فيه المعتدي عن إطلاق خطة عددان جديدة، كما يعجز عن المراوغة في السياسة لتجريد سورية من انتصارها.
ان مرحلة التسويف والضغط الأميركي هذه بوجهيها السياسي والإجرامي الإرهابي ستستمر لفترة لا يبدو أنها ستنقضي قبل تشرين الثاني المقبل وفي المقابل ان معسكر الدفاع عن سورية ماضي خلال هذه الفترة في عملياته الميدانية في حلب وسواها، وحركته السياسية ضمن الثوابت وهو مطمئن للنتائج.
العميد د. أمين محمد حطيط
التعليقات مغلقة.